خاص بآفاق البيئة والتنمية
يعمل في قطاع تربية النحل في الأراضي الفلسطينية 2000 نحال، أنتجوا مجتمعين خلال العام 2015، 900 طن من عسل النحل الصافي، بزيادة بلغت 390 طناً عن العام 2014، وقد توزعت خلايا النحل على الضفة الغربية وغزة، بواقع 57 ألف خلية للأولى و 25 ألف خلية للثانية، وذلك وفقاً لأرقام واحصائيات وزارة الزراعة الفلسطينية.
تتنوع أنواع سلالات النحل في فلسطين وتتفاوت أعدادها، وذلك لتمتع النحل في بلادنا بعدة صفات، أهمها التأقلم ومقاومة الأمراض، الأمر الذي يجعل السلالات صالحة للانتخاب والتحسين.
وبحسب مدير دائرة ارشاد النحل في وزارة الزراعة، المهندس وليد لحلوح، فإن الكفة ترجح لصالح السلالات أو طوائف النحل المهجنة، وهي تلك التي لا تمتلك حافظة جينية واضحة، خاصة في ظل غياب مركز سلالات لدى وزارة الصحة الفلسطينية يحتفط بالتوصيفات الجينية لطوائف نحل العسل في فلسطين.
وبحسب اللحلوح، تأتي سلالة النحل الإيطالي في مقدمة سلالات النحل التي تربى في فلسطين بنسبة 48%، وفي المرتبة الثانية النحل البلدي بنسبة 17%، و 1% فقط يربون سلالة النحل السوري الذي يوجد منه صنفان هما "السياقي" وهو نحل ضعيف الإنتاج وشرس الطباع وميال للتطريد، و يأتي الصنف الثاني "الغنامي" بصفات معكوسة تماما.
عسل نبتة الكميلة المنتج في قرية كفر مالك
أنواع العسل في فلسطين
في قرية كفر مالك، شمال شرق مدينة رام الله، تعمل خمسة نسوة في إنتاج النحل ضمن مشروع يحظى بدعم أجنبي، وإن انتهى المشروع إلا أن إنتاج السيدات "النحالات" لا زال مستمرا، يخرجن في الصباحات الباكرة إلى تلة مرتفعة على طرف القرية، يتفقدن الخلايا ويقدمن لها ما تحتاج.
ينتج مشروع النسوة في كفر مالك نوعين من أنواع العسل، عسل السدر وعسل نبتة "الكُميلة"، ينتج الأول في الشتاء في حين يقطفن الثاني صيفاً، ويبلغ متوسط الإنتاج السنوي للنوعين 100 كيلو عسل طبيعي، لكن هذان النوعان يندرجان ضمن قائمة طويلة من أنواع العسل المنتجة فلسطينيا.
ووفقا للمهندس اللحلوح، فإن أنواع العسل المنتج في فلسطين تحتكم إلى اختلاف أنواع النحل والمراعي سواء كانت أشجار أو أزهار أو تربة، إلى جانب تأثرها بعوامل بيئية ومناخية وجغرافية، لكن وبسبب وجود فلسطين ضمن مناخ معتدل وبالرغم من صغر مساحتها الجغرافية إلاّ أن تعدد التضاريس والمناخات جميعها عوامل تساعد على وجود أنواع عديدة للعسل المنتج.
يوجد في فلسطين حوالي 20 نوعا من العسل وهي، العسل الجبلي، والعسل الجبلي الحنون المر، وعسل الزيتون، وعسل الزهور البرية وعسل حبة البركة، وعسل الزعتر، وعسل السدر وعسل القرنفل وعسل الأعشاب الطبية مثل النعناع والبابونج والكراويا، وعسل الفراولة وعسل السمسم، وعسل الكركدية والريحان والتفاح والخوخ والموز والورد البلدي والحمضيات، وهذا بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
مشاكل قطاع تربية النحل
تواجه صاحبات المشروع في قرية كفر مالك عدة صعاب في تربية النحل، فعدد خلايا النحل التي يمتلكنها في تذبذب، يزيد أحيانا ويتناقص أحياناً أخرى، وإن كن سعيدات بالزيادة، إلا أن النقصان يسبب انتكاسة لمشروعهن، ويتمثل أبرز ما يواجهنه من صعوبات في مرض "الفاروا" وغياب الدعم والتمويل.
