كلية الحقوق -جامعة سطيف 2 -الجزائر
مقدمـة:
أصبحت المواضيع المتعلقة بالماء[1] من أكثر القضايا إثارة للنقاشات والجدل في الأوساط الرسمية والأكاديمية ليس فقط لأنّ شحّ المياه يُصنّفه البعض كعامل مثير للصّراعات المستقبلية[2]؛ ولكن أوجه الإثارة تكمُن في هذا العنصر الحيوي (الماء) في حدّ ذاته من حيث كُلفته، وسِعْرِهِ، وكمّيته، ونوعيته اللاّزمة لكل فرد للتمتّع بحياة كريمة.
أولا/ تعريف الحـق في المـاء
يُصنّف الحق في الماء كحقّ من حقوق الإنسان لا يقلّ أهمية عن الحقوق الأخرى التي وردت في الوثائق والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان على غرار الحقّ في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، والحق في الصّحة، والحقّ في التعليم، والحق في السكن...الخ[3].
عرّف المشرع الفلسطيني الحق في الماء كما يلي:"لكلّ شخص الحقّ في الحصول على حاجته من مياه الشرب؛ ذات الجودة المناسبة لاستعمالها، وبأسعار محددة وفقا لنظام تَعرِفَـة يصدر عن مجلس الوزراء"[4] .
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)[5]فقد عرف الحق في الماء بأن: تُـتَاح لكلّ شخص مصدر للمياه؛ ويشترط في هذه الأخيرة (المياه) أن تكون مأمونة، وبالقدر الكافي، وبالسّعر المناسب؛ حتّى يتمكّن الشّخص من العيش حياة صحّية وكريمة ومنتجة، لكن مع الحفاظ في نفس الوقت على النُّظُم الإيكولوجية المساعدة على إعادة انتاج المياه[6].
وفي نفس السياق عرّفت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة الحق في الماء بأنه حقّ كل فرد في: " الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليها ماديا وميسورة ماليا لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية"[7].
من التعريفات السابقة يمكن استخلاص أسس الحق في الماء؛ حيث يتمحور هذا الحق وجوبا حول ثلاثية النوعية الجيدة والكمية الكافية والكلفة المناسبة.
ثانيا/ مهدّدات الحق في المـاء
إن الحق في الماء كغيره من حقوق الإنسان تتربّـص به العديد من المهدّدات Threats ؛ لعلّ من أبرزها المهدّدات الطبيعية على غرار الجفاف والفياضانات...الخ، بالإضافة إلى المهدّدات الهيكليةالمتعلقة بنُظم التوزيع وغياب العدالة والمساواة في انتفاع الناس من هذا الحق الإنساني .
تأسيسا على ما تقدم يمكن إجمال مهددات حق الإنسان في الماء في العناصر التالية[8]:
● تراجع منسوب المياه الجوفية؛
● ارتفاع نسبة الملوحة في المياه؛
● التلوّث الناتج عن مياه الصرف الصحي التي تشجع على تكاثر بكتيريا العصيات المعوية البرازية والمكوّرات العقدية البرازية Streptococcus في الماء. ويعاني من هذه التهديدات المرضية المتعلقة بالمياه بصفة خاصة سكان قطاع غزة بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
● انخفاض مستوى التساقط؛[9]
●الاستهلاك المفرط للمياه نتيجة التبذير الناتج عن الاستهلاك البشري المفرط؛ أو نتيجة استعمال المياه في السقي الزراعي[10]؛
● الإجحاف الكبير في الحصول على المياه واستخدامها عبر مناطق المعمورة؛ وهو إجحاف تعكسه الفوارق الواضحة فيما يدفعه الأفراد من أجل الحصول على الماء؛ فما يدفعه مثلا سُكّان الأحياء الفقيرة في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى من أجل الحصول على الماء يفوق بكثير ما يدفعه سكّان الأحياء الراقية في نيويورك وباريس[11].
ثالثا/ شروط إعمال الحق في الماء
هناك جملـة من الشّروط الواجبة لإعمال وتفعيل الحق في الماء كحق إنساني جديد[12]:
● اشتراط حصول الفرد على مياه مأمونة؛
● اشتراط الحصول على كمية كافية من المياه؛ وهذه الكمية محددة بـ20 لتر يوميا كحد أدنى لكل فرد؛
● سهولة الحصول على المياه؛
● سعر المياه المناسب.
كما يرتبط حقّ الإنسان في الماء بعنصر الصّرف الصحّي، لأن الماء من دون صرف صحّي يجعل من الحصول على الماء المأمون أقلّ فائدة بكثير من دون الصّرف الصحّي وحفظ صحة الإنسان، حيث أنّ الماء النّظيف والصّرف الصّحي المُحسّن يُمكِّـن من تَجنُّـب الأمراض المتنقّلة عبر الماء، ممّا يُسْـهِمُ في الرّفع من مستوى الرّعاية الصّحية[13].
