خاص بآفاق البيئة والتنمية
يشتكي الشاب (م.ز) البالغ 31 عاما، من بلدة بيتا جنوب نابلس، من روائح كريهة وحشرات في منزله، بسبب وجود مزرعة للدواجن مجاورة له، لا تبعد سوى امتار بسيطة. مضيفا "حياتنا أصبحت جحيما لا يطاق، لا نستطيع فتح نوافذ بيتنا لا في الصيف ولا في الشتاء، الروائح تحاصرنا من كل المكان، ولم يقتصر الامر على الروائح، فالحشرات باتت تداهمنا خصوصا في فصل الصيف، ولا يعقل ان يقوم جارنا بتربية الدواجن في الطابق الارضي لمنزله، دون الاكتراث بوجود سكان في المكان".
وأضاف أن طفله الرضيع البالغ ثمانية شهور، ظهرت على وجهه حبوب قال الاطباء ان اسبابها وجود حيوانات في مكان قريب، ليتبين أن فيروسات من مخلفات الدواجن هي السبب في ذلك". وتابع بالقول: "البلدية لديها علم بالموضوع، وكانت قد اصدرت تعميما بمنع تربية الحيوانات بين التجمعات السكانية، لكن دون اي التزام".
البلدية: لا بدائل
من ناحيته، يقول رئيس بلدية بيتا واصف خضير، ان بلديته تتابع مثل هذه القضايا في حال وجود شكاوى مسجلة لديها، مؤكدا علمه بوجود مثل هذه المزارع بين التجمعات السكانية، لكنه قال "لا نستطيع اتخاذ اي اجراء الا اذا وردتنا شكوى، حينها نقوم بابلاغ وزارات الصحة، وسلطة جودة البيئة وغيرها من الجهات المختصة، لكن دون شكوى لا نتخذ اي اجراء". واضاف " حتى في الحالات التي نريد فيها اتخاذ اجراءات ضد اي مخالف يجب توفير البديل الذي هو في الغالب غير موجود، بسبب عدم تخصيص اراض للزراعة وتربية الحيوانات".
وتنتشر ظاهرة تربية الدواجن والمواشي في الاراضي الفلسطينية منذ القدم، باعتبارها جزءًا من النظام الاجتماعي والاقتصادي للعائلات خصوصا في الأرياف. لذلك يبدو من الصعب إعادة تنظيم هذا النوع من التربية، في ظل انعدام البدائل وتداخل الصلاحيات بين مختلف الوزارات، خصوصا اذا ما أراد المزارع الحصول على ترخيص لمزرعته.
الزراعة: صلاحياتنا داخل المخططات الهيكلية
بدورها تؤكد وزارة الزراعة أن صلاحيتها بخصوص تربية الدواجن والمواشي تقتصر على الاماكن الواقعة خارج المخططات الهيكلية، أما داخل هذه المخططات فهي من مسؤولية البلديات. وقالت مديرة دائرة الدواجن في الادارة العامة للإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة ريم مصطفى "صدر قرار من مجلس الوزراء عام 2000 يمنع انشاء المزارع داخل المخططات الهيكلية، ويجب اخراجها من هذه المخططات، بحيث تبعد عن التجمعات السكانية بما لا يقل عن 500 متر. المسؤولية هنا تقع على عاتق البلديات التي يجب عليها اخراج المزارع من بين السكان وتوفير البديل للمزارعين".
واضافت مصطفى " نحن لا نمنح التراخيص للمزارعين المخالفين، لكن محدودية الاراضي، تدفعنا الى عدم التشدد في هذا الجانب، فنحن بين نارين: نريد تشجيع المزارعين ليكون لهم مصادر دخل، وفي المقابل لا نريد الاضرار بالبيئة والصحة العامة".
تربية الدواجن بين المنازل
تداخل وتعدد وتضارب في الصلاحيات
يرى الطبيب البيطري في وزارة الزراعة عارف شومان أن موضوع تربية الدواجن والمواشي بين تجمعات السكان مشكلة عالقة منذ سنوات، محذرا من المخاطر المترتبة على هذا الامر. وتابع "اذا لم يتم اتباع شروط الصحة والسلامة، فإن مخلفات هذه الحيوانات تسبب بعض الامراض وتكون بيئة خصبة لانفلونزا الطيور بالنسبة لمزارع الدواجن تحديدا، وقد تسبب ايضا مرضا يسمى (سالمونيلا)، وهو مرض بكتيري معدٍ يسبب المغص والاسهال والتسمم في بعض الحالات، وكلما كان الانسان قريبا من اماكن التربية يكون اكثر عرضة للاصابة، واذا حدث اي مرض تكون الاخطار اكبر، ويصعب عمل حجر على الحيوانات او الدواجن المصابة".
