عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية
حمل شهر نيسان الماضي تبايناً حادًا في درجات الحرارة خلال وقت قياسي، وبفاصل لم يتعد اليوم الواحد، هبطت درجات الحرارة لقرابة 15 درجة في بعض المناطق، والأبرز أن أبواب السماء فتحت، وهطلت أمطار مصحوبة بعواصف رعدية قوية، وتشكلت السيول، وتساقط البرَد، وهطلت ثلوج في مرتفعات الأردن ولبنان وسوريا التي تعلو البحر بأكثر من 1600 متر.
أقرأ شتاء نيسان في عيون طلبتي الذين أدربهم على مهارات إعلامية في طوباس، بالشراكة بين وزارة الإعلام وجامعة القدس المفتوحة. فقد كانت القاعة صباح الأحد، 12 نيسان، على غير عادتها، وبدت علامات الاستغراب على وجوه المتدربين، مثلما تغيرت أحوال ملابسهم، فعادوا من ثيابهم الصيفية والربيعة إلى الشتوية، وحملوا المظلات من جديد.
البرد في 12 نيسان
ورق ومطر
نبدأ التمرين الصباحي بسؤال مفتوح: أخرجوا لطفًا قصاصة ورقة، سجلوا انطباعاتكم عن هذا اليوم، وماذا سمعتم من أحاديث في البيت، والشارع، وفي المركبات، وفي وسائل الإعلام، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي؟
أجمع الأوراق، وعيني على نافذة القاعة، وأذني تطرب لسماع خرير المياه وهزيم الرعد، فنقرأ معًا: قالت نهى محمد: شهر نيسان للرحلات في العادة، لكن هذا العام متغير، الأمطار في غير موعدها، أو على الأقل لم نعش أجواءً ماطرة كهذه منذ ولادتنا عام 1994. هي أمطار جميلة، لكنها سببت ضرراً بالمزروعات، وأوقعت بعض الناس في المرض، وخصوصًا الذين تخلوا عن ملابسهم الربيعية الدافئة.
البرد في شهر نيسان برام الله ويبدو كالثلج
عودة الشتاء
يكتب نعمان بشارات: رجعت الشتوية، ولم نتوقع هطول الأمطار هذا الأسبوع، بالرغم من توقعات الأرصاد الجوية، وصرت من الآن أؤمن بأن المطر في نيسان ممكن، حتى لو تخلى الناس عن ملابسهم الصيفية. المطر خير، وسمعت أمي هذا الصباح تقول (هذا الشتاء من حظ البامية والفقوس الصيفي)، ورددت المثل القائل(شتوة نيسان بتحيي الإنسان).
تسرد هبه عبد الله: لم أتوقع المطر الغزير في هذه الأيام، فطوال عمري القصير لم أشاهده بهذه الغزارة. وشخصياً رفعت ملابس الشتاء إلى أعلى الخزانة، لكنني أعدت استعادتها اليوم، المطر أصل الخير، وسمعت في الحافلة أن الشتاء في هذا الموعد، وبهذه القوة، قد يضر بالمزروعات الصيفية.
تورد مجد مساعيد: الجميل في مطر نيسان أنه جاء بعد الحر، وسمعت أنه يضر بالمزروعات، ويسبب الأمراض للذين تنازلوا عن الملابس المعقولة. الجميل في مطر اليوم، أنه سيزيد عمر الربيع، الذي تعرض لفترة جفاف.
البرد في نيسان برام الله
تقلبات واقتباس
يُلخّص محمد أبو عرة: عشنا أربعة فصول خلال ثلاثة أيام، وهذا ليس بالأمر السهل علينا، وخصوصًا من لبس ثياباً صيفية. ويقتبس تصريحات مدير عام الأرصاد الجوية الفلسطينية، م. يوسف أبو أسعد، وفيها: " تساهم أمطار نيسان بشكل كبير في المعدل السنوي العام، ويبلغ معدلها العام حوالي 26 ملم خلال السنوات العشر الماضية، لكن في نيسان الحالي وصلت الأمطار التي سقطت في اليومين الماضيين إلى 40 ملم، ونتوقع أن تصل إلى 60 ملم مع نهاية المنخفض الحالي، ونتوقع أن تصل الأمطار مع نهاية الشهر إلى 80 ملم، وهذا أعلى المعدلات في مثل هذا الوقت من العام مقارنة بالأعوام الماضية".
ويتابع أبو عرة الاقتباس: "تفيد الأمطار التي هطلت الأشجار المثمرة الكبيرة، وتعزز مخزون المياه الجوفية، ولكنها لا تفيد المحاصيل الشتوية والصيفية مثل القمح والشعير والبقوليات، فهذا الموسم قارب على الانتهاء والجذور بدأت بالجفاف. وتستفيد منه الأشجار المثمرة والخزانات الجوفية، ويمكن أن تتسبب بضرر للزراعات الصيفية مثل الكوسا والبندورة وغيرها، إذ تصيب المزروعات."
