السجائر الإلكترونية لا تختلف مخاطرها عن الورقية... وشركات التبغ تحدِّث طرق استغلالها
لنفترض أننا نعيش في دولة. لنفترض أن الوزراء عندنا يحترمون القوانين ويطبّقونها. ولنفترض أن المراقبين الصحيين يطبقون قانون منع التدخين في الأماكن العامة الذي أُقر العام 2011، فماذا سيفعلون اذا دخلوا مقهى ووجدوا بعض رواد المقاهي يدخنون سجائر الكترونية، فماذا سيفعلون؟ هل يعتبرون مدخّنها مخالفاً للقانون؟ هل يشمل القانون السجائر الالكترونية؟ هل تضرّ هذه الأخيرة بالصحة مثل السجائر العادية؟ هل يضر دخانها (بخارها) السلبي الآخرين في الاماكن المغلقة أيضاً؟ ما هي حقيقة هذه السجائر ومكوناتها؟ وهل تم حسم الانقسام الحادّ بين العلماء والباحثين حول مخاطر او مزايا السجائر الالكترونية؟
يقول البعض إنه تم "اختراع" السجائر الالكترونية لمساعدة المدخنين بداية على الإقلاع عن التدخين. وسرعان ما تبين أن هذا الادعاء كان كذبة كبيرة، اذ تم الاحتفاظ بنسب النيكوتين في السجائر (والأراكيل) الالكترونية، ولم يتم تخلي المدخنين عن السجائر الورقية التقليدية محتفظين بالنوعين معاً. ثم قيل أيضاً إن شركات التبغ، استبقت الحملة العالمية على التبغ والسجائر الورقية وحاولت الاحــتيال على القوانين عبر اختراع هذا النوع من السجـــائر التي لم يحسم بعد الجدل حول ضررها السلبي، وهو ما تركز عليه قوانين منع التدخين في الأماكن العامة.
"لا تختلف السيجارة الإلكترونية الحديثة في أوجه كثيرة عن السيجارة التقليدية المصنوعة من الورق والتبغ. فعندما تسحب نَفَسًا من السيجارة؛ ستحصل على جرعة نيكوتين حقيقيّ. الفارق بينهما أن السيجارة الإلكترونية تقدم لك هذا النيكوتين من خلال سائل محتجَز في حاوية وحدة تبخير تعمل ببطارية، حيث يتم تسخين هذا السائل من خلال خلية تسخين مدمجة. عندما يستعملها المدخّنون؛ فإنها تنتج سحابة من الدخان؛ تقنِعهم إلى حد ما بأنهم يدخنون سيجارة حقيقية، بل إن سجائر إلكترونية عديدة تحتوي على مصباح مضيء في الطرف، يتوهج باللون الأزرق (أو الأخضر، أو الأحمر) ليحاكي تجربة التدخين كاملةً، تلك التجربة التي طالما أضفى عليها الكتّاب وصنّاع الأفلام صبغة رومانسية". هذا ما كتبه دانييل كريسي في عدد (1/10/2014) من مجلة نيتشر العلمية. لا أحد ربّما يختلف مع كريسي في المقارنة بين السجائر الورقية وتلك الالكترونية عند هذا الحد، إلا أن الخلاف يبدأ عند المقارنة للتأكد من وجود عشرات المواد الكيميائية المسبِّبة للسرطان، التي تمّ إثباتها في الورقية.
القانون رقم 174 الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني العام 2011 للحدّ من التدخين وتنظيم صنع منتجات التبغ وتغليفها ودعايتها، ركّز فقط على المنتجات التبغية ولم يتناول السجائر والاراكيل الالكترونية، إلا في الفصل الاول المتعلق بالتعريفات حين يتحدث عن بدائل التبغ. ولكنه لا يندرج ضمن بنود "الحظر"، مما يتطلب تعديلاً في القانون لاحقاً لناحية حظر تدخين الالكترونيات في الاماكن العامة.
ربما تُعَدّ السجائر الإلكترونية، التي تُعرف أيضًا بأسماء عديدة من ضمنها "أجهزة التبخير الشخصية"، أو "أجهزة النيكوتين الإلكترونية"، من أكثر الأجهزة المثيرة للجدل التي اختلف حولها باحثو الصحة العامة العاملون في مجال مكافحة التبغ. فبالنسبة إلى بعض الباحثين، فهي تساعد على الإقلاع عن هذه العادة المميتة، بينما يخشى آخرون أنها تهدر عقودًا طويلة من الجهد، ليتم إثبات مضارها بعد ذلك، تماماً كما حصل مع التبغ.
