خاص بآفاق البيئة والتنمية
كلنا يذكر تلك اللحظات في مؤتمر المناخ بباريس (كانون أول 2015) الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، حينما وَقَّعَت خلالها نحو مائتي دولة على ما سمي "الاتفاق التاريخي" الذي يحدد الإجراءات العالمية لتقليص انبعاثات غازات الدفيئة؛ في محاولة لوقف الاحترار العالمي. المستجد الذي لا يقل أهمية عن مؤتمر باريس هو ما حدث في فيينا أواخر شهر تموز الماضي- بعيدا عن أعين الكاميرات التي كانت منشغلة في تغطية المحاولة الانقلابية الفاشلة بتركيا وجريمة إطلاق النار العشوائي بمدينة ميونخ الألمانية- هذا المستجد تمثل في اقتراب ممثلي ذات الدول من لحظة التوقيع على اتفاق إضافي اعتبره العديد من الناشطين البيئيين أهم خطوة أنجزت هذا العام لتقليص ظاهرة الاحترار العالمي.
وبينما تهدف اتفاقية باريس إلى تقليل استخدام الفحم والنفط وبالتالي تقليص انبعاث ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر السبب الأساسي في الاحترار العالمي؛ فإن محادثات فيينا بين الأطراف المشاركة هدفت إلى التوصل لاتفاقية تحظر استعمال مركبات الهيدرو-فلورو-كربون (HFC)، وهي عبارة عن مادة كيميائية ملوثة تستخدم في مكيفات الهواء والثلاجات. وبحسب الأبحاث العلمية، فإن المكونات الكيميائية في هذه المادة تتسبب باختزان حرارة في الغلاف الجوي بمستويات أكبر بنحو ألف مرة من تلك الناتجة عن ثاني أكسيد الكربون؛ وذلك بالرغم من أن هذه المادة تشكل نسبة ضئيلة فقط من إجمالي غازات الدفيئة في العالم.
المفاوضات حول منع استخدام مادة HFC تتواصل منذ نحو سبع سنوات، إلا أن المسودة التي خرجت بها محادثات فيينا قد تؤدي إلى اتفاق نهائي سيتم التوقيع عليه خلال المؤتمر الذي سيعقد في تشرين أول بمدينة كيغالي بدولة رواندا. هذا الاتفاق يعتبر تعديلا لبروتوكول مونتريال، علما أن هذا البروتوكول عبارة عن اتفاقية بيئية دولية لعام 1989، تهدف إلى اتخاذ إجراءات لإغلاق ثقب الأوزون.
خبراء المناخ، بمن فيهم علماء وكالة ناسا الأميركية، أعلنوا مؤخرا بأن سنة 2016 ستكون الأكثر سخونة منذ بدء القياسات، بينما سنتي 2015 و2014 تقعان بعد السنة الحالية في المكانين الثاني والثالث على التوالي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، من الشواهد العالمية البارزة لارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية خلال هذا العام، الحريق الضخم الذي اندلع في كاليفورنيا في تموز الماضي، ، حيث عمل نحو ألف رجل إطفاء لإخماد الحريق الهائل الذي استمر أياما طويلة وانتشر في المناطق الجبلية شمال مدينة لوس أنجلس؛ فدمر مساحات شاسعة فاقت المائة ألف دونم، فضلا عن إخلاء آلاف المنازل، وحدوث أضرار للعديد من المباني. في اليومين الأولين لم يتمكن رجال الإطفاء من إخماد سوى 10% من النيران، وبدرجات حرارة مرتفعة.
أما عدد القتلى في الفيضانات التي اجتاحت مؤخرا شمال ووسط الصين، فتجاوز 150، فضلا عن عشرات المفقودين ومئات الآلاف الذين أجبروا على إخلاء منازلهم. الأضرار الأشد أصابت محافظتي "هنان" و"هباي" حيث قتل 114، إضافة إلى 111 مفقودا ودمار 53 ألف منزل. وقد شوهد عدد من المزارعين الذين أغلقوا شارعا رئيسيا احتجاجا على عدم وجود إنذار حكومي مسبق ضد الفيضانات وضعف فعالية جهود الإنقاذ.
