التلوث الإشعاعي والهوائي في قطاع غزة خطر خفي يهدد الوجود البشري والبيئة
عبدالله محمد حجازي / غزة
لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي من تصعيده اتجاه قطاع غزة وشن الحروب المتتالية خلال فترة قصيرة من الزمن، كما من المؤكد أنه لا مثيل لشراسته في عدوانه على هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي لا تتعدى 365 كيلو متراً مربع، حيث استخدم كافة الأسلحة والمتفجرات المحرمة دولياً ضارباً بعرض الحائط كافة القوانين والشرائع الدولية .
ومن وجهة نظر الراصد البيئي نجد أن الحروب الثلاث الأخيرة على قطاع غزة، استهدفت البيئة بشكل مباشر ودمرت النظام الحيوي بشكل شبه كامل، ما يعني صعوبة الحياة في هذا القطاع نتيجة التلوث البيئي الخطير والذي ينعكس بشكل مباشر على صحة الإنسان الذي يعيش فيه. لاسيما وأن الأسلحة المستخدمة تحتوي على معادن ثقيلة ومواد مشعة تسبب تلوثاً إشعاعياً خفياً إضافة إلى ما يحدثه القصف من تلوث هوائي نتيجة انتشار الأغبرة والأتربة المحملة بالمواد السامة بحسب خبراء ومختصين في هذا المجال .
هذا ويُذكر أن فريق بحث إيطالي أجرى فحوصات إبان حرب 2008 أكد فيها حصوله على نتائج ودلائل على استخدام الاحتلال الإسرائيلي لمواد مشعة مثل اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض، كما يشير الأطباء أن الجثث الممزقة والجروح العميقة والحروق التي رائحتها غريبة، تؤكد استخدام أسلحة محرمة وذات خطر إشعاعي.
ويتكون اليورانيوم المنضب من نفايات نووية تحملها القذائف والصواريخ بهدف زيادة قدرتها على الاختراق والتفجير، ولم يتورع الاحتلال من استخدامها حيث أننا نعلم أنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لديها مفاعلات نووية، مما يرجح وضع النفايات النووية في رؤوس الصواريخ.
وفي نفس السياق أكد المهندس منذر سالم مدير عام السياسات والتخطيط في سلطة جودة البيئة أنه تم أخذ عينات من التربة بعد حرب 2008 وتم فحصها في مصر، وقد أظهرت نتائجها وجود عينات تعرضت للتلوث الإشعاعي، مضيفاً أن حربي 2008 و2012 استهدفتا البشر والحجر، مشيراً إلى أن 50% من تربة قطاع غزة ملوثة بمعادن ثقيلة ومشعة تضر بالبيئة والصحة بشكل خفي وخطير .
بالإشارة إلى ما سبق ذكره ومقارنة بالحرب الأخيرة في تموز 2014، تشير الإحصائيات إلى أن كمية المواد المتفجرة التي سقطت على قطاع غزة تقارب في المستوى التدميري 6 قنابل نووية أمثال تلك التي سقطت على هيروشيما ونيجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945وهذا يشير إلى مدى خطورتها على الحالة البيئية في قطاع غزة .حيث رجح أستاذ الفيزياء الطبية أنور عطالله استخدام الاحتلال مواد مشعة في هذه الحرب داعياً إلى ضرورة الإسراع في إجراء الفحوصات اللازمة لكشف المخاطر والآثار البيئية وعلاجها . وقد علق عطالله بأسف على قلة الإمكانيات في غزة لإجراء مثل هذه الفحوصات .
وقد أوضح كيفية تأثير المواد المشعة حيث تندمج بعد ترسبها في عناصر البيئة المختلفة لتنتقل بعد ذلك إلى الإنسان وتستمر لفترات طويلة، مسببة تشوه الأجنة وزيادة الإصابة بأمراض الصدر والرئتين على المدى القريب، أما على المدى البعيد فإنها تسبب أمراض سرطانية نتيجة ترسبها داخل الخلايا والأعضاء .
