خاص بآفاق البيئة والتنمية

كان رئيس الجمعية العالمية لـماستر شيف بلاد الشام، سامر أبو جمعة منهمكًا في متابعة 50 طاهيًا تنافسوا في مهرجان تذوق الطبق الفلسطيني الأول، الذي استضافته جنين مؤخرًا.
يقول: يتعرض كل شيء لنهب الاحتلال، ولم تسلم أطباقنا من ذلك، وقد أدخلوها في مسابقات دولية باسم "إسرائيل"، واليوم نجتمع للتعريف بمأكولاتنا الشعبية والتراثية، ولمنح المتسابقين فرصة لإظهار مهاراتهم في أطباقنا.
وتنازعت أوسمة وميداليات دولية عديدة على إظهار نفسها على صدر أبو جمعة، فيما كانت الجولة الأولى تدور بين خمسة متبارين: أسماء عبد الحق، وصفاء أبو سنينة، وسميرة شلبية، ولؤي عبيد، وطارق عودة.

سميرة شلبية أثناء إعدادها طبق الرمانية المكون من العدس والباذنجان والرمان والطحينة والليمون
رشتة ورُمّانية
وتابع أبو جمعة المولود في القدس عام 1978: حضر المسخن الفلسطيني بقوة، وعرّفنا الجمهور بـ"الرشتة والعدسة" الطبق الذي يكاد لا يعرفه الجيل الصاعد، وقدمنا الرُمانية الوجبة التراثية التي كانت حاضرة بقوة قبل النكبة، وأتحنا الفرصة لاكتشاف مواهب شابة في إدخال التجديد للأطباق التقليدية، وشاهدنا حضور أطباق وحلويات غربية.
وتأسست الجمعية المنظمة عام 2017، وتضم اليوم 250 طاهيًا من مختلف المحافظات، وتستعد للنسخة الثانية من مهرجان التذوق في الخليل الخريف القادم.
وبدأ أبو جمعة في طهي الأطباق الفلسطينية عام 1994، وأعدَّ المنسف والمقلوبة وورق العنب في منافسات دولية، ويُخصص اليوم جزءًا كبيرًا من وقته لتأهيل الطهاة وإعدادهم للبطولات العالمية، والتعريف بالأطباق الوطنية التي نسبتها إسرائيل لنفسها.
وتحمل سميرة شلبية اسم جدتها لأبيها، ولا تغادر ذاكرتها وهي تحضر طبق الرُمّانية قصص جدتها، التي قالت إن أهالي اللد اقتلعوا من مدينتهم عام 1948 قبل موسم الرمان، لكنهم أصروا على الاحتفاظ بإعداد الوجبة المكونة من العدس والباذنجان والرمان والطحينة والليمون.

سامر أبو جمعة رئيس الجمعية العالمية لماستر شيف بلاد الشام
وقالت الحفيدة سميرة: "نقيم في عمان، وأقدّم منذ 8 سنوات أطباقًا عديدة، وعلمتني جدتي أصول أطباق اللد: الكشك، و"البصارة" وهي الفول المجروش والملوخية الجافة، ويقال أنها فرعونية الأصل.
وتابعت: الرُمّانية غنية بالعناصر الغذائية، وهي بديل عن اللحوم، وإعدادها بسيط وسريع، وفي غير مواسم الرمان يمكن إضافة الليمون والتمر الهندي، والأهم أنها من رائحة الوطن.
وأضاف شلبية: سأعلم بناتي في المستقبل أطباق اللد، التي ستُذّكر بأرضنا، وسنضع لمساتنا على الأطعمة التقليدية، وسنبتعد عن الأطباق العالمية الفقيرة بعناصرها، والتي لا تناسب صحتنا وبيئتنا.

الحكام في مهرجان تذوق الطبق الفلسطيني الأول بمدينة جنين
وجبات خطرة
ورأى مسوؤل منطقة الشمال في الجمعية العالمية بشار أبو حسين، الذي يعمل منذ 17 عامًا في الطهي، بأن المنافسة قدمت لائحة بالعديد من الأطباق المحلية، التي تتعرض للتراجع، ولم تعد الأسر الفلسطينية تتعامل معها، وأصبحت الوجبات السريعة والغربية تحل مكانها.
واستطرد: يكفي فقط أننا عرفنا الجمهور بطبق مثل "الرمانية"، وهي رسالة للعائلة الفلسطينية حتى تعود إلى مطبخنا التقليدي، الصحي والبيئي، والذي يتشكل من مكونات محلية تتوفر في كل بيت، وتنتجها أرضنا الطيبة.
وتشكلت لجنة التحكيم من الشيف عودة أبو الهوى، ويحيى الهيب، وريم جبور، ومحمد الجعبة، وواصف فريحات، وفراس الوزني.
وسرد مدير العلاقات العامة في الجمعية رائد عطير: لا يقل حفاظنا على الطبق الفلسطيني في أهميته عن التصدي للاستيطان، فالاحتلال يسعى لتدمير الخان الأحمر وطمس معالمه، ويلتف على وجبات أجدادنا، ويقدمها في طائراته على أنها إسرائيلية.
وقال عطير: نقيم المهرجان الأول في جنين سلة الغذاء الفلسطينية، وحارسة مرج ابن عامر، والشهيرة بخضرواتها، ونقدم للأجيال الشابة فرصة العودة إلى تراث الأجداد الصحي، والتخلي عن نمط الأغذية السريعة الحافلة بالعيوب.
وأسهب: "حرصنا في اسم جمعيتنا على بلاد الشام، وهي أرض كنعان التي لا تعترف بالتقسيمات السياسية والحدود، وتعيد فلسطين إلى عمقها العربي."

