خاص بآفاق البيئة والتنمية
تشكل حقول بلدة عقابا لوحة هندسية، تتحدد سطورها في تمثيل أسراب منظمة من الشجر الذي يخلع ملابسه مع حلول الخريف. ويجتمع ستيني وشبان وفتية حول شجرة في سهول البلدة، شمال غرب طوباس، ويغرقون في جمع الثمار، ويستندون إلى سلالم خشبية، ومفارش وأكياس بلاستيكية، فيما يحتمون من الشمس بقبعاتهم، ويتزودون بماء مثلج وقهوة، ويحرصون على مسلة وخيوط، وينتقلون من شجرة إلى أخرى.
يقول المزارع سميح غنام، 64 عامًا، وهو عضو هيئة عامة في جمعية عقابا الزراعية، إن محصول هذا العام من اللوز سيكون وفيراً، وسينتج الدونم الواحد بين 80 -100 كيلوغرام، فيما قلّ العائد العام الماضي أكثر من النصف بفعل العواصف الرملية التي ضربت الأشجار وثمارها.
ذهب
ويؤكد غنام، أن الشجرة الواحدة تنتج بين 10-12 كيلوغرام، فيما تزيد غلتها إلى 15 كيلوغرام في حالة الري، بينما تقلل آفة دبور اللوز والصمغ وتراجع الأمطار العائد بشكل لافت، وتتوزع أسراب اللوز في السهول الممتدة كالكف في حقول البلدة التي تعلو البحر بـ 800 متر، فيما يستوعب الدونم الواحد نحو 25 شجرة تضرب جذورها في الأرض بدورة حياة قصيرة نسبياً تقل عن العشرين سنة.
يتابع: لوزنا دون ملوثات، ونعاني جراء اللوز الإسرائيلي الذي يغرق السوق، وهذه الشجرة جميلة في أزهارها وثمارها، وحتى قشورها تذهب كعلف للماشية.
في سرب ثانٍ، يجتمع الشابان محمد أمين وأحمد كمال، بجوار الأربعينيين محمد وكمال حسن على شجرة من صنف حسن الأسعد ( نسبة إلى المهندس الزراعي الفحماوي الذي طورها سابقاً)، ويتبادلون الحديث وهم يفصلون الثمار بقشورها المائلة إلى الاحمرار عن الأغصان، ثم سرعان ما ينهون الشجرة فيجمعون الفرش البلاستيكي الأسود من تحتها، وينقلون الثمر إلى أكياس بيضاء تشق طريقها إلى أماكن التقشير داخل البلدة، ويكررون الكرة لشجرة أخرى.
يسرد كمال: أعمل منذ 15 سنة في اللوز، ونعمل من الصباح الباكر حتى التاسعة صباحًا، وبوسع العامل النشيط جمع 10 أكياس من اللوز، ويمتد الموسم لشهر حارق يأتي في عز الصيف.
حصاد
ويقارن الأهالي بين لوزهم وزيتونهم، ويجُمعون أن اللوز ذائع الصيت بأزهاره أصعب، فهو يأتي في أجواء حارة، ويتسبب غباره بمضايقة القاطفين، ويحتاج إلى سرعة وجهد، فلا يمكن تأخير اللوز؛ لأن القشور إن جفت تحتاج إلى عناء إضافي كما يقول محمد حسن، الذي يتصبب عرقًا وهو يعبئ الثمار في كيس أبيض.
وكانت قرية عنزا وجارتها عجة جنوب جنين تشتهران بمحصول اللوز في السابق، قبل أن تسحب عقابا البساط من تحت أقدامهما وتجمع في الموسم الجيد 80 طنًا من أصناف أربعة أشهرها حسن الأسعد ونابة، و(م.د) والأمريكي.
ثروة
ويتباهى رئيس البلدية جمال أبو عرة بأن بلدته تجمع بين الأخضرين: اللوز والزيتون، وبتربعها على عرش إنتاج اللوز الفركي، الذي سرعان ما تتهاوى قشوره عن لبابه.
ويضيف: في عقابا نحو 1500 دونم ( من أصل خمسة آلاف دونم هي كل أراضيها)، توفر فرصة لأكثر من مئة عائلة في البلدة التي يقطنها 9500 مواطن، وتعيش خلال تموز موسم القطاف الذي تتشارك أفراد الأسرة فيه، فيتخصص الرجال والشبان والفتية في جمع الحب ونقله إلى المنازل، ويعهد للنساء نزع قشوره الخارجية، قبل تجفيفه وتسويقه.
ويؤكد أبو عرة أن لوز عقابا بدأ يزدهر في العقدين الماضيين، وصارت الأشجار الخضراء تحيط بالبلدة من كل الجهات، وتصدر محصولها عبر شركتي (ريف) و(كنعان) إلى أوروبا وخاصة فرنسا.
