خاص بآفاق البيئة والتنمية
من أعلى جبل الأقرع في قرية عقابا التابعة لمحافظة طوباس، حيث يتسم الهواء بالبرودة الجبلية، وتكتسي المروج الشفا غورية بخضرة منتصف الشتاء، يتضمن مجموعة من المزارعين ارضاً صغيرة للزراعة وتربية الأغنام، ليس لهدف الانتفاع الشخصي، بل من أجل قريتهم، حيث آلمهم رؤية عائلات تنام جائعة، لا بل يضطر بعضٌ منها إلى استجداء عطف الآخرين طلباً للمال، في الوقت الذي يكمن الحل في التدبير والتخطيط السليم.
"الفقر يستشري في عقابا الأكثر تعداداً من ناحية المواليد، مقارنة مع قرى محافظة طوباس الأخرى". قال نبيل أبو عرى " أبو رشاد" المزارع دائم الابتسامة الذي يشغل منصب رئيس الجمعية.
لأن المبادرات صفة الأشخاص الفاعلين، اتجه مزارعو عقابة لمؤسسة كير الدولية "للقضاء على الفقر" قبل سنوات، عارضين عليها دعم جمعية عقابا الخيرية الزراعية بمشروع انشاء مزرعة على أرض ضمان تبلغ مساحتها 3 دونمات ونصف لسد احتياجات الأسر الفقيرة، لم ترفض كير طلب مزارعين يتمتعون بصيت جيد وحس مسؤولية عالٍ، فقدمت لهم منحة عام 2012 تمثلت بتوفير 20 رأس غنم عساف "أمهات" مع 40 مواليد، وكبش وبركس غنم وملحقاته، وذلك ضمن خطة تطويرية مدتها ستة شهور.
أول الدرب عثرة ولكن
كانت البداية صعبة، فإنتاج المزرعة البسيط مقارنة بتكاليف المتابعة، لم يؤمن المدخول الكافي، لكن مع ايمان المزارعين بضرورة استمرار الجمعية، تصرفوا من مالهم الخاص، حتى توجهوا الى مؤسسة أهلية "سمعوا كثيراً عن دعمها لجمعيات ومؤسسات قريبة" وكان الحديث عن مركز العمل التنموي "معا" المؤسسة التي تتمتع بصيت وقاعدة شعبية جيدين.
"توجهنا للأخ وليد جرار من مركز معا، وقدمنا له احتياجات الجمعية لضمان استمرارها، والحمدلله لم يخذلنا مركز معا، لا بل انقذنا من الأزمة المالية التي مرت بها الجمعية في الستة شهور الأولى". قال ابو رشاد
النهوض مجدداً
وفق أعضاء الجمعية فقد كانت مساعدة مركز معا تنفيذاً، وكير تمويلاً، بمثابة الدعامة الصلبة، فقد زود المركز الجمعية بـ 45 رأس غنم وثلاثة أكباش، مع توسعة للبركس بمساحة 91 متراً، وتقديم ثلاجة، مكبس جبنة، علاجات، أعلاف، بالات، ادوات تصنيع، وتنظيم دورات تدريبية لاستمرارية المشروع وإدارته بنجاح.
يكمل ابو رشاد وهو يجلس في غرفة صغيرة هي جزء من بيت تقطنه عائلة تدير المزرعة مقابل راتب شهري: "تتألف الجمعية التي يتم اختيار اعضائها بالانتخاب من 87 عضواً منهم 11 سيدة". يضيف مثمناً على تواجد العنصر النسائي لدعم سيدات عقابا اللواتي يجدن حرجاً في التواصل مع رجال الجمعية.
يمسك أبو رشاد دفتر مخرجات الجمعية مستعرضاً ارقاماً عديدة تدلل على حجم الأرباح خلال الستة شهور الأخيرة: "بلغت الأرباح من بيع الحليب والخراف ما قيمته 32 الف شيكل، ما شكل نقلة كبيرة في مستوى انتاج الجمعية سنوظفه جيداً لتطويرها".
تذهب الارباح في تطوير المشروع وإعانة عدة عائلات فقيرة وتغطية المصاريف وعمليات توسعة البركس وضمان مزيد من الأرض.
جمعية عقابا الاكثر نشاطاً
صيت الجمعية قد وصل كل بيت في عقابا والقرى المحيطة، وهذا يمكن الاستدلال عليه من خلال طلب العديد من المزارعين التطوع في المزرعة للاستفادة من خبرات الانتاج الوفير، وعمل مشروع مصغر مماثل بخمسة رؤوس غنم كحد أدنى.
"تأتي أهمية الجمعية وجمعيات شبيهة في أنها توجد البديل الحقيقي للمزارعين الذين وقفوا حائرين، فالجدار الفاصل من أمامهم والأرض غير المستصلحة من ورائهم، ما يجعلهم يعودون لجذورهم مزارعين يهتمون بأرضهم فتجود عليهم بالخيرات". يقول ابو رشاد مؤكداً دعم الجمعية للمزارعين عبر تقديم البذار البلدي والشتلات رمزية السعر، والسماد والمبيدات مجاناً، مقابل إعادة 10% من حصيلة الانتاج للجمعية.
في الجمعية تم اشراك سيدات عقابة بجزء من الإنتاج، وبمهنة تتطلب لمساتهن الفنية، تمثلت بصناعة البسط من خيطان الصوف حيث تم اشراكهن بدورة تدريبية تقدم لهن الصوف من غنم المزرعة، وتعلمهن حياكته، ومن ثم تجعلهن يأخذن البسط هدية، ولكن الأمر ما زال جديدا، وبحاجة الى تأمين تكاليف الأصباغ والانوال من احدى المؤسسات.
طموح الجمعية كبير يلخصه ابو رشاد بالوصول الى 200 رأس غنم من الأمهات، توسعة البركس، تسمين الخراف، تحسين سلالة الأكباش والأمهات، زراعة قمح وشعير وبيكيا، وشراء جاروشة لصناعة الأعلاف، وانشاء بئر ارتوازي.
"رضا الاعضاء عنا هو فخر الجمعية، كما وصفت وزارة الزراعة الفلسطينية الجمعية بالأنشط في المنطقة".
الحلال زوادة البيت الأكثر أمناً
أصبحت الجمعية في البذور عنواناً لسبع قرى: طمون، تياسير، طوباس، عقابا، الزبابدة الجديدة ومسك.
ستكون الجمعية عنوان أي مزارع يعود لأرضه. وعلى مستوى عقابا فتحلم الجمعية بإعادة العنب الى القرية وتكثيف ما ميز القرية على مر السنين "اللوز".
"هناك متعة لا يعرفها إلا المزارع، وهناك اكتفاء وبيت مستور مع الحلال، فوجوده في البيت زوادة لما لذ وطاب". عبّر ابو رشاد الذي يعمل مزارعاً في ارض يتضمنها بمساحة 100 دونم ويزرعها باللوز والزيتون والبرسيم.
ختم ابو رشاد: "كما ساندنا مركز معا وجنبنا عثرات البدايات، سنمد يد العون لكل فقير في عقابا، حيث سنتعاون عبر تبادل الخبرات، وتسويق الإنتاج مع 86 عائلة، ستكون الاولوية للعائلات الثلاثين الأكثر فقراً".