كما لا يشار الى الجهات التي تموّل هذه الأبحاث وغاياتها، مع علم كثر من المتابعين لهذه القضايا كيف حاولت شركات التبغ العالمية التقليدية أن تحجز لها مكاناً متقدّماً في السوق الالكترونية الوليدة، بينما لا تزال الجهات التشريعية والكثير من الدول متعثرة في تحديد الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها حيال هذه التغيرات. فكيف تتعامل دول العالم مع هذه الظاهرة الالكترونية؟
تجارب من العالم
يرجع الفضل في تطوير السيجارة الإلكترونية الحديثة منذ عشر سنوات مضت تقريبًا إلى مخترع صيني، اسمه هون ليك. وقامت الشركة التي يعمل فيها (رويان)، ومقرها في شينزن بتسويق اختراعه على نطاق تجاري، حيث شهد منافسة من منتجات عدة مماثلة.
بعض الدول، مثل سنغافورة والبرازيل، حظرت هذه السجائر الإلكترونية تمامًا، بينما اقترحت الإدارة الأميركية للأغذية والأدوية وضع هذه المنتجات تحت إشرافها وسلطتها مثل التبغ، ولكنْ أدَّت قضايا وتأجيلات إلى عرقلة هذا المسعى لإصدار تشريع رسمي بذلك. في أيار 2014، أنهى الاتحاد الأوروبي تنقيحاً شاملاً للقواعد التي تحكم منتجات التبغ في الدول الأعضاء، وتضمّنت هذه القواعد ضوابط ومعايير لمنتجات السجائر الإلكترونية، وقيودًا على الإعلانات، لكن هذه القواعد الأخيرة ستستغرق سنوات طويلة حتى تدخل حيز التنفيذ.
وفي العام الماضي (2014)، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا، كان من ضمن توصياته تقييد استخدام السجائر الإلكترونية داخل المنشآت والمباني، وحظر نكهات معيّنة، وقصر المبيعات على البالغين. ونظمت مناقشة لهذا التقرير خلال شهر تشرين الأول العام 2014 الماضي؛ لتحديد الأسلوب الأمثل للتعامل مع المنتجات ضمن الاتفاقية الإطارية الدولية بشأن مكافحة التبغ، التي تُلْزِم الحكومات بإصدار التشريعات التي تنظم استهلاك التبغ، وتحاول تقليل تأثيره على الصحة.
أسئلة حول المضار
تشمل الأسئلة العالقة، التي لم تُحسَم، ماهية المكوّنات التي توجد في السجائر الإلكترونية المتاحة حاليًا في الأسواق، وتأثيرها الصحي. ويشغل بال الباحثين كذلك ما إذا كان مستهلكو السجائر الإلكترونية سيقلِعون عن التدخين التقليدي، أم سينتهي بهم الأمر إلى استخدام كلا النوعين. وهل من الممكن أن تكون السجائر الإلكترونية مجرد بوابة تقود إلى زيادة استهلاك التبغ؟
السجائر الإلكترونية، أو الأجهزة التي صُمِّمت لتجعل التدخين بلا دخان، موجودة منذ سنوات، لكن أغلبها إما فشل في كسب أي انتشار، أو ظل محدودًا في استخدامه، كأجهزة استنشاق النيكوتين، بناءً على إرشادات الطبيب. وحسب دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، في سان دييجو، كانت هناك أكثر من 288 علامة تجارية من السجائر الإلكترونية على الإنترنت في العام 2012، بعض هذه العلامات التجارية تندرج منتجات عدة تحتها. وفي العام 2014، أصبح لدينا 466 علامة تجارية من السجائر الإلكترونية، أي بمعدل إطلاق 10 علامات تجارية كل شهر. وهناك إقبال واضح من المشترين على هذه السجائر الإلكترونية. ففي بريطانيا فقط يقدَّر عدد مستخدميها بمليونَي شخص، رغم أنه لم يمضِ على تدشينها سوى بضع سنوات فقط.
ومما يعقِّد المشهد أكثر.. ما شهدته السجائر الإلكترونية ذاتها من تطوُّر وتقدُّم فائق السرعة. فالنماذج الأولى التي تشبه السجائر تطوّرت وأصبحت تحتوي على وحدات تبخير تكلّف مئات الدولارات، قابلة للتخصيص حسب رغبة المدخّن، وقد تحتوي على أيّ شيء، بدءًا من الطلاء بالذهب إلى البرمجيات التي تحدّد كيفية عمل هذه السجائر الإلكترونية.
