خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
|
أجزاء شجرة سويد-من عائلة أشجار السدر- وهي وحيدة وسط الصحراء جنوب بلدة الظاهرية، ويقدر عمرها بأكثر من500 عام ويصل طولها إلى 12 مترا |
أعشاب غريبة في محيط القبور المسيحية الواقعة بجوار من كنيسة عناب |
المتجول في تلال بلدة الظاهرية الجرداء التي تعانق صحراء النقب في تناسق جميل يشعر انه يقلب صفحات التاريخ لحضارات عدة مرت على هذا المكان، تاركة شواهد مختلفة، مازلت تروي بقاياها حكايات وقصص أمم تغلبت على ظروف الحياة الصعبة التي فرضتها الطبيعة سواء كان ذلك في نظام حفر الآبار وجمع المياه او خلال تشييد البيوت والقصور الباردة صيفا والحارة شتاء، إضافة الى زراعة الأشجار المناسبة للظروف المناخية هناك.
ومن هذه الشواهد التي بقيت آثارها باقية ليومنا هذا لكنها تعاني الاندثار والاختفاء، وذلك بفعل الإهمال والسرقة لوقوعها في ما يسمى بمناطق "ج" حيث يمنع الاحتلال الإسرائيلي وزارة الآثار الفلسطينية من إحياء هذه التراث او حمايته.
"قصر جريدة"
يقع هذا القصر إلى الجنوب الغربي من بلدة الظاهرية بالقرب من خربه "اعسيلة" حيث تم اكتشافه في تسعينات القرن الماضي وهو بناء مكون من طابقين مرصوف أرضيته بفسيفساء ملونة ورسومات ذات دلائل تاريخية تعبر عن حوادث وقعت في تلك العصور.
الدكتور إبراهيم مخارزة عالم الآثار والذي قام بعمل حفريات بالقصر عام 1997 يفيد بأن سبب التسمية بـ “قصر جريدة" يعود إلى طبيعة المكان وهو" الأرض الجرداء" وهذا دليل على الحياة المناخية التي كان يعيشها سكان ذلك العصر، حيث استند هذا الاعتقاد إلى العثور على العديد من آبار جمع المياه إضافة الى وجود شبكة من القنوات الحجرية التي تساعد في وصول كل نقطة مياه من أقبية واحواش القصر الى هذه الآبار.
كما تم العثور على معاصر حجرية للزيت وهذه دليل على وجود أشجار الزيتون في المنطقة.
وتابع مخارزة الذي قام بإجراء فحص للحقب التاريخ التي مرت على هذه القصر بأنه اكتشف ان القسم السفلي "المغارة "تحتوي على آثار يونانية تعود للقرن الثالث قبل الميلاد أما القسم العلوي فإن الدلائل الأثرية تعود للفترة الرومانية، وأظهرت الدراسة ان القصر توسع في الفترة البيزنطية وسكنه عدد كبيرة من الناس، وهذا مثبت من حجم القاعات وغرف العبادة الموجودة ويسمى هذه النظام في علم الآثار "بالعزبة او الحوش الزراعي" كما استخدمت الأبراج التي كانت تعلو القصر كنظام دفاع لحماية المزارعين من غزوات البدو.
وأكد المخارزة أن عالم الآثار "برامكي" تحدث عن القصر عام 1932م وفي عام 1967 وثق عالم الآثار الإسرائيلي “كوخافي” هذا القصر في المسح المستعجل للمواقع الأثرية في الضفة الغربية.
|
|
ثمار شجرة سويد وانواع الطيور وسط الصحراء جنوب بلدة الظاهرية |
حجر دائري وبعض الأبواب وجزء من جدار في قصر جريدة |
"الظل الوحيد"
وسط الصحراء تجدها وحيدة تصارع الحياة بألوانها الزاهية، جفت بعض أغصانها التي لم تستطع مقاومة الجفاف فيما حاولت الأخرى التمرد والاستمرار في منح الظل والعلاج لزوارها كما يروي السكان هناك.
هي حكاية لشجرة سويد غريبة يزيد عمرها عن 500 عام وطولها يصل الى 12 م وتتكون من خمسة جذوع وهي مختلفة عن باقي أشجار السدر المزروعة في فلسطين، حيث تنمو وحيدة وسط مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء بالقرب من خربة عناب الكبيرة جنوب بلدة الظاهرية.
