خاص بآفاق البيئة والتنمية
الطيبة قرية فلسطينية تقع في الشمالي الشرقي لمدينة رام الله على بعد 14 كم، ترتفع عن سطح البحر حوالي 930 متراً وتعتبر من أكبر قرى مدينة رام الله حيث تبلغ مساحة أراضيها 25 ألف دونم، وتتميز الطيبة بموقعها الجميل والمطلّ على منطقة الغور والبحر الميت من الشرق، ويحدّها من الشمال قرية دير جرير وكل من عين يبرود وسلواد من الشمال الغربي، ورمون من الجنوب، وغور الأردن وأريحا من الجنوب الشرقي.
رئيس بلدية الطيبة نديم بركات يقول بأن البلدة تقع بين قرى مجاورة تعيش في تآخي وإحترام متبادل، خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية، ويضيف بأن الطيبة في الفترة الكنعانية كانت تحمل إسم "عفرة" الذي يعني الغزالة، وفي العهد الروماني سميت أفريما " Aphairema "، وفي العصور الوسطى أطلق عليها إسم أفرون " Efraon "، أما الإسم الحالي هو الطيبة، فيقال أن الذي دعاها بهذا الاسم هو صلاح الدين الأيوبي.
حين وصلنا قرية الطيبة شاهدنا الحضارة القديمة والتاريخ والأصالة بأم أعيننا حيث تحتوي القرية على العديد من المعالم الأثرية والدينية، التي تتميز بالنسيج المعماري المتجانس، فتوجد فيها بقايا قلعة صليبية إسمها "البوبرية" وهي قلعة بنيت أثناء فتوحات بلاد الشام وكانت مركز صدارة في العهد الصليبي، إضافة إلى وجود معاصر الزيتون والعنب والقبور الحجرية القديمة، والعديد من الخرب كخربة إزغير وخربة جبيلة وخربة الديسي، وأيضا كنيسة الخضر البيزنطية، ودير مار أفرام وأيضا خربة تشيليا التي صادرها الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً.
أثار كنيسة الخضر البيزنطية في قرية الطيبة قضاء رام الله
كنيسة الخضر الأثرية
رافقنا في جولتنا الميدانية نديم بركات رئيس بلدية الطيبة وتجولنا في أرجاء البلدة، وعند الاقتراب من كنيسة الخضر شاهدنا لوحة طبيعية وحديقة جميلة مزروعة بالأشجار المثمرة وخلفها تتربع كنيسة الخضر على أعلى تلة في المنطقة والتي تعيدنا لتاريخ ما زال شامخاً بأعمدة الكنيسة وأقواسها وحجارتها القديمة رغم ما تعرضت له من تدمير بفعل الحروب الصليبية.
كنيسة الخضر أو كنيسة مار جريس، معناها الحارث الذي كان يحرث الأرض ويزرعها ويخضرها، وهي كنيسة بيزنطية بنيت في القرن الخامس الميلادي، وبجوارها مغارة صغيرة ذات طراز عمراني صليبي.
وبعدها شاهدنا أكثر الأماكن المقدسة لدى الطائفة المسيحية وهو المكان الذي اختبأ فيه سيدنا المسيح سبعة أيام هرباً من بطش اليهود في فترة دعوة المسيح تحت حكم الرومان، وما زال أهالي الطيبة يحافظون على بقايا الكنيسة التي بنيت قبل كنيسة القيامة ومرّ عليها بيزنطيون ورومان وأتراك، حيث يشكل هذا المكان قبلة للسائحين من كافة أنحاء العالم.
|
|
كنيسة الخضر البيزنطية في قرية الطيبة قضاء رام الله |
ما تبقى من كنيسة الخضر البيزنطية في قرية الطيبة قضاء رام الله |
وحول كنيسة الخضر، يقول الأب جاك عابد كاهن رعية الروم الكاثوليك في قرية الطيبة أن أرضية الكنيسة كانت مرصوفة بالفسيفساء وتملؤها لوحات من وجوه بشر وطيور وحيوانات وأشجار وغيرها من الرموز ولكن بعد هدمها من قبل الصليبيين بقيت كما هي الآن وهي تحتوي على بقايا فسيفساء قديمة تم تنظيفها أثناء الترميم الأخير.
ويضيف جاك أن أسوار الكنيسة بنيت على أرضيات الفسيفساء وترك البيزنطيون فيها أساليب عمارتهم ممثلة بالممرات الثنائية المبلطة بالحجر والتي يفصلها فراغ غير مبلط، وأقواس كنيسة الخضر بنيت بشكل هندسي رائع جداً، ويوجد في ساحة الكنيسة الخارجية عامود ضخم تم نحته بشكل هندسي.
وتحتوي الكنيسة على ثلاثة أبار لتجميع مياه المطر وتتكون الكنيسة من مجمع بناء ضخم (28-26 متراً مربعاً) ومن ثلاثة أروقة، أما مرحلة البناء الرئيسية الثانية في الكنيسة فتعود إلى العصور الوسطى وترتبط الكنيسة بشخصية القديس الخضر وهو قديس شعبي في فلسطين يكرمه المسيحيون والمسلمون على حد سواء.
منذ عام 2000 بدأت أعمال ترميم كنيسة الخضر على قدم وساق من قبل بعثة فلسطينية فرنسية مشتركة وعلى رأسهم عالم الآثار الفرنسي ميشيل فارسون شملت هذه الترميمات أعمال تنظيف شاملة في الموقع، وتم الكشف عن الجناح الشمالي من الكنيسة الذي كان مغطى بالتراب والرمل، وأيضا كشفت البعثة عن أرضيات الفسيفساء، وتم تأسيس حديقة أثرية وسياحية مجهزة بالمرافق والخدمات تتبع للكنيسة يزورها الناس من جميع الأماكن.