حسب مسؤولين في القطاع الصحي، فقد كشفت التقارير عن زيادة نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية وتشوه الأجنة وحالات الإجهاض خصوصا بعد حرب 2008 وحرب 2012 ، وفي هذا دلالة على التلوث الإشعاعي بحسب تعبير الخبير الفيزيائي البروفسور ماهر الغصين الذي أوضح أن التعرض لليورانيوم نتيجة الاستنشاق يؤدي إلى احتجاز دقائق اليورانيوم المشعة، داخل الرئتين والكليتين مما يزيد احتمالية الإصابة بسرطان الرئة أو الكلية .
تلوث التربة والهواء والمياه وتأثيره على أهالي القطاع
ويوضح الدكتور الغصين تأثيرها على المياه الجوفية من خلال الأمطار التي تكون محملة بالإشعاعات الموجودة بطبقات الجو إلى باطن الأرض، فتتلوث المياه بالمواد المشعة وتنتقل إلى الإنسان مسببة أمراضاً له وتنتقل للتربة منها إلى النباتات ومن ثم إلى الإنسان مباشرة أو عند تناول الحيوانات التي تتغذى على تلك النباتات الملوثة .
وبالرغم من ذلك فإن تسرب المواد المشعة إلى التربة هو أقل عمليات التلوث خطورة بسبب كونه موضعيا، لأن الزمن اللازم لكي تتحرك المواد المشعة عبر طبقات التربة إلى أن تصل للمياه الجوفية يكون طويلاً . وهذا التلوث أسهل في الكشف والتحديد وفي التعامل معه وعلاجه .
الخطر الخفي يكمن في التلوث الإشعاعي الذي أصبح الآن خطراً حقيقياً واقعياً ولربما هو السبب الرئيس للأمراض المستعصية " كالسرطان" الذي ينتشر الآن بشكل كبير في قطاع غزة حسب الدراسات، ويقاسي آلامها الصغير و الكبير دون استثناء .
أما على صعيد تلوث الهواء فإن التلوث كبير وفاق السيطرة مع قلة الإمكانيات في قطاع غزة، نتيجة الغبار المنبعث من قصف وتدمير المنازل والأراضي الزراعية وانتشار المواد الصاروخية السامة في الهواء الجوي، وتدمير المصانع التي تحتوي بشكل أساسي على مواد كيماوية وسامة، والقنابل الغازية التي استخدمها الاحتلال على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة.
فقد أشار الأستاذ المساعد في قسم الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية الدكتور وسام المدهون أن ضرر الصورايخ والقصف كبير جداً ولا يتوقف عند تخريب الأراضي وبث السموم فيها، بل يتعداها ويعمل على تلويث الهواء الجوي متمثلاً بشكل أساسي بالجسيمات الصغيرة التي تبقى عالقة في الهواء نتيجة تطاير بارود الصواريخ وغبار الركام الناجم عن القصف، وهي PM10 و PM2.5 والتي تدخل الى الجهاز التنفسي مسببة مشاكل في الرئة وأمراضاً حادة وسرطان وهذا على المدى القصير .
أما على المدى الطويل فقد أوضح الدكتور المدهون إلى أن المواد الداخلة في تصنيع الصواريخ تحتوي بشكل أساسي على عنصر الرصاص، وبعض العناصر الثقيلة التي تترسب في نهاية المطاف فوق التربة مما يفقد الأرض خصوبتها، وربما بفعل الزمن تترشح إلى الخزان الجوفي مسببة تلوث المياه، مشيراً الى أنه تم رصد حالات مرضية إبان عدواني 2008 و2012 ، بينما تُرك الأمر على حاله بالنسبة لعدوان 2014حتى تتوفر فحوصات وإحصاءات توضح المخاطر والأضرار الصحية نتيجة تلوث الهواء، متوقعا أنها فاقت سابقتها من الحروب .
وفي سياق ذلك دعا المختصون إلى إنشاء مراكز أبحاث ودراسات خاصة بالبيئة توفر عمل فحوصات وقياسات لقياس الأضرار البيئية الناجمة بسبب الحروب على القطاع، للعمل على اتخاذ التدابير الملائمة وحماية السكان من المخاطر المحتملة.