المسخن الفلسطيني في مهرجان تذوق الطبق الفلسطيني الأول
تقليد وتجديد
وسابقت ولاء أبو صالحة الزمن وهي تعد طبق المسخن، وقالت: أدخلت بعض التحسينات على طبق جداتنا، ولكن دون أن أمس بعناصره الأساسية، وأضفت الفستق الحلبي بدل اللوز، وقدمت مزيجًا من النعناع واللبن والثوم.
وأضافت: أعددت المسخن أول مرة قبل 30 عامًا، وأعتقد أن سبب ابتعاد الجيل الجديد عن وجباته التراثية الاستسهال، وطبيعة الحياة، ولكن علينا أن ننشر الآثار السلبية للطعام السريع، ونروج لطبقنا التقليدي الذي كان سائداً.
وقدم الشيف عبد المعز خريس، مخشي اللبن بالبندورة، وقال: الطبق التقليدي لا يحمل أي ضرر صحي، والكوسا والبندورة والبصل وحتى الصنوبر والنعناع كلها تنتج من أرضنا، وكانت الوجبات التراثية الغذاء المحبب للأجداد.
ومضى: "بوسعنا تشجيع العودة إلى أطعمتنا الصحية والبيئية، ويمكن أن نعرّف بها في وسائل الإعلام وفي المهرجانات، ونذكر بأنها لا تحمل أي أضرار."

طاه متنافس في مهرجان تذوق الطبق الفلسطيني الأول
في ميدان منافسة ثانٍ كانت رائحة الطعام الشرقي تتداخل مع رائحة الكنافة النابلسية، وقدم الشيف وائل أبو حامد منزلة باذنجان، وهي مزيج من البندورة والباذنجان والتوابل. وقال: أضفت اللحمة كنوع من التجديد، وأنا مقتنع بأن وجباتنا التراثية صديقة أكثر لصحتنا.
والتجديد نفسه هو النمط الذي اختاره الشيف محمد دويك، وفيه ابتكر وجبة اسماها "فلسطينية بالزعتر"، واستحدث طبقا بألوان العلم الوطني. وقال: استوحيت الأحمر من البندورة، والأخضر من النعناع والجرجير، والأبيض من البصل، والأسود من الزيتون البلدي. وهي وجبة تعرّف بغذائنا الصحي، وتبتعد عن اللحوم والشحوم، التي صارت تتدخل في معظم أطباقنا.
وقال رئيس لجنة التحكيم عودة أبو الهوى: "أوصل مهرجاننا رسالة إلى العالم بقدرتنا على التجديد، وأظهر غنى المطبخ الفلسطيني". وأكمل وهو يتذوق طبق الرمانية: نُعرف في كل المنافسات الدولية بالحمص وورق العنب والتبولة والمقلوبة والمفتول والمسخن، وغيرها، لكننا نشجع الطهاة الجدد على الابتكار.

طاهية متنافسة في مهرجان تذوق الطبق الفلسطيني الأول
صمود وعالمية
في رصيد أبو الهوى 184 ميدالية و60 درعًا، و48 سنة من العمل في الطهي، وهو حكم دولي، ومدرب على المطبخ الفلسطيني في إيطاليا ورومانيا. واختتم: الطبق الفلسطيني مهم جدًا، وعلينا الوصول إلى العالمية والاحتفاظ بتقديم غذاء صحي.
وقال ممثل محافظ جنين أحمد القسام، أن المسابقة تساهم في الحفاظ على تراثنا ومأكولاتنا الشعبية، وتؤكد فخرنا بتراثنا، وتعني النضال والمقاومة ضد الاحتلال بكل الوسائل.
وأعلن فراس الوزني من جمعية ماستر شيف فوز الشيف نبيل أبو صبحة بالمركز الأول وكأس المهرجان والميدالية الذهبية، وحلت الشيف رولا عبد الحق في المركز الثاني بالميدالية الفضية، وجاء ممدوح عبد الحق ثالثًا وتوج بالبرونزية.
واختتم المهرجان بكلمة لمساعد المحافظ منصور السعدي، قال فيها أن الأطباق الفلسطينية فرصة لتجديد تمسكنا بأرضنا وتراثنا وهويتنا، وحيّا رئيس الجمعية سامر أبو جمعة، الذي هدم الاحتلال منزله في القدس ثلاث مرات، وظل صامدًا متمسكًا بأرضه، ويدافع اليوم عن أطباقنا التراثية.

من الترث الغذائي الشعبي بمهرجان تذوق الطبق الفلسطيني
aabdkh@yahoo.com