"منتدى الحق في المياه"...قوة عربية بوجه الخصخصة والتلوث
حبيب معلوف
اتفق المجتمعون خلال منتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية (عقد في تونس بين 1 و4 آب) على أن يشكلوا القوة الثالثة في المنطقة العربية، ممثلين المجتمع المدني العربي، لإحداث التوازن المطلوب مع السلطات ومع القطاع الخاص المستثمر في المنطقة، بالإضافة إلى مهمة مراجعة التقارير الرسمية والخاصة والدولية ذات الصلة. كما اتفقوا على أن تكون القراءات "نقدية" ذات خلفية واضحة في رفض الاتجاهات القوية لخصخصة المياه وتأكيد انها حق من حقوق الإنسان الأساسية، وعلى دول المنطقة إصدار التشريعات اللازمة لصونه وحفظ حقوق الأجيال القادمة.
مفاهيم جديدة
المنتدى الذي تأسس العام 2008 ويضم ممثلين من مختلف البلدان العربية بين جمعيات وشبكات وخبراء، بات أمام مهمة جديدة أقرّت في تونس، تقوم على إصدار تقارير كل سنتين (تبدأ مع تقرير ينجز قبل المنتدى العالمي للمياه الذي يعقد في البرازيل العام 2018)، تشرح وضع المياه في المنطقة العربية، من وجهة نظر المجتمع المدني وخبرائه الملتزمين بقضايا المجتمعات. كما تم الاتفاق على منهجية لإعداد التقارير تؤكد ان المياه حقّ مع رفض خصخصتها، وخلق مفاهيم جديدة لمقاربة مسألة المياه وربطها بالقضية البيئية والنظم الايكولوجية كأساس للمقاربات، وربط قضية المياه باستخداماتها، وبسياسات باقي القطاعات ذات الصلة، ومراجعة الأرقام التي تصدر عن الجهات الرسمية والخاصة والدولية، وتأكيد ضرورة إقرار الدساتير والقوانين للتأكيد ان المياه ملكية عامة وعلى الدول ان تلعب دورا اساسيا في تحمل مسؤولية ادارتها وحفظها وحمايتها وحسن توزيعها ومراجعة الاطار القانوني الدولي والمحلي لإدارة المياه بالإضافة إلى الإطار المؤسساتي، والتدقيق في المعطيات وفي أجهزة القياس ومراجعة عمليات التسعير ورصد النضالات في الدول والمناطق ضد الخصخصة أو لحفظ النوعية أو لمحاربة المشاريع الكبرى التي تتصف بالهدر كإنشاء السدود السطحية ومراجعة مدى مطابقة المشاريع للنظم الايكولوجية في كل بلد، بالإضافة إلى محاولة اقتراح البدائل من الخطط المطعون فيها...الخ
كما طرحت أفكار ومستجدات جديدة يفترض أن تعالجها التقارير، منها ما يتعلق باستخدام المياه في الحروب وسيطرة الإرهاب على مصادر المياه وأثر الحروب والنزوح والتغيير السكاني وأثر اللجوء على المياه.
السدود كسياسات استعمارية
كان لافتا في الملتقى التقارب في الدراسات والتقارير من المغرب والجزائر وتونس لناحية مقاربة تجارب هذه الدول في إنشاء السدود الكبيرة تاريخيًا، والتي أجمعت الآراء على انها كانت لأسباب استعمارية وبهدف تصدير المزروعات الى أوروبا او محاولة لتغيير جغرافيا الدول وديموغرافيتها، أكثر منها لحاجات وطنية حقيقية. كما اعتبر أحد الخبراء المصريين ان إنشاء سد النهضة كان بهدف تسليع المياه وخصخصتها أكثر من أي شيء آخر، معتبرا أن هذا المشروع يعتبر أساسًا لتسعير المياه بحجة استرداد الكلفة العالية للإنشاء.
كما تم التطرق الى مشكلة الطمي التي تسببها السدود والتلوث والمشاكل بين دول المنبع ودول المصب. واعتبر أن تعبير "حروب المياه" في المنطقة قد نشأ بعد النزاع عام 1978 بين إثيوبيا (بلد المنبع) ومصر (كبلد المصب) حين هدد السادات بحرب إذا قطعت المياه عن مصر. كما حصل اعتراض على الحديث بالجملة عن "ندرة المياه" في المنطقة العربية، على اعتبار ان المشكلة تكمن في السياسات المتبعة وفي سوء الإدارة.
أجمع المشاركون على تأكيد وجود عصابات في كل بلد تسرق المياه بشكل أو بآخر وتتاجر بها. كما تبين ان المغرب هو البلد الوحيد الذي أقرّ قانونًا للمياه في المنطقة، أما الإجماع الثاني، فقد تبلور حول تقييم سياسات البنك الدولي والكثير من المنتديات العالمية والشركات الخاصة ذات الطابع العالمي التي تروج لمفاهيم وقوانين وتمويل مشاريع، هدفها في النهاية تسليع المياه والمتاجرة بهذه المادة الاستراتيجية التي طالما اعتبرت حقًا من حقوق الانسان.
أسطورة سد مأرب
أما لناحية إعداد الأوراق لرصد وضعية المياه في المنطقة العربية، فقد تبين أن هناك مشاكل في التواصل مع بعض الدول وفي الحصول على معلومات دقيقة، لا سيما في سوريا والعراق وفلسطين والسودان. كما برزت مداخلة يمنية تحدثت عن أسطورة اعتبار سد مأرب بين السدود الأولى في المنطقة، مع تأكيد أحد الخبراء اليمنيين ان سد مأرب لم يكن سدًا، بل حاجزا ترابيًا لفصل الصيف فقط، سرعان ما يجرفه النهر مع أول هطول غزير للأمطار.
أما الورقة الجزائرية فأكدت ان المياه لا تزال تعتبر ملكية عامة في الجزائر وقد بدأت عمليات الخصخصة العام 2005 لناحية التسيير، بالإضافة إلى دراسات خيرت الدولة بين تحلية مياه البحر او نقل المياه من الجنوب الى الشمال. وقد تم الإشارة الى ان السبب الثالث للاحتجاج في الجزائر هو المياه. وقد سجّلت اعتراضات كبيرة على خيار تكسير الصخور بالمياه لاستخراج الغاز الصخري، ما يهدد المياه الجوفية بالتلوث الحتمي، مع التأكيد أن الدولة الجزائرية تدعم قطاع المياه فلا تقطع المياه إذا لم تدفع الفاتورة كما يحصل عادة مع الكهرباء.