جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ارتفعت، خلال السنة الأخيرة، الاستثمارات في الطاقات المتجددة بمختلف أنحاء العالم؛ إذ شكلت مصادر الطاقة المتجددة نحو نصف الإنتاج الذي أضيف من الكهرباء. هذا ما استنتجه تقرير حول اتجاهات الاستثمار في الطاقة المتجددة، أعده كل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركة "بلومبرغ" ونشر في أواخر آذار الماضي.
خلال العام 2014 استثمر 270 مليار دولار في الطاقات المتجددة (دون احتساب الطاقة الكهرومائية)، ويشكل هذا المبلغ ارتفاعا بنسبة 17%، قياسا بعام 2013. أكثر من 90% من هذا المبلغ استثمر في طاقات الشمس والرياح. كما أن حوالي ثلث الاستثمارات كان في مشاريع الطاقة الشمسية في الصين واليابان؛ إضافة إلى منشآت إنتاج الكهرباء من رياح البحر في الدول الأوروبية.
وإجمالا، لو استثنينا المشاريع الكبيرة في الطاقة الكهرومائية، فإن الطاقات المتجددة تزود، حاليا، نحو 9.1% من قدرة إنتاج الطاقة في العالم؛ بينما في عام 2013، زودت الطاقات المتجددة 8.5%، وفي عام 2007 زودت تلك الطاقات 5%.
وخلال العام الماضي، أضافت الطاقات المتجددة قدرة إنتاج كهرباء عالمية تعادل تلك التي تنتجها جميع محطات الطاقة الذرية في الولايات المتحدة الأميركية. ورغم ذلك، أشار التقرير إلى أنه في حال استمرار الزيادة بالوتيرة الحالية، فإن الطاقات المتجددة ستشكل 20% فقط من قدرة إنتاج الطاقة في العالم بحلول عام 2030. بل، حتى لو أضيف إلى ذلك إنتاج الكهرباء من المفاعلات الذرية ومن مصادر الطاقة الكهرومائية (السدود الكبيرة)، فمن المتوقع أن يبقى نحو نصف قدرة إنتاج الطاقة في العالم من الوقود الملوِّث، وبالتالي فإن العالم لن يستطيع تحقيق الأهداف المتمثلة في خفض انبعاثات غازات الدفيئة. إذ، بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة والمنظمات البيئية، فمن أجل الوفاء بالأهداف الدولية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى الحد الذي يعتبر آمنا، يجب زيادة حجم إنتاج الطاقة المتجددة، من جميع المصادر، بمعدل 60٪ في غضون عقدين من الزمن.
ساهم هبوط تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة -بسبب التطور التكنولوجي الذي طرأ في السنوات الأخيرة- إلى حد كبير في مواصلة الاستثمار في الطاقات النظيفة. فقد هبطت تكلفة إنتاج ميغا واط واحد بواسطة إحدى تقنيات الطاقة الشمسية الشائعة جدا، بمقدار 59% خلال السنوات الأربع الأخيرة. وتعد عمليّة زيادة الوعي العالمي بضرورة خفض انبعاثات غازات الدفيئة التي مصدرها بشكل أساسي استعمال الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم، تعدّ عاملاً إضافياً لمواصلة الاستثمارات
رغم ذلك، لا تزال هناك بعض المتغيرات المتعلقة بعدم اليقين في سوق الطاقات المتجددة. أحد هذه المتغيرات يتمثل في السياسة غير المنهجية لتوفير الدعم لتوليد الكهرباء من هذه المصادر، وبخاصة في الولايات المتحدة التي خفضت المحفزات. وفي إيطاليا، هبطت الاستثمارات في الطاقات المتجددة خلال عام 2014 بمقدار 71%، بالمقارنة مع عام 2013، بسبب تقليص الدعم.
