قمة المناخ... إلتزامات في مهب الريح
اجتمع ممثلو دول العالم بتاريخ 22 نيسان الماضي في الأمم المتحدة بمدينة نيويورك للتوقيع على الاتفاق العالمي بشأن تغير المناخ الذي أبرم بالعاصمة الفرنسية باريس في كانون الأول. وقد وافق مائة وخمسة وتسعون بلدا على ضرورة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتخفيضها درجتين مئويتين فوق مستويات holocène (ما قبل الثورة الصناعية)، وذلك بنسبة لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية.
وقد تعهدت الدول بالمساهمات المحددة وطنيا (INDCs) لخفض انبعاثات الغاز المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2030، وهذا يعد إنجازاً كبيرا، لكنه ليس كافيا.
في الواقع، حتى لو تحققت جميع أهداف INDCs، فإضطرابات المناخ ستظل متجهة نحو ارتفاع درجات الحرارة في نهاية المطاف بنسبة تناهز 2.7 إلى 3.4 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وللحفاظ على ارتفاع درجة حرارة أقل من درجتين مئويتين، يجب خفض الانبعاثات في عام 2030 إلى أقل من 30٪ من تلك المنصوص عليها في المساهمات المحددة وطنيا، وهو ما يعتبر منطقاً مستحيلاً لأسباب عدة أهمها:
- صعوبة التخلي عن الوقود الأحفوري وتعويضه بالكهرباء المولدة من مصادر خالية من الكربون، فكهرباء الصناعات الثقيلة كصناعة الصلب مازالت حلماً بعيد المنال في ظل التطور التكنولوجي البطيء الذي يشهده العالم في مجال الصناعة الثقيلة، فحتى مع أكثر السيناريوهات طموحاً لن يقل استعمال الفحم الصخري أكثر أنواع الطاقة تلويثاً للمناخ بـ 35٪ من توليد الكهرباء في العالم في عام 2030.
- قدمت أغلبية الدول العالم تقريرها حول إصدارها لغازات الاحتباس الحراري دون إدراج واحتساب حركة الملاحة البحرية والجوية في هذه التقارير، وهي تعتبر من القطاعات النهمة في استهلاك الطاقة ومن المرجح أن تتطور هذه القطاعات للطاقة ما بين 50-250% بحلول سنة 2050.
- دعم الطاقات المتجددة مقارنةً بالدعم المخصص للطاقات الاحفورية يعتبر هزيلاً للغاية، فكل دقيقة يستثمر فيها 3 مليون دولار في مجال الطاقات الغير المتجددة أي ما يعادل 4740 مليار دولار سنوياً، مقابل استثمار هزيل في مجال الطاقات الغير المتجددة التي لا تتعدى 108 مليار دولار سنوياً.
- كثير من دول الصناعية الجديدة كجنوب إفريقيا والبرازيل تتهرب من خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري نظراً للأضرار الاقتصادية المحتملة وتسعى لفرض معادلة جديدة في احتساب انبعاثاتها وفرض مقاربات جديدة شعارها اقتصاد بنسب كربون مخفضة، وهو ما يعتبر عملية احتيال منمقة لتفادي الالتزام بالمرحلة الثانية من بروتوكول كيوتو.
من المنتظر أن تكون قمة مراكش للمناخ، قمة كسابقاتها تضيع فيها الفرص الجادة لإنقاذ شعوب الدول الأكثر فقراً من براثن مناخ متقلب وغير مستقر، فعلى الجهات المختصة وصناع القرار أن يتشاركوا في نقاش واعٍ يضم كل التحديات التي تنتظرنا. فالهدف المشترك واضح: وهو بناء اقتصاد بحد أدنى من غازات الاحتباس الحراري الذي من شأنه أن يٌبقي درجات الحرارة العالمية منحصرة في درجتين مئويتين من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع تحقيق الرخاء لعالم يضم عشرة مليارات من البشر أو أكثر.