من آثار شتوة نيسان
فوائد وأضرار
تنقل علا إبراهيم من موقع جريدة "الرأي" الأردنية، وفيها: "حشيش نيسان بيحرك الكسلان" و "لنيسان بتسرح الغزلان ويتفتح البستان"، و"شتوة نيسان بتحيي الإنسان" و"إن أجا نيسان حضروا له الفنجان". وتضيف على لسان مدير عام اتحاد المزارعين المهندس محمود العوران: "عملت الأمطار الحالية من الناحية البيئية على تنظيف الجو من الحشرات، وهناك تدنٍ بدرجات الحرارة وهي فرصة للخلاص من الحشرات الضارة، وبعض أنواع البكتيريا، فهي من الناحية الصحية تعمل على تنقية الجو وتنقية الهواء وإزالة الغبار المسبب للحساسية.
أما المحاصيل الحقلية التي ما زالت في طور النمو، وما زالت خضراء فهذه فرصة لزيادة النمو الخضري، وزيادة قدرة المحاصيل على امتصاص المواد الغذائية من التربة، ما يكّون سنابل مليئة بالمحصول، ويزداد عددها وحجمها خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية. أما تلك التي تعرضت لفترة انحسار أمطار طويلة سببت اصفرار وجفاف هذه المحاصيل، فلن تكون هناك جدوى من الأمطار على العكس تمامًا، فإذا كانت هناك سنابل جاهزة سيكون الأثر سلبيًا، وقد تصاب بالأمراض الفطرية.
أما الشجيرات الرعوية فينطبق عليها القول المأثور «شتوة نيسان تحيي الإنسان» إذ أن هناك فرصة لإطالة عمر الربيع خاصة بعد فترة الانحباس المطري، وسيكون هناك نموٌ جديدٌ يطيل من عمر الربيع مما ينعكس إيجابيا على مربي الثروة الحيوانية، وفي مثل هذا الوقت يكون عقد الثمار قد تم، وبالتالي ستستفيد جميع الأشجار المثمرة من امتصاص المواد الغذائية، ويحسن نوعية الإنتاج، في حين ستكون الأمطار بالنسبة للأشجار الحرجية ايجابية لزيادة النمو الخضري."
هذه الغيوم الفلسطينية ليست في كوانين بل أواسط نيسان
أمثال
تقول منال يوسف: نسمع أجدادنا يرددون مطرة نيسان بتحيي السكة والفدان أو بتحيي الأرض والإنسان، لأن المطر فيه ينظف الجو من الحشرات الطائرة والزاحفة، والضارة بالبيئة والمزروعات.
وتنقل عن مواقع التواصل الاجتماعي ما سمعته من أمثال:" إن أخصبت وراها نيسان وإن أمحلت وراها نيسان،" "ونيسان بلا شتا مثل العروس بلا حلا "، و" بنيسان بيدوب الثلج وببان المرج "، "بنيسان أول النهار وحل وتاليه محل "، و"في نيسان اطفي نارك وافتح شبابيك دارك". و"بنيسان بتصير الدنيا عروس والناس بتخفف الملبوس"، و" بنيسان بتزهر البساتين وبتحلا السيارين " ، "وإن أجا نيسان حضروا له الفنجان "، " و" بنيسان بيدفى كل إنسان "، و"سقعة السبل بتهد الجبل " و"هوا نيسان بيشقق القمصان".
آراء ملونة
تحمل إجابات أخرى خليطًا من الآراء والتعبيرات، ومنها:" "سمعت أن لمطر نيسان العديد من الفوائد والأضرار معاً"، " احترنا ماذا نلبس"، " نيسان شهر التغير الفجائي في الأجواء"، "الانتقال من جو حار إلى بارد سيسبب المتاعب للذين تخلوا عن الملابس الدافئة، وستنتشر الأنفلونزا"، "يسبب مطر نيسان العفن للقمح إذا كان ناضجًا، وإذا هبطت النباتات على الأرض فستتعفن أيضًا"، " أول مرة نسمع من الأرصاد الجوية تحذيرات من السيول خلال التوقيت الصيفي".
وأيضاً من الاجابات: "الجو متقلب"، "زارع القمح يفرح، وصاحب المواشي يفرح، والطلاب مش فارقة معهم، والأجداد يشعرون بالسعادة من عودة الشتاء"، " رأينا خلال نيسان الصيف والربيع والخريف والشتاء"، " عاد الناس إلى مواقع الأرصاد الجوية بعد أن هجروها بعض الوقت"، "أيام نيسان رائعة هذا العام بمطرها"، " قال لي أبي المطر نعمة، لكنه قد يؤثر على الخضروات"،" قالت لي جدتي إن شتوة نيسان تحيي السكة والفدان"، "عشنا أيامنا نادرة في نيسان هذا العام"، " أغرب شيء توقيت المطر، مع أن جدي قال إن أنها أمطرت في أيار وحزيران في السنوات الماضية".
نختتم النقاش، وتبدأ جولة مطر غزيرة وجديدة، وأنقل للطلبة بعضًا من سيرة نيسان التاريخية، فهو حمل وفق معطيات تاريخية الشتاء يوم 9 نيسان 1875، مثلما شهد منتصف الشهر الرابع عام 1998 موجة صقيع حادة ألحقت أضراراً فادحة بالمزروعات الصيفية في جو نادر الحدوث.
بعد أيام أنقل لطلبتي عبر البريد رسالة فيها توقعات بمنخفض جوي جديد في الأسبوع الأخير من نيسان...
aabdkh@yahoo.com