وعند التجول في الكنيسة شوهد قبو أثري على شكل نصف دائرة، وقال الأب جاك بأن هذا المخبأ وجدت فيه مشاعل وفخار وأسرجة إضاءة، وكيلوغراماً من الحلي من خواتم وأساور ذهبية احتفظت بها وزارة السياحة والآثار.
ويقول محمد كراجة ممثل وزارة السياحة في الطيبة أن الموقع الأثري أكتشف قبل أربع سنوات حيث تم تبليغ وزارة السياحة وبعدها تم الاحتفاظ بعدد من الأسرجة والحلي التي تعود للفترة البيزنطية وهذا يدل على أن المنطقة كانت غنية وذات اهتمام منذ القدم.
ويشير كراجة بأن القطع الأثرية والحلي موجودة في خزينة وزارة السياحة كملك لبلدية الطيبة وتنتظر الوزارة إقامة متحف الطيبة الأثري لإعادتها الى الموقع حتى تكون أقرب إلى الزائر لفهم قيمة الآثار الموجودة في المكان، ويضيف كراجة بأن منطقة الطيبة من المواقع القليلة جداً على مستوى فلسطين التي لم تخلُ من السكان على مدى التاريخ.
|
|
أدوات تراثية قيمة عمرها مئات السنين في قرية الطيبة قضاء رام الله |
مخزن قديم لتخزين الحبوب في الطيبة وعمره مئات السنين |
بيت الأمثال الفلسطيني
دخلنا أيضا بيتاً أثرياً قديماً مساحته لا تتعدى الـ 50 متراً مربعاً ولكنها تأخذنا إلى الحياة البسيطة التي عاشها الأجداد، ورغم بساطتها إلا أنها تدل على الرقي والحضارة، ففي كل شبر من بيت التراث الفلسطيني حكاية تجذبك وتشوقك الى أناس سكنوا هذا البيت واستخدموا الأدوات الموجودة فيه.
بيت الأمثال الفلسطيني يقع في قرية الطيبة وهو بيت فلسطيني تقليدي قديم، عمره حوالي 500 سنة، يقع في ساحة دير اللاتين وسط قرية الطيبة، يتكون هذا البيت من طابقين، الطابق العلوي مخصص لسكان البيت، ويتكون من قسمين تفصل بينهما مخازن صغيرة، أمّا الطابق السفلي فإنه مخصص للحيوانات كالمواشي والأبقار والدواجن وغيرها.
|
|
معدات تراثية عمرها مئات السنين في قرية الطيبة قضاء رام الله |
من متبقيات أدوات طهي الطعام التراثية في الطيبة وعمرها مئات السنين |
هذا البيت بني بحجارة كبيرة وبطريقة هندسية جميلة حيث أن له باباً رئيسياً على شكل قوس كبير بني بطريقة هندسية دقيقة، ويوجد في هذا البيت زاوية أو غرفة صغيرة. وأيضا في الطابق الثاني من البيت يوجد مخزن لتخزين الحبوب بالإضافة الى مكان للنوم وآخر لتناول الطعام .
نرى أيضاً في بيت الأمثال الكثير من الأواني والمعدات القديمة التي كان يستخدمها الأجداد في حياتهم اليومية ومن هذه الأواني، محراث خشبي كان يستخدمه الأجداد في حراثة الأرض، ومذراة خشبية كانت تستخدم أثناء دراسة الحبوب على البيدر لكي تفصل حبوب القمح عن القش، وأيضا جِرار من الفخار القديمة التي كانت تستخدم لنقل الماء من الآبار والينابيع إلى البيوت وأيضا لتخزين زيت الزيتون، والبابور الذي كان يستخدم في طهي الطعام، وسلال القش القديمة التي كانت تستخدم لحفظ الزاد وبيض الدجاج البلدي، وكربة السقا المصنوعة من جلد الحيوان الطبيعي تستخدم أيضا في صناعة السمن الحيواني عن طريق وضع اللبن في السقا، ويتم ربط فوهته بخيط فيصبح محكم الإغلاق ويتم تعليقه بثلاثة أرجل خشبية ويتم تحريكه بطريقة مستمرة لمدة ساعتين، لحين يتم تحويل اللبن إلى سمن حيواني بلدي يستخدم في مجالات طهي الطعام المختلفة والعلاج الشعبي.
عن بيت الأمثال الفلسطيني يقول الأب جوني أبو خليل كاهن رعية اللاتين في الطيبة، أنه بيت قديم كان يتبع لإحدى عائلات الطيبة وبسبب وجوده بالقرب من الكنيسة تم شرائه وضمه لها، حيث يوجد في هذا البيت بعض الأدوات التي كان يستخدمها يسوع المسيح أثناء سرد تعاليمه للناس وهذه الأدوات ذكرت في الكتاب المقدس.
|
|
مغارة صغيرة ذات طراز عمراني بيزنطي بمحاذاة كنيسة الخضر بقرية الطيبة |
مغارة صغيرة ذات طراز عمراني صليبي في قرية الطيبة |
لم تكن زيارة قرية الطيبة هي زيارة عابرة لديّ ولدى أي زائر آخر، وإنما تفتح لزائرها بوابة عبر الزمن من خلال تلك المعالم والآثار العريقة لتاريخ وحضارة ممتدة منذ القدم، فالطيبة بطيبتها أخذتنا الى حياة البساطة والهدوء رغم الحياة الشاقة التي عاشها الأجداد.
آثار كنيسة الخضر في قرية الطيبة