جمود مؤقت في ظاهرة النينيو
تنفست دول عديدة مؤخرا الصعداء عندما أعلن علماء الأمم المتحدة رسميا عن انتهاء ظاهرة "النينيو" التي تسببت بحالات جفاف وأحوال جوية قاسية في أجزاء واسعة من الكرة الأرضية. وكما هو معروف، "النينيو" عبارة عن ظاهرة طبيعية تتكرر كل بضع سنوات؛ فتسخن خلالها مياه المحيط الهادئ ما يؤثر بقوة على أحوال الطقس في مختلف أنحاء العالم، وبخاصة في أسيا. ظاهرة النينيو التي توقفت مؤخرا، استمرت أكثر من سنتين، وشكلت الحدث المناخي الأكثر قسوة خلال السنوات الـ35 الأخيرة.
لقد تسببت هذه الظاهرة الطبيعية في معاناة مائة مليون شخص من نقص خطير في الغذاء، وملايين المزارعين الذين فقدوا أرزاقهم. دول عديدة ستضطر لتخصيص موارد كثيرة كي تتعافى من الأضرار. وفي الهند، على سبيل المثال، تسببت النينيو بموسمين متتاليين من شح الأمطار الموسمية، إضافة إلى أضرار قاتلة في محاصيل الأرز، الذرة والسكر.
أما فيتنام فقد واجهت جفافا هو الأشد خلال السنوات المائة الأخيرة، كما ضعف تدفق المياه في أنهارها، وتملح جزء من مصادر مياهها. وبسبب ذلك تضررت أيضا زراعة الأرز، فأصبحت نحو 300 ألف أسرة دون دخل لشهور عديدة. كما تدهورت زراعة القهوة في فيتنام، فتضرر نحو 20% من أشجار البن. وفي كمبوديا، تسببت أحوال الطقس المتطرفة بحرائق ضخمة، فأصاب الدمار مساحة نحو 2.5 مليون دونم من الغابات في منطقة بحيرة "تونل ساب".
وفي الفلبين، خسر نحو مائتي ألف مزارع محاصيلهم، علما أن الفلبين تعتمد بشكل أساسي على واردات الأرز من فيتنام وتايلند؛ إلا أن الجفاف الشديد رفع أسعار الأرز بشكل كبيرا.
وتسببت ظاهرة النينيو بشتاء متطرف شاذ في منغوليا، تمثل بعواصف ثلجية ودرجات حرارة وصلت إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر. عشرات آلاف أسر الرعاة خسرت جزءا كبيرا من قطعانها، فنفق أكثر من مليون رأس غنم وبقر بسبب البرد والجوع؛ كما يتوقع نفوق 2.5 مليون رأس إضافي حتى نهاية هذا العام. وفي اندونيسيا أيضا خسر المزارعون أرزاقهم، وذلك، جزئيا، بسبب الفيضانات العنيفة والانهيارات الارضية.
علماء أستراليون وأميركيون يقولون بأن درجة حرارة سطح البحر في المحيط الهادئ بردت، فوصلت إلى مستواها الطبيعي؛ ومن غير المتوقع أن ترتفع ثانية خلال هذه السنة. لكن، بالرغم من أن ظاهرة النينيو قد لا تعود في القريب العاجل هذا العام، إلا أن العلماء يحذرون من ظاهرة أخرى عكسية تعرف بـ "اللانينيا" التي تؤدي إلى انخفاض لف رجدرجة حرارة المياه في مقطع المحيط الهادئ الواقع بمنطقة خط الاستواء. وستؤدي ظاهرة "اللانينيا"، في حال نشوبها، إلى هطول أمطار غزيرة وفيضانات وأحوال جوية باردة في العديد من الدول.