بناءً على ذلك، وسَّع الباحثون من دائرة جهودهم؛ لتوفير المعلومات الإرشادية للجهات التشريعية. إلا أن كثرة التغييرات والتطورات في هذه السجائر، عقدت المسألة ليترك السوق الى المروّجين لمصالح الشركات من دون العلماء. ليظل السؤال الأساس والجوهري المتعلق بمدى أمان هذه السجائر متخبّطًا بين جدران المعلومات غير المؤكدة والأدلّة غير الحاسمة. فالآثار طويلة المدى لاستنشاق "جليكول البروبيلين" ليست معروفة، وهي المادة الكيميائية التي تكوِّن أغلب السائل المتبخر في السجائر الإلكترونية، وهي تُستخدم في عشرات التطبيقات التجارية، بدءًا من الأغذية إلى البلاستيك.
تبيِّن بعض الأدلة من تطبيقاتها في المسرح، حيث تُستخدم في عمل الضباب، أنها قد تسبِّب حساسية للجهاز التنفسي، ولكن لا توجد دراسات حول التأثيرات طويلة المدى عند استنشاقها بشكل دائم.
تحتوي سجائر إلكترونية عديدة على عناصر كيميائية أخرى، تُضاف من أجل النكهة، والمعلومات المعروفة عن هذه العناصر قليلة. وهناك أيضًا مخاوف أخرى مشروعة عن معايير الجودة للمنتجات، فقد عُثر فيها على ملوثات سامة. كما يُحكى عن انفجارات حصلت لبطاريات هذه السجائر وسبَّبت إصابات.
يُجْرِي الباحثون الاختبارات في جميع أنحاء العالم على السجائر الإلكترونية وقد اكتشف البعض تغييرات جينية على خلايا الشُّعَب الهوائية المستنبَتة في المختبر في وسط مُعرّض لبخار تبدو هذه التغييرات مماثلة للتغييرات التي يسببها دخان التبغ التقليدي. ووجدت دراسة أخرى أن التدخين باستخدام السجائر الإلكترونية (مثل السجائر العادية) يؤدي إلى انخفاض في كمية أكسيد النيتريك الخارجة مع الزفير، وهو ما يُعَدّ علامة على أن السجائر الإلكترونية تغيِّر وظيفة الرئة، لكن هذه النتائج لا تزال مبكِّرة، وغير مؤكَّدة.
كما تلفت دراسات مناهضة الى أن بعض الأبحاث المروجة حصلت على التمويل من شركات منتِجة للسجائر الإلكترونية.
لا تساعد على الإقلاع عن التدخين
بينما يروج بعض الباحثين بأن السجائر الإلكترونية ستساعد الناس على الإقلاع عن التدخين، ويشكك آخرون، فإن دولاً عديدة صرّحت باستخدامها، منعت في الوقت نفسه من بيعها كأدوات مساعِدة على الإقلاع عن التدخين. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، يتطلّب ذلك ترخيصها كدواء. أما الولايات المتحدة، فقد حظرت أيضًا الادعاءات بشأن مساعدة الناس على الإقلاع، لكن بعض الماركات التجارية تتحايل على ذلك بشهادات من المدخنين أنفسهم، أو برسائل أخرى ضمنية عن مزايا الأجهزة.
وبينما روّجت دراسات أن النماذج الأولى من السجائر الإلكترونية كانت في مثل فعالية لصقات النيكوتين في مساعدة المدخنين على الإقلاع، والتي تم نقضها في دراسات أخرى، ركزت دراسة نُشرت العام الماضي على 949 مدخنًا تحدثوا عن عاداتهم على الإنترنت، وتوصّلَت إلى أن مستخدمي السجائر الإلكترونية ليسوا أكثر ميلًا للإقلاع عن التدخين من المدخنين الآخرين.
يرى بيتر هايك، باحث التبغ بجامعة كوين ماري في لندن، بحسب مجلة نيتشر، أن إحدى مشكلات استخدام السجائر الإلكترونية للإقلاع عن التدخين تتمثل في أن غالبية هذه السجائر قد تكون أقل فاعلية في توصيل النيكوتين من تدخين سجائر التبغ. ويضيف قائلاً: "أعتقد أن السجائر الإلكترونية ستستغرق خمس سنوات، حتى تصبح فعالة مثل السجائر العادية في تزويد المدخنين بما يحتاجونه من النيكوتين، ما لم تحظرها الجهات التشريعية تماماً. وعندما تصل إلى هذه المرحلة، فإن ذلك سيؤدي إلى اختفاء السجائر التقليدية تماماً".
