رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تشكل الدواجن عنصراً هاما من عناصر المائدة الفلسطينية، ولا يستطيع احد الاستغناء عنها بل وتعتبر في الوقت ذاته بديلا عن اللحوم الحمراء في ظل ارتفاع أسعارها وعدم قدرة الكثير من العائلات الفلسطينية على شرائها.
فبحسب المعطيات الصادرة عن وزارة الزراعة الفلسطينية في نهاية عام 2013، فان استهلاك الضفة الغربية من اللحوم البيضاء ( الدواجن ) هو 40 مليون طير سنويا، أي بمعدل أكثر من 3 مليون طير شهريا، وهذا مؤشر على أهمية تلك السلعة الحيوانية بالنسبة للمائدة الفلسطينية.
لكن بالتوازي مع ذلك، قد تشكل تلك الدواجن مصدراً لأمراض خطيرة، أو حتى سبباً في فقدان المناعة لدى الاطفال بسبب الاستهتار في إعطاء الأدوية والطعومات للدواجن من قبل الكثير من المزارعين، الذين لا ينظرون سوى للربح الوفير على حساب صحة الاطفال.
أدوية تعطى بشكل غير مدروس
فمنذ اليوم الاول في تربية قطيع الدواجن مرورا بالمراحل المختلفة من النمو والتربية، يعتمد عدد كبير من المزارعين على خبراتهم الشخصية في إعطاء الأدوية والمضادات الحيوية المختلفة للدواجن للحفاظ على قطيعهم وزيادة الربح ولتجنب الخسارة المحدقة – بحسب معتقداتهم - في ظل عدم وجود تأمين زراعي يحميهم من الخسارة، ما يشكل تهديداً حقيقياً على حياة المستهلك في ظل عدم مراعاة فترة الآمان وهي الفترة التي تعطى للدواجن للتخلص من متبقيات الأدوية من جسمها، سواء عن طريق الدم أو البول قبل الذبح، حيث تجد تلك المضادات الحيوية طريقها الى جسم الإنسان، ومن هنا تبدأ المشكلة.
ومما لاشك فيه، أن هناك ما يوصف بعدم الوعي والاستخدام الخاطئ لتلك الأدوية، سواء أكان من حيث عدم التوازن في الكمية التي يسمح بإعطائها للدواجن أو من خلال الوقت المحدد لإعطاء تلك المضادات.
ولكن في ظل تلك المعطيات السابقة الذكر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، الى أي حد تتابع الجهات الرقابية المختصة ما يجري في مزارع الدواجن من عشوائية؟ وهل يتابعون عملية (ما بعد ذبح الدواجن) للتأكد من تطابقها مع المواصفات البيطرية والشروط الصحية الملزمة؟
أدوية بيطرية تباع عشوائيا في الأسواق الفلسطينية
غياب الرقابة الفاعلة
وحول دور الرقابة من قبل جهات الاختصاص على إعطاء الأدوية والمضادات الحيوية من قبل المزارعين، اكد الدكتور عماد مكركر مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة على أن هناك ضعفاً حقيقياً في الرقابة على إعطاء العلاجات للدواجن، فمن المفترض عدم إعطاء تلك المواد إلا من خلال إشراف بيطري مباشر كما اكد الدكتور المكركر، إلا أن الواقع غير ذلك، حيث تعطى الكثير من المضادات بشكل عشوائي وغير منظم وباجتهاد ذاتي من قبل المزارع نفسه دون الرجوع الى جهات الاختصاص لطلب المشورة العلمية أو وصفة علاجية حول تلك الأدوية مثل (التيتراسايكلين) و( فوسفاك) و(كولستين) والتي تعطى بغية إعطاء مناعة ضد الأمراض التي تصيب الدواجن مثل النيوكسل والجمبورو والتهاب السره.
وعزا الدكتور المكركر وجود تلك المعضلة كون السلطة الفلسطينية لا تسيطر بشكل فعلي على مناطق كثيرة في الضفة الغربية وخاصة الأغوار الفلسطينية، عدا عن أن الاحتلال يتحكم بالمعابر بين الضفة الغربية والمحيط الدولي.
