كنوز أثرية دفينة في قرية دير نظام غرب رام الله تضيع بين مطرقة السرقة والتهويد وسندان فقدان السيطرة الفلسطينية عليها
آثار فسيفساء في قرية دير نظام
خاص لـ آفاق البيئة والتنمية
ما زال عبق الماضي يفوح من بين ثناياه المهددة، وأرضه تمتلئ بشواهدهم، قبورهم، آبارهم، الكهوف، وحتى أرضيات الفسيفساء المدفونة كما الكهوف والقبور. تنتشر قطع الفخار والزجاج في كل مكان؛ جبل تبنا ومغارة أم الطواقي في أراضي قرية دير نظام غرب رام الله كنز أثري دفين، يكاد يضيع بين التهويد والمصادرة من جهة، وعدم السيطرة الفلسطينية عليها من جهة أخرى.
|
|
اعتداءات المستوطنين وقلع اشجار الزيتون في قرية دير نظام |
صورة جوية لمنطقة جبل تبنا وخربة البلوطة (ام الطواقي ) |
وصف تاريخي
بحسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية فإن منطقة جبل تبنا وخربة البلوطة على مدخل قرية دير نظام تعد موقعا أثريا موغلا في القدم؛ فعمره قرابة 5000 سنة، يبدأ من العصر البرونزي المبكر والوسيط والعصر الجديد، كذلك فهو يحتوي على آثار من الفترة الفارسية والرومانية والاسلامية.
على مساحة تمتد على أكثر من 43 دونماً وعلى ارتفاع 540 متراً فوق سطح البحر يقبع ركام تلك المدينة، بجدرانها وتحصيناتها وكهوفها وقبورها ومعاصر الزيتون وأرضيات الفسيفساء. وقد سجلها البريطانيون في أرشيفهم سنة 1870، هناك أجريت أول عملية تنقيب عن آثار تلك المدينة في جبل تبنا من قبل ايتسحاق ماجين رئيس طاقم الآثار في الضفة الغربية التابع للإدارة المدنية الصهيونية؛ وقد اعترف الاسرائيليون بأن آثار ذلك الموقع لا تعود لليهود وانما هي برونزية وفارسية ورومانية واسلامية، وقد اقتصرت اعمال التنقيب على جبل تبنا في حين أن خربة البلوطة او كما يسميها أهل القرية خربة بيت الحداد فلم تجر فيها اعمال تنقيب.
|
|
قطعة فخار أثرية في قرية دير نظام |
معسكر لجيش الاحتلال على بعد امتار من جبل تبنا الأثري في قرية دير نظام |
تهويد ممنهج
يولي المستوطنون في منطقة دير نظام اهتمام بالغ بالكهوف وعيون الماء والمواقع الأثرية المحيطة بقرية دير نظام، فقد استولوا على مغارة عين القوس قبل عدة سنوات وحولوها إلى مزار ديني وسياحي ومنعوا أهل القرية والمزارعين اصحاب الاراضي المحيطة من العمل قربها. يروي السيد أبو أحمد من قرية دير نظام قصته مع المستوطنين قائلا:" يعمل المستوطنون بكل قوة للسيطرة على المواقع الأثرية في أرضنا وتهويدها؛ فقد جاؤوا إلى مغارة أم الطواقي على مدخل القرية ورسموا لها مخططا داخليا، واصطحبوا معهم سياحاً أجانب ويهوداً وكانوا يشرحون لهم أن هذه المغارة هي مغارة يوشع بن نون وأن يوشع بن نون عاش في هذه المغارة قبل أن يتوجه إلى مصر عبر الوادي الموجود غرب القرية والذي قالوا أنه الطريق إلى مصر".
|
|
مغارة ام الطواقي الأثرية من الداخل |
مغارة ام الطواقي الأثرية في قرية دير نظام |
عن الموقف الرسمي
تحتوي منطقة جبل تبنا على آثار كثيرة تعود لفترات تاريخية مختلفة، لكنها بحاجة إلى الكشف عنها والحفاظ على ما تبقى منها، فكثير من المزارعين كانوا يكشفون عن قطع الفخار وبعض الأدوات أثناء حراثتهم أرضهم، وكذلك الآبار والقبور والغرف، وبرغم الرعي الجائر في الجبل والاعتداءات الاسرائيلية المتمثلة بشق شارع في قلب الجبل وتخريب المستوطنين المتعمد وسرقة الكثير من الآثار من قبل تجار الآثار، إلا أن تلك الأرض تكشف عما بداخلها باستمرار.
