نادية مصطفى
مركز حسن مصطفى الثقافي
غذاء يرافق الإنسان في مختلف مراحل حياته من طفولته إلى شيخوخته
قيمة البيض عند الإنسان
منذ فجر التاريخ والبيض يتمتع باهتمام الإنسان واحترامه وثقته، وخاصةً في مراحل جمع الإنسان لغذائه، والذي كان يلتهم ما تصل إليه يداه من دون فكرة مسبقة عما يحويه، أو التمييز في الفوارق بين نوع ونوع.
كما حظي باهتمام في الحياة القبلية فكان يحيطه بمسحة من الصوفية، وكان العرّافون يعتبرونه ثمرة من أصدقائهم ذات الريش، وكانت بعض معتقداتهم وأديانهم تكرسه كرمز من رموز الحياة.
كان الأقدمون يعتبرون نيسان شهر تجدد الحياة بحلول فصل الربيع والذي يزدهر ببيوض الطيور، فشريعة حمورابي حثت قبل الميلاد بألفي سنة على تخصيص يوم من أيام نيسان بالاحتفال بتجدد الحياة وعيد البيض، وعيد ازيروس، وايزيس، وراع منذ أيام الفراعنة (عيد شم النسيم في مصر إلى اليوم)، وعيد إخراج الحي من الميت عند قيامة المسيح عليه السلام من قبره، (العقيدة الأساسية في المسيحية).
وعيد النيروز عند الفرس وفي فلسطين هناك خميس البيض في نيسان، أيضا ويتزامن مع عيد الفصح الشرقي وهو أيضا خميس الأموات في بلادنا، حيث يسلق البيض ويصبغ بالصبغات النباتية الطبيعية من أشهرها قشر البصل أو الخبيزه وورق اللوز الأخضر، ونبات العصفر أو الكركم، ويقدم في العيد إعلاناً عن انتهاء الصيام للمسيحيين، وبعد صيامهم عن تناول الأغذية الحيوانية المصدر.
وفي موسم النبي موسى كان يرافق حلقات الدبكة (المطاقشة بالبيض)، ويوزع البيض المصبوغ عن روح الأموات خاصة الأموات من الأطفال في هذه الاحتفالات الموسمية والمتزامنة في وقت واحد، ولخمسي البيض بهجة وفرحة عند الاطفال حيث يشاركون في سلقه وتلوينه وتوزيعه والمطاقشة، وما يصاحبه من هرج ومرح.
وللبيض في ثقافتنا قيمة غذائية كبيرة حيث يهدى إلى الولادات، وتعدّ منه أقراصٌ من العجين والبصل ويقلى بزيت الزيتون ويسمى مقلى. ويخص الأطفال الذكور بتناول البيض أيام قلة توفره بكثرة ويطلقون على الصبي الوحيد بأنه( بيضة القاقه) أي انه عزيز وله قيمة، كما كانت النساء تربي الدجاج لإنتاج اللحم والبيض، والمرأة المدبرة هي التي تسعى إلى ترقيد الدجاج وتربية الصيصان لهذا الغرض.
وتربية الدجاج كانت شائعة في المدن والقرى والبادية، ولعميد الأدب الفلسطيني الدكتور اسحق موسى الحسيني كتاب ورواية (مذكرات دجاجة)، والحوار التي تتضمنه مستوحى من دجاجات كان يربيها في بيته في مدينة القدس.
وفي الأزمات والحروب حيث يقلّ وجود الأطعمة بشكل واسع، ترتفع قيمة وسعر البيض للحاجة إليه، وقد روى لي (كاتبة المقال) احد خبراء اليونسكو وهو سوداني الجنسية، قصة حدثت معه حين كان يدرس في بريطانيا أيام الحرب العالمية الثانية حيث سكن مع عائلة إنجليزية، وفي يوم عاد إلى المنزل ووجد 4 بيضات في المطبخ، فظن أنها حصته من الطعام، ولأنه ابن مجتمع رعوي وزراعي غني بالخيرات تصرف وقام بقليها وأكلها، ولما عادت ربة المنزل البريطانية ولم تجد البيضات، قالت له وهي مستاءة انه أكل حصة العائلة على طول الأسبوع.
الأمثال الشعبية التي تذكر البيض:-
- آذار مرة شميسة ومرة أمطار ومرة مقاقاة الشنار بتبيض العنقا وصغار الأطيار.
- في آذار بتفتح العنقا(الحية أو الأفعى) ويدحي (يبيض) الشنار.
- المجنون الي ببيع بيضة كانون.