وفي بلدان أخرى حدث انخفاض في مدى جاهزيتها لاستيعاب الكهرباء من طاقة الرياح والشمس في الشبكة الوطنية، وذلك لأسباب لوجستية. ففي الدول النامية، لا تزال شركات الكهرباء الحكومية تواجه صعوبات جمة في التعامل مع التعقيدات المتعلقة بدمج المنشآت المعتمدة على مصادر طاقة الشمس والرياح. والمشكلة لا تكمن فقط في الصعوبات التقنية، بل أيضا في عدم القدرة على ترتيب مسألة التمويل طويل الأجل لهذه المنشآت.
وفي المستقبل القريب، يتوقع أن يواجه سوق الطاقات المتجددة تحدياً خطيراً يتمثل في الهبوط المتواصل لأسعار النفط، ما قد يهدد جدوى استخدام مصادر الطاقة البديلة. إلا أن تقرير الأمم المتحدة يقدر أن بالإمكان مواجهة هذا التحدي، ويشير إلى أن "قطاعات الرياح والشمس تستطيع الاستمرار والازدهار، وبخاصة إذا ما استمر خفض تكاليف إنتاج الكهرباء".
الخلايا الكهروضوئية في أريحا
إسرائيل متخلفة في استغلال الطاقات المتجددة
بالرغم من توقع أن تكون الدول العربية من بين الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية؛ إلا أنها لا تبذل جهودا كافية في الترويج لاستخدام الطاقة المتجددة. وبحسب تقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية فإن انبعاث ثاني أكسيد الكربون في المنطقة يتزايد بواحد من أسرع المعدلات في العالم، إذ ارتفع إلى المثلين تقريبا في الفترة من عام 1990 إلى عام 2009.
ففي فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي لا يتم استغلال الإمكانيات العظيمة التي توفرها الطاقة الشمسية، بينما تستغل ألمانيا، على سبيل المثال، وإلى أقصى حد، الإمكانيات القليلة نسبيا لتلك الطاقة.
وتواجه مدينة الإسكندرية التي تطل على البحر المتوسط ويبلغ عدد سكانها أكثر من أربعة ملايين نسمة خطر الغرق. ويقول المنتدى العربي للبيئة والتنمية إن ارتفاع منسوب مياه البحر يحمل مخاطر حذف 6% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر بينما تبين دراسات للأمم المتحدة أن غمر مياه الفيضان 4500 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية في دلتا النيل ستبلغ تكاليفه 35 مليار دولار.
ومن المعروف أن المنطقة صالحة للاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حيث توجد مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية وتتوافر أشعة الشمس بقدر كبير.
الجدير بالذكر، أن الطاقة الشمسية التي تصل إلى الكرة الأرضية خلال ساعة واحدة يمكنها تلبية الطلب السنوي العالمي للطاقة. كما أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية النظيفة يمكنها أن تلبي أربعة أضعاف الطلب العالمي على الكهرباء. ومع ذلك، فإن الطاقة الشمسية تلبي حاليا أقل من2% من الاستهلاك العالمي للكهرباء.
وبالمقارنة مع الدول الصناعية المتقدمة، تعد إسرائيل تحديدا متخلفة في مجال استغلال الطاقات المتجددة؛ فوفقا لما أوحت به للعالم، يفترض بإسرائيل أن تتبوأ مقدمة الدول في مجال استغلال الطاقة الشمسية، إلا أنه لغاية الآن، لم تقم فيها تقريبا منشآت لإنتاج الكهرباء على نطاق كبير من الطاقة الشمسية؛ ونسبة الكهرباء التي يتم إنتاجها من الطاقات المتجددة لا تتجاوز 5%. ومن الطاقة الشمسية تحديدا، تولد إسرائيل حالياً ما لا يزيد عن 1% فقط من كهربائها. ولغاية الآن، لم تنفذ مشاريعها الكبيرة لاستغلال الطاقة الشمسية في صحراء النقب؛ والتي يتوقع أن تزود الإسرائيليين بـِ 2.5% من إجمالي استهلاكهم للكهرباء.