تحتاج هذه المنطقة الأثرية إلى اهتمام مضاعف من قبل الجهات الفلسطينية المختصة، كونها مناطق أثرية وزراعية، وتتعرض لهجمة استيطانية ممنهجة تتمثل في مصادرة بعض المواقع الأثرية والاعتداء والتخريب المستمر.
تقوم بعض المؤسسات بتنفيذ مشاريع في القرية كاستصلاح الأراضي، إلا أن هذا لا يرقى إلى مستوى الخطر الذي يحيط بالمنطقة. يقول أبو أحمد:" أقوم باستصلاح 40 دونماً مهددة بالمصادرة إلا أني أواجه الكثير من التضييق؛ فالحكم المحلي جاء يطالبني بترخيص للبركة التي حفرتها في الأرض رغم أنها خارج مخطط القرية وتقع في مناطق "ج" ناهيك عن اعتداء المستوطنين وتخريبهم وقلعهم للأشتال باستمرار". ويضيف: عرضنا مشكلتنا مع المستوطنين وتخريبهم لآثارنا وأرضنا على الارتباط وشرطة السياحة والآثار لكن لم نلق أي تجاوب.
يقول السيد محمد جرادات من قسم الاثار في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية:" يتم تهويد الأماكن الأثرية لتغذية مشاريع استيطانية، وأي ادعاءات اخرى هي بهدف الاستيلاء على الموقع".
ولا نبالغ اذا قلنا ان هناك حرباً تدور حول الملكية للآثار في فلسطين، وكذلك ضد سارقي تلك الآثار الفلسطينيين منهم والإسرائيليين.
ويؤكد السيد جرادات قائلا:" الحرب للحفاظ على الآثار مفتوحة على الكل؛ يتم ملاحقتهم وتقديمهم للعدالة بالتعاون مع شرطة السياحة والآثار الفلسطينية".
ويضيف جرادات:" أي تغيير في معالم الارض هو تدمير للآثار؛ وكون هذا الموقع يقع في مناطق "ج" فلا نملك السلطة عليه للتنقيب؛ فدورنا يقتصر على الحماية والمحافظة عليه من السرقة والتهويد، وكون الموقع ملكية خاصة فيجب على اصحاب تلك الاراضي التوجه الينا في وزارة السياحة والاثار للحصول على بديل سواء بالتعويض او مبادلة للأراضي".
|
|
بعض الادوات والقطع الاثرية عثر عليها في جبل تبنا |
قبر محفور في الصخر في قرية دير نظام |
على أمل
يبقى الامل موجودا فيما يخص جبل تبنا وخربة البلوطة الواقعة على مدخل قرية دير نظام شمال غرب رام الله؛ فقد أكد السيد محمد جرادات لمجلتنا أن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تضع الموقع في مقدمة المواقع للتنقيب في حال تحولت المنقطة التي يقع فيها الى مناطق "ب" أو "أ " يقول:" موقع بهذه الضخامة هو موقع مهم ومرشح ليصبح حديقة أثرية في حال تحول الى منطقة سيادة فلسطينية، ولكن اكبر معيق لعمليات التنقيب والحفاظ على الاثار هو الاحتلال وقلة التمويل".
لا شك أن مشكلة التمويل لن تكون عقبة أمام الحفاظ على مثل تلك الكنوز الاثرية، ولكن يبقى الاحتلال أكبر مشكلة امام الحفاظ على المواقع الاثرية سواء بمنع التنقيب فيها، او بشق الطرق الاستيطانية واقامة المستوطنات، ناهيك عن اعتداءات المستوطنين المتكررة، ليبقى الاحتلال يلاحق الفلسطيني في كل تفاصيل حياته، ويبقى الفلسطيني متمسكا بحقه في الوجود على هذه الارض، التي تثبت في كل يوم أنها فلسطينية منذ الأزل.
نقش محفور في الصخر على مدخل احد الكهوف الأثرية في قرية دير نظام