- البيضة اسمها على جسمها.
- (تطويشة البيضة) توضع البيضة في الماء المملح كمعيار لسلق الجبنة وتمليح الزيتون ويضاف الملح حتى تطيش.
- (البيض امذر والدراهم نحاس) بمعنى فساد البيض وعدم صلاحيته للأكل أو للتفقيس، والنقود مصنوعة من النحاس وليس من الذهب دلالة على سوء الحال والأوضاع.
- ( اعرف صاحبك يوم الخميس ببيضة ) بمعنى ان بيضة الخميس هي عربون صداقة ومودة وكأنها بطاقة تهنئة بين الاصدقاء ومن ينسى ان يقدم لصاحبه بيضة الخميس، كأنه يقاطعه، وعند الاخوة المسيحيين الارثوذكس كان من العادة ان يقدم الخطيب لخطيبته بمناسبة عيد الفصح مئة بيضة وبيضة (101) بيضة، في أوقات كان فيها جمع البيض ليس سهلا لذا تعد هدية رمزية وقيّمة، وكذلك يقدم الاهل لإبنتهم العروس في عيد الفصح الأول لزواجها مئة بيضة وبيضة أيضا.
كيفية معرفة البيضة الجيدة:-
- كانت ترّج البيضة فإذا رجت يحكمون عليها بالفساد أو القدم، ولعل هذا مؤشر على تبخر السائل في داخلها بسبب قدمها وتمدد مسام القشرة الحافظة.
- توضع في الماء فإذا طاشت في الماء فهذا يدل على قدمها. والحقيقة، انه لا يمكن معرفة حالة البيضة إلا بفتحها ورؤية كثافة البياض (الأح) وسلامة الصفار (المح)، وارتفاعه وعدم انبساطه أو خلط الصفار مع البياض.
- ينفر الناس من وجود الدم في البيض في الزلال أو المح، وسببه حدوث نزيف دموي أثناء تكون البيضة ويتراوح ما بين رأس الدبوس إلى نصف معلقة صغيرة نراها في الأح، وهذا لا يسبب أي ضرر على الإطلاق للمستهلك، وليس دليلا على أن في البيضة جنينا.
مكونات البيضة:-
- إن تكون البيضة – بحد ذاته- قصة مثيرة تشهد بعظمة الخالق وبديع تكوينه فمنذ نزول المح (الصفار) من مكان تجمعه ودخوله إلى قناة البيض( قناة فلوبيوس) تجري عمليات تجمع وإضافة مستمرة طول الطريق.
- فالأح(الزلال) عبارة عن طبقات مركزة من مادة الغذاء التي يمتصها الجنين قبل خروجه من البيضة ويحتوي الأح على مواد دهنية وعلى (لفتين، لستين، فيتالين، وكلسترول، بالإضافة إلى المواد الملونة.. وجميع مركبات الحديد والفسفور.
- والمح أي الصفار أكثر ما في البيضة من غذاء، لأنه يحول أكثر المواد الحيوية الضرورية لغذاء الإنسان ومادتي الحديد والفسفور موجودتان بشكل عضوي سهل الهضم والتمثل، وتداركهما عن طريق هذه المادة الغذائية أجدى وانفع من جميع مركبات الحديد والفسفور المختلفة الأسماء، وعلاوة على ذاك فمح البيض يحوي أكثر أنواع الفيتامينات المعروفة: (أ، ب، ج، د، ه) أما المادة الطافية على سطح المح فهي حويصلة النطفة، ومهما تحركت البيضة تبقى على السطح والزلال يوصف كيميائيا بأنه: (سائل بروتيني متخثر على جانب من القلوية، ويشكل الماء نسبة 85% منه ويحمي الزلال الصفار من الهزات العنيفة.
فوائد البيض:-
- البيض غني بالأملاح المعدنية وقلة مردوده الحراري لذا يوصف لمن يتبعون نظام خاص لإنقاص الوزن.
- البيض يحوي على البروتين وهو نفسه البروتين نفسه الموجود في اللحم والحليب، ويزيد البيض في مزاياه انه حاوٍ لمقدار من الحديد أكثر ما يحوي من الكلس، وهناك خطا شعبي شائع يجعل الكثيرين يعمدون إلى سحق قشور البيض وتناولها (كسفوف) ظنا منهم أنهم بذلك يتناولون (كلساً) مركزاً، والواقع ان الكالسيوم الذي تحتوي عليه قشرة البيضة غير قابل للتمثيل والهضم، وليس له فائدة سوى حفظ البيضة من العوامل الخارجية.