ويؤكد شومان ان التأثيرات والأضرار لمزارع الدواجن والمواشي تبقى غير مباشرة، لكن الامر يؤدي الى الازعاج، من خلال الروائح، والى حدوث امراض في بعض الحالات من خلال الحشرات التي تكون ناقلة للامراض. اما الضرر الاكبر فينتج عن مزارع الابقار حيث ان الرائحة تكون مؤثرة بشكل اكبر، وتؤدي مخلفاتها الى انبعاث غازات ملوثة للبيئة، كالميثان والايثان، وهي ايضا مضرة بالصحة خصوصا لمرضى الربو والحساسية.
ومن وجهة نظر الطبيب البيطري عارف شومان، تكمن المشكلة في استمرار هذه الفوضى، بسبب عدم وجود خطة استراتيجية على اساس علمي تنظم قطاع تربية الدواجن والمواشي. حيث تداخل الصلاحيات وتعددها وتضاربها بين الوزارات والجهات المعنية، يدفع المزارعين الى انشاء مزارع للتربية غير مطابقة للشروط الصحية والبيئية.
الصحة: اضرار بيئية وصحية والقانون عاجز
وزارة الصحة من طرفها، حذرت على لسان مدير دائرة الصحة ابراهيم عطية، من ان استمرار الوضع الحالي يؤدي الى اضرار صحية، خصوصا في حالات انتشار فيروسات مثل انفلونزا الطيور، حيث يصبح من الصعب السيطرة على الفيروس في حالات المزارع العشوائية. واضاف "لدينا الاف القضايا في المحاكم في هذا الجانب، وللأسف لا يوجد حل، القضاء يحكم بوجود مخالفات لكن دون قرارات بإزالة هذه المزارع، وحتى ان حكم بذلك فلا يوجد تنفيذ، والغريب في الامر، ان حجم المخالفة قليل جدا ولا يتعدى العشرين دينارا، وهذه الامر يشجع الاخرين على مثل هذه الافعال... في الحقيقة لا يوجد حلّ فعلي للموضوع".
وعن الأضرار، قال عطية، ان "الخطر الاكبر هو انفلونزا الطيور، كل التجمع السكاني المحيط معرض للاصابة، ناهيك عن انتشار الاوساخ والحشرات والقوارض والكلاب، بالاضافة الى بعض الاضرار البيئية، حيث أرجعها المزارع الى انسداد بعض المجاري المائية خصوصا اذا كانت هذه المزارع مقامة في المناطق المنخفضة، وقد يصل التلوث البكتيري للمياه الجوفية بسبب روث الدواجن والاغنام والابقار".
حظيرة دواجن بين المنازل
جزء أساسي من الاقتصاد الفلسطيني
يوجد في الضفة الغربية قرابة 34 مليون طير من الدجاج اللاحم وفقا لآخر احصائية متوفرة لدى وزارة الزراعة في عام 2014، موزعة على 2439 مزرعة، علما ان نصف هذه المزارع غير مرخصة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية. وتوجد 342 مزرعة للدجاج البياض و82 مزرعة لتربية الحبش.
وبالنسبة لقطاع المواشي، يوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة 666489 رأس ضأن، و268156 رأس ماعز، اضافة لـ 42389 رأسا من الابقار والعجول.
وتشكل الثروة الحيوانية الجزء الرئيسي في القطاع الزراعي، وتبلغ ما يقـارب 35% مـن الانتاج الزراعي. ويعيل قطاع الثروة الحيوانية مئات الالوف من الناس في فلسطين. ويساهم قطاع الدواجن بـ 40-50% من إنتاج الثروة الحيوانية، و12-15% من الانتاج الزراعي. وبناء على ذلك، فإن قطاع إنتاج الدواجن يمثل جزءًا كبيراً وحيويًا من الاقتصاد الفلسطيني.
ولقد لعب التقدم العلمي دوراً كبيراً في تطور مختلف فروع صناعة الدواجن. وتعد تربية الدجاج اللاحم (التسمين) من أهم هذه الفروع؛ إذ أمكن -على سبيل المثال- خفض مدة التسمين، والوصول إلى أوزان أعلى في مدة زمنية أقل مما كانت عليه سابقاً. ويعزى ذلك إلى تطور علوم الوراثة، واستنباط سلالات جديدة.