ولكن على ارض الواقع وخلال تجول كاميرا " أفاق البيئة والتنمية" في أسواق عدد من المدن الفلسطينية، لوحظ بيع تلك المضادات الحيوية والأدوية بشكل مباشر للمزارع دون الرجوع الى وصفة طبية من قبل طبيب بيطري مختص.
من جهته اكد الدكتور وائل القيسي من مركز البحوث الزراعية في وزارة الزراعة " بأن الأدوية البيطرية باتت تعطى من كل جنب وطرف وباستهتار كبير من قبل عدد كبير من المزارعين أنفسهم، فقد تعطى بعض المضادات الحيوية بعد عمر 30 يوماً للدواجن ثم يرافق ذلك انتعاش في السوق مما يدفع المزارع لبيع الدواجن مباشرة دون مراعاة فترة الآمان للأدوية، فتجد تلك المواد طريقها الى جسم الإنسان لتكون النتيجة كارثية على جهاز المناعة في الإنسان، عبر إعطاء مناعة في جسم الإنسان ضد بعض الأدوية البشرية ما يفاقم من انتشار الأمراض المختلفة، فبعض الأدوية التي تعطى للدواجن مثل " التتراساكلين" تشكل خطراً على صحة الاطفال دون 16 عاماً.
ضعف الرقابة بعد الذبح...
من جهة أخرى، اكد المهندس جابر العمور رئيس قسم جودة المنتج الزراعي في وزارة الزراعة، الى أنه من أجل التأكد من سلامة المنتج الغذائي يجب فحص المتبقيات في جسم الدواجن، والتي تتم وفق آلية خاصة من خلال المختبرات المركزية في وزارة الصحة أو من خلال مختبر البيطرة العام في العروب.
وأشار المهندس العمور الى وجود جهاز التحليل الكروماتوغرافي السائل ( HPLC ) لفحص المتبقيات، لكن للأسف الشديد – كما يقول العمور- الجهاز المتوفر في وزارة الزراعة هو قديم، عدا عن عدم توفر مواد كيميائية أساسية تستخدم في فحص المتبقيات.
وحول نفس الموضوع عقب الدكتور وائل القيسي الى وجود فجوة حقيقية ما بين المزارع الفلسطيني نفسه وما بين دوائر البيطرة، حيث تدعو الأخيرة المزارعين الى ضرورة اخذ عينات من الدواجن بعد ذبحها ونقلها الى دوائر البيطرة والتي تقوم بدورها بإرسالها الى مختبر البيطري في العروب لفحصها للتأكد من مطابقتها للشروط الصحية، لكن على ارض الواقع لا يتم إرسال العينات بسبب أن المزارع يبحث عن ابسط الطرق وبشكل فردي، وبالتالي لا يكلف نفسه عناء إرسال العينات الى الدوائر البيطرية.
أدوية بيطرية تباع في الأسواق الفلسطينية دون رقابة أو تقارير طبية
اكثر من نصف مزارع الدواجن غير مرخصة
في ظل كل تلك المعطيات الأخيرة، يعقب المهندس "حمد الله حمد الله" رئيس الترخيص في وزارة الزراعة، الى عدم وجود تكاملية في الرقابة على سوق الدواجن على ارض الواقع، فهناك 2989 مزرعة دواجن في الضفة الغربية لعام 2013 منها 1138 مزرعة مرخصة بحسب معطيات وزارة الزراعة الفلسطينية، أي أن أكثر من نصف المزارع غير مرخصة.
وشدد المهندس حمد الله على ضرورة تضافر الجهود من قبل كافة الجهات الرسمية في الرقابة على الأسواق وخاصة محلات بيع الدواجن التي تقوم بذبح الدواجن خارج المسالخ، بسبب كونها لا تخضع فعلياً الى رقابة حول طريقة الذبح أو حتى تسويق المنتج الغذائي.
ومن هنا، بات من الملزم علينا وضع الخطط والبرامج لحماية اسواقنا ومنتجنا الغذائي، وعدم جعله رهينة بيد مجموعة من الافراد لا يهمهم سوى الربح فقط، على حساب صحة الانسان.