المواطن علي موسى يشير إلى أن الأهالي يعتمدون على هذه الشجرة في العلاج من بعض الأمراض حيث يُغلى ورقها في ماء ويشرب لقتل الديدان في الأمعاء وتنقية الدم، وتستخدم أوراقها في تجبير الكسور ومعالجة بعض الأمراض الجلدية, كما يتناول السكان ثمارها التي تمتاز بمذاقها الحلو كنوع من الفاكهة.
وتعتبر هذه الشجرة "الوحيدة" مسكنا لأنواع مختلفة من الطيور التي تستخدمها لبناء أعشاشها، كما تلجأ إليها بعض الحيوانات البرية لتستظل بها وتصطاد طرا ئدها من الطيور والزواحف.
|
|
فسيفساء في قصر جريدة جنوب غرب بلدة الظاهرية |
مغارة وبناء علوي في قصر جريدة جنوب غرب بلدة الظاهرية |
"كنيسة عناب"
بين التلال الواقعة بين خربة عناب الكبيرة وبلدة الظاهرية تقع كنسية تمتاز بأعمدتها الرخامية وأرضيتها الفسيفسائية حيث تفيد الأبحاث أنها تعد من أقدم الكنائس في فلسطين وحسب الرواية التاريخية فإن بعثة مسيحية جاءت لهذه المنطقة وسكنت فيها وسميت بإسمها، ونجد على جدران الكنيسة نقوش كتابية غير معروفة تم اكتشافها وتغطيتها بالتراب للحفاظ عليها، كما ان سكان هذه الكنيسة اعتمدوا على القنوات الفخارية لجمع المياه ونقلها الى الابار التي تحيط بها ، ومازالت بعض هذه القنوات موجودة، كما تميزت هذه الكنسية بانتشار الاحواض المحفورة في الصخور لجمع المياه.
وبالقرب منها توجد قبور مسيحية تعود الى 800 عام من عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس الذي سكن الظاهرية لمدة أسبوع، وتقدر مساحة هذه القبور بنحو 25 متراً مربعاً تحت سطح الأرض، وتنمو بداخلها أعشاب ملونة بالأخضر والبنفسجي والأصفر, والغريب ان هذه الإعشاب تنمو بشكل مستمر دون مياه او وصول أشعة الشمس إليها.
|
|
نظام الابار يختلف من مكان الى اخر بين دائري في قصر جريدة ومربع وبرك مكشوفة في كنيسةعناب |
نظام حفر الابار والقنوات الفخاررية في كنيسة عناب الواقعة بين خربة عناب الكبيرة وبلدة الظاهرية |
عرضه للاندثار
هذه الآثار التي تعتبر موروثاً حضارياً يعبر عن حضارات مختلفة نشأت في الجنوب الفلسطيني غير معروفة للكثيرين وتحتوي في طياتها على مقومات تاريخية وبيئية مهمة تتعرض للاندثار والدمار بفعل الإهمال وعمليات السرقة المتكررة.
مدير عام السياحة والآثار في الجنوب الدكتور احمد الرجوب، يقول ان التصنيفات السياسية التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي خاصة تلك التي تقع في مناطق "ج" تحول دون الاهتمام وتطوير وحماية هذه الآثار،إضافة الى ان لصوص الآثار يستغلون هذه التصنيفات لسرقة تراثنا وبيعه.
وتابع الرجوب ان الوزارة تعمل على وضع هذه المواقع ضمن المسار السياحي الجنوبي والذي يمتد ليشمل مناطق مختلفة في الجنوب الفلسطيني سيما في بلدات الظاهرية ويطا والسموع وقرية البرج، وهي تقوم بإعداد خرائط تعريفية لهذه المواقع وستعمل على تنظيم رحلات سياحية لإحياء هذه المواقع وحمايتها.
وهنا لا بد من القول: في ظل الوضع السياسي الراهن ولغاية قيام وزارة السياحة الفلسطينية بحماية هذه المواقع فإن المسؤولية تقع على المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني في الحفاظ على إرث الأجداد من الضياع او الاندثار.