ضربة لقوانين المنع
في المعركة من اجل مكافحة التبغ، يتخوف الذين يؤيدون وضع ضوابط صارمة على السجائر التبغية من ان تصبح تلك الإلكترونية بديلاً وهمياً. فعندما يصبح التدخين أكثر صعوبة، على سبيل المثال.. من خلال حظر الأماكن التي يستطيع المدخنون فيها إشعال سجائرهم، قد يدخنون السجائر الإلكترونية بجانب السجائر الورقية؛ للحفاظ على مستويات النيكوتين. ومثل هذه الازدواجية في التدخين ستقوِّض الجهود المبذولة لمنع التدخين نهائيًّا. ورغم أن المدخنين الذين يستخدمون السجائر التقليدية مع الإلكترونية قد يدخنون عددًا أقل من السجائر، مقارنةً بمن يدخنون بشراهة، الأمر الذي سيقلّل مخاطر إصابتهم بالسرطان إلى حدّ ما، فمجرّد تقليل مستويات التدخين يقلِّل من مخاطر الإصابة بمتاعب في القلب والأوعية الدموية.
أما الذين يخشون أن يكون ضرر السجائر الإلكترونية أكثر من نفعها، فيحذِّرون من أنها ستجعل التدخين أمراً مقبولاً مرة أخرى في المجتمع. فبعد أن فرضت دول متقدمة عديدة قيودًا مشددة على إعلانات التبغ، بالإضافة إلى الضرائب الثقيلة والتحذيرات الطبية، أصبح استهلاك التبغ عادة مشينة إلى حد كبير. والآن، تنذِر السجائر الإلكترونية، التي تمضي في دول عدة، من دون رقابة أو تشريع، بانهيار هذه النظرة، وتقويض الوضع الراهن.
لعل أكبر مخاوف المعارضين هو أن تجذب السجائر الإلكترونية الشبابَ للتبغ. وقد وجدت 7 مراكز أميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أطلنطا بولاية جورجيا أن نحو 1.78 مليون مراهق في الولايات المتحدة الأميركية قد استخدموا السجائر الإلكترونية، وأن أقل من 10% من هؤلاء لم يسبق لهم تدخين أي سجائر عادية.
عندما نُشرت هذه الأرقام في العام الماضي، قال توم فريدن، مدير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الذي رأس مبادرات عدة معارضة للتدخين عندما كان يشغل منصب مفوض الصحة في نيويورك سيتي ، "إن الاستخدام المتزايد للسجائر الإلكترونية بين المراهقين أمر يثير الكثير من القلق والانزعاج"، وحذّر قائلًا: "شباب كثيرون ممن يبدأون استخدام السجائر الإلكترونية قد ينتهي بهم الأمر إلى المعاناة طوال حياتهم من إدمان النيكوتين والسجائر التقليدية".
إنّ المراهقين أكثر ميلًا للتجربة غالبًا، وربما هذه الحقيقة هي كل ما تؤكده هذه البيانات. يقول أنصار السجائر الإلكترونية إنها إذا كانت ستؤدي إلى زيادة التدخين، فإن معدلات التدخين كانت سترتفع بالفعل في ضوء عدد الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية. وهذا لا يبدو أنه قد حدث حتى الآن، ففي الدول المتقدمة، تشهد معدلات التدخين، بصفة عامة، انخفاضًا مستمرًّا.
إذا كانت السجائر الالكترونية فعلاً بديلاً وعلاجاً للإقلاع عن التبغ، فيجب ان يقر ذلك في قوانين ويجب ان يتم تنظيم ذلك بتشريعات محددة يلتزم بها أطباء متخصصون وأن يتم استخدامها وفق وصفة طبية تحدّد النوع والتاريخ وطرق الاستخدام ... الخ إلا أن ذلك لم يحصل في أي بلد في العالم بعد، بحسب الدراسات التي اطلعنا عليها. وقد حذر البعض من أن يؤدي هذا الإجراء في الوقت الحالي إلى زيادة عدد الأطفال الذين يتعاطون النيكوتين وتتسبَّب في الترويج للتدخين بين الأطفال.
قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية عن موقفها الحازم من السجائر الإلكترونية العام الماضي بالتوصية بحظر استخدامها سارع الكثير من الباحثين المروّجين لها من أن التشريعات المتشدّدة قد تؤدي إلى عكس المراد منها، ولن تخدم سوى مصالح سوق السجائر العادية. وقد ردَّ فريق آخر من العلماء البارزين، إنه لا توجد أدلّة كافية على أن السجائر الإلكترونية مُجْدِية أو فعّالة في الإقلاع عن التدخين، بينما تتوفر أدلة قوية على أنها تخلِّف مكونات سامة، وقد يؤدي فتح الباب لانتشار السجائر الإلكترونية من دون رقابة إلى إتاحة الفرصة لشركات التبغ للتأثير على السياسات.