في العام 2014، حصرت وزارة الزراعة الفلسطينية المشاكل التي يعاني منها قطاع تربية النحل، وتمثلت هذه المشاكل والعقبات بالمراعي، والآفات والامراض، وتدهور السلالات، والإدارة الخاطئة وقلة الخبرات وغيرها، جميعها مشاكل يوضحها لنا المهندس وليد لحلوح مقدماً مجموعة من الحلول.
مخزن ادوات النحل في قرية كفر مالك وتظهر مربية النحل إلى جانب الخلايا والداخون
المراعي
تعاني المراعي في الأراضي الفلسطينية من عدة مشاكل أبرزها صعوبة وصول مربي النحل إلى هذه المراعي خاصة وأن معظمها متواجد على رؤوس الجبال، وهذا ما اضطر سيدات كفر مالك إلى شراء سيارة بسيطة تلبي احتياجهن وعلة نفقتهن الخاصة، تقول أم صهيب وهي مسؤولة المشروع: "كانت السيارة أحد أهم عوامل استمرار المشروع، فلن يرضى أحد بإيصالنا إلى التل صباحا ومساءً، ولن نستطيع الاستمرار في دفع تكاليف سيارات الأجرة".
كما وتعاني المراعي وتقلص مساحتها نتيجة استيلاء الاحتلال على الأراضي لصالح المستوطنات والزحف العمراني، وهذا ما نلحظه بالعين المجردة بالقرب من خلايا النحل في كفر مالك، حيث يتواجد معسكر كبير لجيش الاحتلال بني على أراضي القرية، ويضاف إليها انتشار مكبات النفايات بالقرب منها وعملية التخلص منها عن طريق الحرق.
كذلك، تعاني المراعي من الرعي الجائر وقلة التوجه نحو زراعة النباتات الرحيقية التي تساعد على إنتاج أكبر من العسل، خاصة اذا ما علمنا أن النحل يقطع مسافة 5 كيلو مترات كحد أقصى باحثاً عن زهور ليمتص رحيقها.
الآفات والأمراض
تشير أم صهيب إلى أن "قراد الفاروا" هو أكثر ما يهدد مشروعها وزميلاتها، فهو من أكثر الأمراض فتكاً بحياة النحل، ومما طالعناه في موسوعة ويكيبديا على الإنترنت، فإن هذا القراد يقوم بإحداث جروح في جسم النحل والضغط عليها لامتصاص الدم مما يؤدي إلى موت الخلايا، وتفاقم المشكلة إذا ما علمنا أن القراد لا يرى بسهولة إلى جانب صعوبة الوصول إلى علاجاته وغيره من الأمراض وارتفاع أسعارها، ما يؤدي إلى تكرار استخدام ذات العلاجات المتوفرة باسعار معقولة، وهذه أيضا مشكلة لأن الآفات تصبح لديها القدرة على مقاومتها وبالتالي تفقد نجاعتها في العلاج.
تدهور السلالات
يعود سبب تدهور السلالات على عاملين اثنين رئيسيين، يشير إليهما اللحوح، حيث يتمثلان بفقدان بعض الصفات المرغوبة في الملكات وذلك نتيجة لتعاقب انتاج وتلقيح الملكات من نفس السلالة، وظهور بعض حالات الهجرة الجماعية للنحل بسبب سوء استخدام المبيدات وانتشار ابراج الاتصالات والكهرباء.
مربية نحل في قرية كفر مالك تعتني بخلايا النحل التي زرعتها على تلة قريبة
الإدارة الخاطئة للمناحل وقلة الخبرات
مشكلة إضافية تحدث عنها اللحلوح، وهي قلة أعداد المختصين في علاج أمراض النحل وآفاته وحتى منتجاته، وبالتالي قلة الأبحاث والمختبرات والمعدات اللازمة للوقوف على أمر النحل، ما يجعل العملية تتم بشكل عشوائي سواء من حيث عملية التربية بحد ذاتها أو أعداد مربي النحل الغير مدربين، ويضيف: "صحيح أن التجربة هي خير برهان لكن تبقى للناحية العلمية أهميتها، وهذه أمور تؤدي تداعياتها أيضا إلى خسارة شمع النحل بسبب تلفه نتيجة سوء التخزين وبالتالي الخسارة". كما وتطال المشكلة عمليات التسويق والخبرات التسويقية التي يحتاجها قطاع النحل عموما.