بحسبة بسيطة، يحصل المواطن الواحد في البلدة على نحو 4 شجرات لوز، وهو نصيب كبير يتجاوز حصة الفرد من أشجار الزيتون، ويؤكد أبو عرة، أن البلدية تضع في خططها المستقبلية حفر بئر لري اللوز؛ ليتضاعف الإنتاج بشكل كبير.
واستنادًا إلى المدير الإداري للبلدية أشرف غنام، فإن موسم اللوز يميز عقابا عن غيرها، ويوفر فرصة عمل للشبان والنساء، وقد طور مزارعوها آلة لنزع القشور عن الثمار، ما سهل المهمة، واختصر الوقت.
ويتابع: دخلت هذه الشجرة إلى البلدة عبر جمعيات زراعية، وخاصة الإغاثة الزراعية، التي وفرت الأشتال للفلاحين، وصارت تمتد لمساحات أكبر بالتدريج ساعدها في ذلك المناخ المناسب للبلدة، والتربة الرملية، والأمطار الجيدة.
واستحدث سميح غنام، المربي المتقاعد، آلة نزع القشور صارت تختصر الوقت، ورفعت إنتاجية العاملات في تقشير المحصول لأكثر من ثلاثة أضعاف.
يمسك الثلاثيني محمد أبو العز بوعاء كبير يودعه في ممر لآلة فضية اللون سرعان ما تخرج الثمار خالية من معظم قشورها، ويشرف غنام على الأداة الجديدة، التي لم يبخل بسرها فمررها لستة من مزارعي البلدة، ولا تتجاوز تكلفتها ألفي شيقل.
ويقول: بنصف ساعة نجهز خمسة أكياس، وصرنا نوفر 70 في المئة من الوقت، ونسهل للعاملات مهمتهن في التقشير.
مواسم
وتجتمع فاطمة محمود، وسمية محمد، وباسمة حسن، وخولة حسن، وإلهام أبو شقرة على طاولة مستطيلة يحررن الثمار من جلودها، ويكملن ما سهلته لهن القشارة الجديدة.
تقول الخمسينية محمود: نعمل من العاشرة صباحًا وحتى الثامنة مساء، ويستمر الموسم نحو شهر، وفي اليوم الواحد تنتج الواحدة منا بين 50 و60 كيلوغرام، العمل جميل وفيه بعض التعب، وخاصة الجلوس لوقت طويل، وغبار الثمار والحر والعرق، وأيضًا طوال الموسم لا نتمكن من المشاركة في المناسبات الاجتماعية خلال هذا الشهر.
وتؤكد وهي تنقل الثمار في وعاء أسود : اللوز موسم، وساعدتنا آلة التقشير كثيرًا، ولكي ننسى التعب والوقت الطويل نتحدث عن هموم الدنيا، والطبخة الأكثر شيوعًا في موسم اللوز هي أوراق العنب، ولا نأكل منه غير حبات قليلة طوال النهار، ونشرب العصائر والماء بكثرة.
ويباع اللوز بعد تجفيفه بـ 25 شيقلاً للكيلوغرام الواحد، فيما يشيع في معظم بيوت عقابا، ويدخل لتزيين أطباق الأرز، ويُدفع به لصناعة معظم أنواع الحلوى الشرقية التي تتقنها نساء البلدة كالكلاج والقطايف، وتضاف لمشروب القرفة وغيرها، ويصفه أهالي البلدة المحاطة بالأشجار والحقول الزراعية من ثلاث جهات بالسُكّر.
دواء
يقتبس الشاب سامر أبو عرة عن موقع (ويب طب)، فوائد اللوز الصحية العديدة، فهو يحتوي على أحماض دهنية غير مشبعة تساعد على خفض الكوليسترول، وغني بالمغنيسيوم، والكالسيوم، وفيتامين E والبوتاسيوم.
ويضيف: "يساعد اللوز الذي تشتهر به بلدتنا على خفض ضغط الدم، وتقوية العظام. وله ميزة موازنة السكر في الجسم وتخفيف الحرقة، ويحسن مرونة الجلد وحتى الحالة المزاجية، ويخفف الغثيان الذي يصاحب الحمل، فيما العديد من مرضى السرطان يدمجون اللوز في نظامهم الغذائي بسبب احتوائه على كميات كبيرة من الفيتامينات، والمعادن، والبروتينات، والأحماض الدهنية والمواد الكيميائية النباتية، والتي يمكن أن تمنع انتشار السرطان في الجسم".
 |
|
 |
قرية عقابا ملكة اللوز |
aabdkh@yahoo.com