كثيرا ما يتمّ التركيز على مبدأ الإنصاف فيما يتعلّق بسياسات المياه؛ خاصة اتّجاه الفئات الهشّة كالفقراء والنساء...الخ، كما يُوصَى أيضا بضرورة مرافقة هذا المبدأ بتقنيات حديثة في مجال الماء، والصّرف الصحّي، مع اعتماد نهج العقلانيةRationality فيما يخص الريّ الفلاحي[14].
وعلى أساس ما سبق ينبغي الاعتراف لجميع الأفراد بالحقّ في الماء بشكل متساوٍ بصرف النّظر عن قدرتهم على تسديد كلفة المياه، وتُخضِع العديد من الدّول الحقّ في الماء لتشريعات وقوانين خاصّة[15].
رابعا/ تجارب الاعتراف بحق الإنسان في الماء
تعتبرمنظمة الأمم المتحدة (UN) ممثّـلة في كل من الجمعية العامة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)؛ من أهم المنظمات الدولية التي اعترفت بحق الإنسان في الماء .
ففي شهر جويلية من سنة 2010 اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنّ تأمين مياه الشّرب، وما يرتبط بها من خدمات للصّرف الصحّي هي حقّ أساسي من حقوق الإنسان[16].
كما أثمرت جُهود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) التابع للأمم المتحدة في مجال الاعتراف بحق الإنسان في الماء إلى اعتبار الحق في الماء حقّ جديد يَتَسَاوى مع باقي حقوق الإنسان المعترف بها في الوثائق العالمية لحقوق الإنسان[17].
ومن الدّول التي اعترفت بحقّ الإنسان في الماء ومنحته مرتبة دستورية نجد كل من الإكوادور وبوليفيا والأروغواي وأوغندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجنوب إفريقيا؛ فهذه الدول نصت على هذا الحق الجديد صراحة في دساتيرها[18].
وعندما نأخذ على سبيل المثال لا الحصر تجربة جنوب إفريقيا في اعترافها بهذا الحق الإنساني؛ حيث جعلت من الماء حقّاً دستوريا منصوص عليه في دستور البلاد، و وضعتعلى إثر ذلك ثلاثة شروط للتمتّع بهذا الحقّ الجديد[19]:
الشرط الأول: ضرورة الحصول على إمدادات المياه الأساسية؛
الشرط الثاني: بيئة غير ضارّة صحّيًا لضمان هذا الحق؛
الشرط الثالث: تأمين حصول الفرد على الكمّية الكافية من الماء .
كما تُعتبر تجربة دولة الشّيلي رائدة في مجال توفير المياه المأمونة للمواطن الشّيلي؛ فبِحُلُول سنة 1990 كان بإمكان 97% من سكّان المدن الشّيلية التَمَوُّن بالمياه المأمونة، كما أصبح 80% من هؤلاء السكّان يستفيدون من خدمات الصّرف الصحّي. وترجع عوامل نجاح تجربة المياه في هذا البلد إلى رباعية العوامل التالية[20]:
أولا/ اعتماد اللاّمركزية في مجال المياه؛
ثانيا/ الرّفع من الاستثمارات في قطاع المياه؛
ثالثا/ تطوير نُظُم موضوعية لتثبيت التّعريفات؛
رابعا/ اعتماد نظام عمل تحفيزي فعّال.
خاتمـة:
في الأخيـر، وطبقـا لمبـدأ الاعتمـاد المتبـادل بيـن حقـوق الإنسـانInterdependence between human rights ؛ فإن تمتع الإنسان بحقّه في الماء يزيد من إمكانية تمتّعه بحقوقه الأخرى[21]؛ وبالمقابل فإن تغييب تمتع الإنسان بهذا الحق سوف يخلق اضطرابا في حياته؛ مما يدفعه إلى القيام برحلات بحث يومية من أجل تأمين هذا العنصر الحيوي في حياته. كل ذلك يمسّ بمستويات انتفاعه من حقوقه الأخرى على غرار الحق في الصّحة والتّعليم والغذاء، وفي هذا الشأن تعتبر الفئات الضعيفة مثل الفقراء والنّساء والأقلّيات والأطفال من أشدّ الفئات حساسية لأي اختلال في التزوّد بالماء؛ فعادة ما يقطع الأطفال من الجنسين والنساء في العديد من مناطق العالم المحرومة من هذا المورد الحيوي مسافات طويلة أو يقفون في الطّابور لـمُدد زمنية طويلة من أجل جلب الماء؛ مما يقلِّلُ من فُرَصِهِمْ في التّعليم والصّحـة؛ زيادة على المخاطر التي يتعرّضون لها أثناء هذه المغامرة الصعبة للحصول على المياه.
1 تقول الحكمة : "عندمـا تجـفّ البـئـر نعـرف قيمـة الميـاه".