ويوضح اللحلوح مشكلة التسويق، التي تبرز من خلال سيطرة المنتوجات الإسرائيلية والمستوردة ذات التكلفة الأقل ومنافستها للمنتوجات المحلية من العسل التي تعتبر ذات التكلفة العالية نتيجة ارتفاع تكاليف الانتاج، وهذا يتداخل مع قلة الوعي عند المستهلك الفلسطيني لأنواع العسل فنجده، وهذه مشكلة عامة، يفضل المنتج المستورد خاصة وأن الشكوك دائما حاضرة حول عدم مطابقة بعض المنتجات الفلسطينية للمواصفات.
كما وينوه اللحلوح، إلى ارتفاع قيمة الضرائب، حيث يخضع المربون إلى دفع ثلاثة أنواع من الضرائب هي ضريبة القيمة المضافة والبالغة 15%، وضريبة الدخل 2% وضريبة الأملاك.
وتتفاقم هذه المشكلة نتيجة ضعف الدعم بمختلف أشكاله لكل ما يتعلق بقطاع تربية النحل، فتغذية النحل تعاني من قلة الدعم، وغياب الجهات المنتجة لمستلزمات تربية النحل، وهكذا نجد أن معظم المعدات المستخدمة في العملية تكون مستوردة وأسعارها مرتفعة.
مشكلة أخرى تطرق إليها اللحلوح، وهي ضعف الالتزام بالقرارات الصادرة عن وزارة الزراعة وخاصة فيما يتعلق بموضوع تسجيل الخلايا وحجم الانتاج، وعدم الالتزام بفحص المنتجات لدى الوزارة، واستخدام مربي النحل لأدوات غير معروفة أو معتمدة لدى الوزارة ونقل الخلايا دون إعلامها، وهذه أمور تضر بالنحل.
الحلول
لكل داء دواء، وعليه يمكن حلّ مشاكل قطاع تربية النحل في فلسطين من خلال اتباع مجموعة من النقاط التي تمثل تعليمات تحتاج لتضافر الجهود أولاً لتنفيذها وبالتالي إحداث التغيير والتحسين المرجو على أرض الواقع، بحسب مدير دائرة إرشاد النحل في وزارة الزراعة.
تشجيع زراعة النباتات الرحيقية مثل الكينا والسدر وأجراس الجنة، تضمن لنا إنتاج أكبر من العسل، واستغلال المساحات الغير المزروعة، بحيث يتم توزيع أنواع الأزهار حسب المنطقة التي تناسبها وفقا لتواريخ محددة وعدد أيام الإزهار.
كذلك، من الضروري تنظيم عمليات الرعي في المراعي والمحميات، ضبط استخدام المبيدات من حيث الأنواع وإعلام النحالين بالعملية لأخذ الاحتياطات اللازمة، والتنسيق ما بين النحالين ووزارة الزراعة لتحديد المراعي الخصبة، ومن الضروري الاهتمام بمحاربة عمليات حرق النفايات بالقرب من المراعي.
تدهور سلالات النحل في فلسطين تحتاج إلى إنشاء مركز مشترك ما بين وزارة الزراعة والمؤسسات العاملة في مجال تربية النحل ومربي النحل، لتتضافر الجهود في إنتاج الأمهات من خلال تقديم أبحاث علمية مدروسة.
وفيما يتعلق بالتسويق، يجب زيادة الرقابة على تجارة العسل ومنع استيراد العسل تحت مسمى منتج غذائي، وعلى مسؤولي التسويق تنظيم حملات توعية تبين أفضل أنواع العسل الطبيعي وتساعد المستهلك على سلامة الاختيار.
جميع ما سبق هي مشاكل يعانيها قطاع تربية النحل وإن وجدت لها الحلول المقترحة، إلا أن التنفيذ يبقى محدودا ومقتصرا على خطوات بسيطة لا ترقى لحجم المشكلة في قطاع يمكن أن يمثل ثروة حقيقية ومصدرا للدخل في الأراضي الفلسطينية.