خاص بآفاق البيئة والتنمية
دب مهرجان السيباط الأول الحياة في شرايين سوق جنين العتيق، وهو المكان الذي شُيد في الحقبة العثمانية، وتجاورت مهن يدوية وتراثية داخل السوق المسقوف وسط المدينة. وبدأ العارضون بالترويج لمشغولات ومطرزات وقشّيات وأدوات تراثية وخزفية وملابس تقليدية وأطعمة تراثية، إلى جانب عروض فنية وزجل وفلكلور.
ويُجمع العارضون والزوار والمنظمون على أن السيباط، الذي يعني السوق الكبير المسقوف، يمكنه أن يعيد جنين سنوات إلى ماضيها، ويُذّكر بمهنها التي انقرضت، وينعش الحركة التجارية الراكدة.
فيما يقول محافظ جنين إبراهيم رمضان في كلمة الافتتاح: نسعى إلى إعادة الروح من جديد إلى السوق، للحفاظ على التراث والموروث الثقافي للمدينة، ونطلق دعوة للمتسوقين للدخول إليه، والتسوق منه، ونهدف من المهرجان الى الحفاظ على السوق ورفع الوعي بأهمية السياحة الداخلية، وتعزيز التواصل بين محافظات الضفة الغربية والداخل.
القشيات والمشغولات التراثية الفلسطينية في مهرجان السيباط بسوق جنين العتيق
مهن عتيقة
وتمسك الفتاة شهد علي بمطوية المعرض، وتقرأ منه على مسامع رفيقاتها: "انتشرت في السوق أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مهن وحرف عديدة منها: السرّاج (الشخص الذي يصنع فراش يوضع على الحيوانات للركوب عليها ويصنع لها حبال خاصة)، والخيّاط العربي، وصانع الأحذية (الكندرجي)، والمبيَض (النحّاس)، والحلاق وكان يقوم بدور الطبيب في معالجة الأسنان وحساسية الجلد وختان الأولاد، والحداد، والسمكري ( يجري الصيانة لوابور الكاز)، ونجار المحاريث (نجار يصنع أدوات حراثة للدواب من الخشب)، والمنجًد، والعطّار (كان يقوم مقام الصيدلاني)، والسمَان (يبيع مواد غذائية مثل الزعتر والبهارات) ، والحلواني، والفرَان، والعشَي (صاحب المطعم)، والبناء وعمال الخدمات كالسًقاء والعربجي والبغًال والمكاري (مؤجر الدواب(.
تقول "آفاق": أنا من جنين، لكنها المرة الأولى التي أعرف فيها كل هذه المعلومات عن سوقنا القديم ومهنه، وهذا تقصير لا بد من الاعتراف به. وأخبرتني زميلاتي أنهن لم يدخلنه طوال 17 عامًا من عمرهن.
ويستلقي السوق بمنافذه الخمسة بجوار السرايا التي تحولت إلى مدرسة تحمل اسم فاطمة خاتون، وليس ببعيد من مسجد المدينة الكبير، ولم يتبق من السوق اليوم غير بضعة متاجر، وتعرض إلى الإهمال والتدمير عدة مرات.
تقول مديرة مركز النشاط النسوي باسمة أبو طبيخ: الإقبال على السيباط جيد، لكن الجميع يأتي للمشاهدة وليس للتسوق، وهذه فرصة جيدة، ونعرض في ركننا أشغال الحفر على خشب الزيتون، ومطرزات، ونفتش عن زوايا جديدة للفت أنظار المتسوقين، وتقريبهم من تراثنا.
تسويق الغربال المصنع محليا في سوق جينن العتيق
فنون من قش
في زاوية مجاورة، تعرض رئيسة الهيئة الإدارية لجمعية "المرأة يومًا بعد يوم" مي سنان قشيات بأحجام وألوان عديدة، وتشرح لرواد السوق استعمالاتها.
تقول: بدأنا ندرب فتيات على صناعة القشّيات، وهي مهنة تتعرض للاندثار، وتوصلنا لثلاث نساء يقتربن من العقد السابع، أخذن يعلمن المتدربات مهارات عددية. واستعنا بالمتطوع جواد معالي ليشرح للزائرين بلباسه التراثي، استعمالات القشيات، وتسمياتها، ومراحل إنتاجها.
يقول معالي: تعلمت طرق صناعة القش، وأجلس في السيباط لتعريف الزائرين بالترويج والجونة والطبق، وهي الأدوات التي كانت تستعمل في الكثير من البيوت وأتمنى أن نهتم أكثر بتراثنا، وبسوقنا العتيق.
وتمسك فدوى ساق الله بثوب تراثي مطرز باليد، لتقول: أمضيت سنة ونصف وأنا أنسج هذه القطعة، ولدي أكثر من ألفي تصميم وإكسسوار ومطرزة، وأجلس اليوم في سوقنا القديم، الذي يمثل روح مدينتنا.
ووفق ساق الله، فإن التطريز والعودة للتراث جميلة، لكنها متعبة لصاحبها، وترهق النظر والأعصاب، ولا تحظى أحيانًا بتقدير من يشاهدها.
وتعرض أم عمران منتوجات تذكر الزائرين بالماضي، فهنا البيض البلدي، والعسل وألبان وأجبان وحلوى تقليدية. وتقول: نتمنى أن يتحول السوق إلى معرض دائم، وأن يزوره السياح وأهالي المحافظة أيضًا.
وتعرض كفاح رؤوف حلواها التقليدية، وتقول إن والدها كان يقص لها حكاية السيباط القديمة، وهو مكان يذكر من يدخله بأسواق تركيا التقليدية، وبحارات الشام.
مدخل سوق جنين العتيق
التهديد الصيني
يقول عبد المنعم التميمي، صانع الخزف القادم من الخليل: قضت البضائع الصينية علينا، لكننا نحاول استرداد مجد صناعاتنا اليدوية، ونحتاج إلى حمايتها، وأولى خطوات ذلك التعرف عليها، والتمسك بها، حتى لو كان ثمنها مرتفعًا أكثر من المستوردة.
يقول التاجر يوسف الحثناوي، إن والده بدأ في السوق منذ عام 1954، واليوم صار في السيباط 64 متجرًا معظمها مغلقة، ويأمل أن يعيد المعرض الحياة للسوق.
وبحسب الحثناوي، فإن الأجيال الشابة لا تعرف أسماء الأدوات الشعبية والتراثية، وبعضها لم ير الغربال والمنجل إلا في السوق، ولم يستطع تحديد أوجه استعمالاتها.
ويعيد الحثناوي وأخوته بشار وبشير ويوسف الاهتمام بالتراث من خلال تأسيس مصنع لإنتاج الزيوت الطبيعية لاثنين وسبعين صنفًا كزيت اللوز المر، والترمس، والصنوبر، والسدر، والبرتقال، والنعناع، وغيرها.
وينشط متطوعون شبان في زاوية أخرى، يروجون للقراءة عبر مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، ويعرضون قصصًا وسلسلة أبحاث أعدها يافعون، لكن يزن وسارة شملولي يؤكدان تواضع أعداد الرواد والمتحمسين للقراءة.
ويقول زهدي قلالوة، البائع المتجول في مدخل السوق: كل شيء تغير في محيط السيباط، وضاعت الكثير من أراضي المدينة، ولم تعد تنتج قمحًا أو بطيخًا، وليت جنين تعود إلى ماضيها.
aabdkh@yahoo.com

القشيات التراثية في سوق جنين العتيق