[2] تُصنف المياه في بلدان الوطن العربي كقضية متعلقة بالأمن القومي لأن معظم هذه البلدان مُصنّـفة تحت خط الفقر المائي، زيادة على ذلك تعتبر معظم الأنهار والمجاري المائية الرافدة من خارج الدول العربية محل خلاف سياسي وقانوني.أنظـر:
[3] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي:«ما هو أبعد من النّدرة: القوّة والفقر وأزمة المياه العالمية»، تقرير التنمية الإنسانية 2006، ترجمة:euroscript Luxembourg S à r.l))، القاهرة: مركز معلومات الشرق الأوسـط(MERIC)، 2006، ص 4.
استحدث مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في سنة 2008 ولاية الخبير المستقل المعني بمسألة إلتزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي. أنظـر:
مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ONU HABITAT، منظمة الصحة العالمية: "الحق في الميـاه"، صحيفة الوقائـع رقم 35، الأمم المتحدة، جنيف، سبتمبر 2012، ص 2.
[5] United Nations Development Programme.
[6] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2006، مرجع سابق، ، ص3.
[7] مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ONU HABITAT، منظمة الصحة العالمية: مرجع سابق، ص 1.
[8] وزارة التخطيط الفلسطينية: برنامج الأمم المتحدة للتنمية: فريق من المؤلفين: «الإستثمار في الأمن الإنساني من أجل دولة مستقبلية»، تقرير التنمية الإنسانية للأراضي الفلسطينية المحتلة 2009/2010، مؤسسة الناشر للإعلان والدعاية والعلاقات العامة، ص ص ص 48-49.
تتجه معظم الدول العربية نحو نقص حادّ في الموارد المائية، وترجع أسباب هذا النقص إلى النمو السكاني وما يتصل به من زيادة في المساحات الزراعية، اتساع المناطق الحضرية وظهور مدن جديدة مع إعادة تطوير المدن الحالية، ارتفاع مستوى معيشة ورفاهية الفرد العربي، توسّع في حجم النشاطات الصناعية، استنزاف خزانات المياه الجوفية غير المتجددة، تلوث المياه، وقوع المنطقة العربية من الناحية الجغرافية ضمن إقليم المناخ الجاف وشبه الجاف. أنظـر:
د- عباس محمد شراقي:" تحديات تحقيق الأمن المائي العربي-دراسة حالة – حوض النيل"، ص 1.
http://www.nauss.edu.sa/Ar/
[10] نفس المرجع، نفس الصفحة.
[11] برنامج الأمم المتحـدة الإنمائي: «الثّورة الحقيقية للأمم: مسارات إلى التّنمية البشرية»، تقرير التنمية الإنسانية 2010،ترجمة:لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بإشراف عهد سبول، فرجينيا: (Colocraft of Virginia)،2010.، ص 18.
تظل الأطماع الإسرائيلية قائمة في مياه المنطقة العربية من خلال استمرار احتلالها للأراضي العربية في كل من فلسطين ولبنان وسوريا، وكذلك محاولاتها المتكررة للسيطرة على الموارد المائية للمنطقة، بالإضافة إلى مطامعها في سرقة المزيد من المياه، أنظر:
شهرة قصيعة، ورقة عمل مقدمة لأشغال ورشة عمل تحت عنوان:" رفع كفاءة استخدام المياه في البلاد العربية"، اجتماعات المجلس العربي للمياه 26-28/02/2013، مركز الدراسات المائية والأمن المائي العربي، جامعة الدول العربية، القاهرة.
[12] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2006، مرجع سابق، ص 8.
[13] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «الإستدامة والإنصاف مستقبل أفضل للجميع»، تقرير التنمية الإنسانيـة2011، ترجمــة: لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) فرجينيا: (Colocraft of Virginia) 2011، ص 75.
أنظر أيضا: سلطة المياه:" السياسة الوطنية للمياه في فلسطين "، السلطة الوطنية الفلسطينية، 23 كانون الأول 2012، ص ص 8، 11-12. http://www.asharqalarabi.org.uk/
[14] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «أهداف التنمية للألفية تعاهد بين الأمم لإنهاء الفاقـة البشريــة» تقريـر التنمية الإنسانيـة 2003، ترجمـة غسّان غصن، ماريا أبو خليفة، سامر أبو هـوّاش، بيـروت: مطبعـة كركي،2003، ص ص 103-104.
[15] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2011، مرجع سابق، ص ص 74-75.
تحوز الجزائـر ترسانة قانونية هامة في مجال الماء؛ لعلّ من أبرزها القانون رقم 05-12 المؤرخ في 6 أوت 2005 المتعلّق بالمياه، والمرسوم التنفيذي 11-125 المؤرخ في 11 مارس سنة 2011 المتعلق بنوعية المياه الموجهة للاستهلاك البشري المعدل والمتمم، بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 04-196 المؤرخ في 15 جويلية سنة 2004 المتعلق باستغلال المياه المعدنية الطبيعية ومياه المنبع وحمايتها المعدل والمتمم.
[16] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2003، مرجع سابق.
[17] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2006، مرجع سابق، ص 4.
[18] مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ONU HABITAT، منظمة الصحة العالمية، مرجع سابق، ص 8.
[19] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2003، مرجع سابق، ص 106
[21] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2006، مرجع سابق، ص 27.