- البيض غذاء مفيد جدا وجميع عناصره قابلة للامتصاص سهلة التمثيل، وأسهل أنواعه هضم النوع المسمى(البرشت) والنوع المسلوق أسهل هضما من المقلي، وتتقبله معدة الطفل الرضيع عندما يبلغ الشهر التاسع من عمره.
مضار البيض:-
- العبرة في تناول الأطعمة بالكيف وليس بالكم، والإكثار من أي مادة يسبب إرهاق المعدة وإتعابها، ويربك الكبد ويزعجها، وقد يؤدي إلى تفسخات وتخمرات ينقلب معها الطعام سما زعافا.
- ليحترس من أكل البيض المكبدون والمتصلبة شراينهم، والذين يشكون حصوة المرارة، والمصابون بالتهاب الكلية... (إن هذه المادة الغذائية تسبب لهم تخريبا وتنكيلا).
حفظ البيض:-
كان الفلاحون يجمعون البيض ويحفظونه في أواني القش او مغمورا في التبن أو في سلال من العيدان أو الخرصان المعدنية تعلق في الهواء. ومادة التبن (وهو قش القمح الناعم) يقي البيض شر الرطوبة والحرارة ويحول دون تمزق الطبقة الهلامية التي تغلفه، أما عندما نبتاعه فيجب وضعه في البراد فورا لأن الحرارة تضر بالبيض الخاص بالأكل، في الوقت الذي يحتاج بيض الترقيد إلى الحرارة للتفقيس.
ويتأثر البيض في الروائح أو العطور المحيطة به فهو يمتص الروائح من محيطه أو من البراد تماما كما يحدث في الحليب أو القشدة.
الطبخات الشعبية من البيض:-
- يؤكل البيض مسلوقا بالماء أو مقليا بالزبدة البلدية أو السمنة أو زيت الزيتون أو الزيوت الأخرى النباتية وفي وجبة الإفطار على شكل عيون أو مخفوقا يمكن ان يهرس البيض المسلوق باللبنة ويضاف إليه الزيت أيضا ويملح ويبهر، ويمكن أن يقطع في الزيت وحده. واليوم يضاف إليه ثمار الافوكادو ويصنع من البيض المايونيز وهو ليس من ثقافتنا الشعبية.
- يؤكل البيض مشويا خاصة مع كعك السمسم الذي ينتسب أفضله إلى مدينة القدس، وتباع معه خلطة من الملح والبهار تسمى دقة.
- يقدم البيض على شكل أقراص العجة المضاف اليه الخضر المفرومة ناعما من البصل والبقدونس والنعنع وكذلك (المقلي) أي أقراص العجة مضافا إليها عجين الزلابية.
- هناك أكلة البصلة والبندورة البعض يسميها (الشكشوكة) أو الثوم والبندورة المقلية بالزيت، ويضاف إليها البيض والفلفل الحلو فيزيد من القيمة الغذائية ويضيف نكهة وطعم خاص والبعض يسميها (المطورة).
- يدخل البيض في عمل الكعك وأنواع من الخبز والمعجنات كمادة رافعة ونافشة، ويدهن أيضا بها سطوح العجين لإعطاء اللون الذهبي المائل إلى الحمرة عند الخبز.
- يحضر من البيض مع خليط الماء والطحين تلبيسة للأطعمة الحلوة والمالحة قبل القلي، مثل إنضاج العكوب وتغليفه بالعجين المحتوي على البيض ثم قليه وكذلك الزهرة ... الخ.
- يعد من البيض منوعات حيث يضاف البيض في آخر هذه الاكلات ويقدم ساخناً لوجبة الفطور أو العشاء مثل اللحمة المفرومة مع البيض (تسمى مبعثرة) أو عجة بالجبنة، عجة لب الكوسا، عجة زهرة القرنبيط، عجة الجبنة المقلية مع البيض، البيض مع البندورة، البيض مع البطاطا، الكوسة بالبيض، الكلاوي مع البيض، النخاع بالبيض، عجة العكوب.
- يمكن ان يقلى البيض بالماء والخل حيث يغلي الماء ويضاف إليه نقاط الخل، ويحرك بشكل دائري ويصب في الدوائر المائية البيض فيتكاثف البياض حول الصفار ثم يرفع بمصفاة، ويوضع في الصحن ويوضع عليه الملح والبهار حسب الرغبة.
- وأضيف مؤخرا البسطرمة مع البيض، والبيض مع النقانق أو مع السوسج.
- ملاحظة: يجدر الإشارة إلى أن البيض يطهى على نار هادئة.