خاص بآفاق البيئة والتنمية
في وقت مبكر من الحديث عن الانتخابات المحلية، انحاز الكاتب إلى تشكيل قائمة نسوية كاملة، إذ لم ترق له معادلة الالتزام الحديدي بالحد الأدنى لـ"الكوتا"، فقرر المساهمة في تغييرها، ولم تعد صيغة 2 من السيدات مقابل 9 رجال في المجلس البلدي قدرًا ولا مسألة مقبولة. نقل الفكرة إلى ناشطات نسويات، وبدأ معهن التحضير لاجتماع لاقتراح الفكرة في مجالس ضيقة. تواصلوا مع عشرات النساء ووجدوا قبولًا واستغرابًا ورفضًا، فلم ييأسوا وكرروا طرح المبادرة على أسماء جديدة. كانت العقبات الرئيسة إما بقبول الأزواج والأبناء والإخوة للفكرة ورفض النساء أنفسهن، أو العكس، وهو موقف تقدمي نقدّره لرجال حاولوا إقناع زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم للترشح، ولم ينصاعوا للضغوط العائلية.
|
|
مؤتمر اطلاق قائمة قادرات |
أسستُ وعملت في برقين بلدتي اللصيقة بجنين، أمضيتُ 22 شهرًا في مبادرات تطوعية: مئوية مدرستها الثانوية، و"رئة" برقين الخاصة بمساعدة مصابي فيروس كورونا، وساعة تطوع.
ولمست في التجارب الثلاث إصرارًا والتفافًا نسويًا، كانت ماجدات برقين في المقدمة، كما عملن بجوار الرجال، وضمت الهيئة الإدارية للمبادرة الأم (المئوية) خمس سيدات من بين أصل 15 عضوًا، وكانت النساء الأكثر التزامًا بالمواعيد.
في وقت مبكر من الحديث عن الانتخابات المحلية، انحزتُ إلى تشكيل قائمة نسوية كاملة، لم ترق لي معادلة الالتزام الحديدي بالحد الأدنى لـ"الكوتا"، وقررت المساهمة في تغييرها، ولم تعد صيغة 2 من السيدات مقابل 9 رجال في المجلس البلدي قدرًا ولا مسألة مقبولة.
نقلت الفكرة إلى ناشطات نسويات، وبدأنا نُحضّر لاجتماع لاقتراح الفكرة في مجالس ضيقة، تواصلنا مع عشرات النساء ووجدنا قبولًا واستغرابًا ورفضًا، لم نيأس وكررنا طرح المبادرة على أسماء جديدة.
كانت العقبات الرئيسة إما بقبول الأزواج والأبناء والإخوة للفكرة ورفض النساء أنفسهن، أو العكس، وهو موقف تقدمي نقدّره لرجال حاولوا إقناع زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم للترشح، ولم ينصاعوا للضغوط العائلية.
اعضاء القائمة النسائية
18 تعديلاً
نقحّنا 18 قائمة حتى وصلنا إلى قائمة التسجيل الرسمي. كنا القائمة الأولى التي تصل إلى مقر لجنة الانتخابات، لكن ضغوطًا عائلية دفعتنا في اللحظة الأخيرة إلى سحب الطلب وإعادة تسجيله ليلة إقفال الترشح، فحصلنا على الرقم (6) لنتنافس مع 5 قوائم تقليدية.
كان الخبر السار اعتماد لجنة الانتخابات المركزية في كشفها الأولي (قادرات) التي تتشكل من ثماني سيدات؛ لخوض السباق الانتخابي في بلدتنا، وهي تجربة فريدة.
قلنا إن "قادرات" تعزز الشراكة بين النساء والرجال، وتسعى لتغيير التركيبة التقليدية للهيئات المحلية، التي لا تخرج عن الالتزام التام بـ "كوتا" المرأة بحدودها الدنيا، وهي حصة لا تراعي دور المرأة وقدراتها ومكانتها وتميزها في معظم الحقول.
وأعلنا أن برنامج القائمة سيكون مغايرًا، وأطلقنا نداءً إلى معارضي تشكيل القوائم النسوية إلى احترام الرأي الآخر، والتفريق بين النقد والتجريح والتشهير، وهي جرائم يُعاقب عليها قانونا "الانتخابات والجرائم الإلكترونية".
في اليوم التالي للإعلان عن القائمة، تلقينا عشرات الرسائل والاتصالات المساندة للمبادرة من مؤسسات إعلامية وحقوقية ونسوية، ونشرتُ فكرة القائمة في إذاعات ومواقع إخبارية.
بطبيعة الحال كانت هناك بعض الردود السلبية التي ترفض الفكرة لمجرد الرفض، وقد قابلناها بالتأكيد على الحق الطبيعي في قبول "قادرات" أو رفضها، لكن علينا الالتزام بأخلاقيات الاختلاف، وأصولها.
برنامج قادرات
قبول ورفض
يكفي القول إن "قادرات" اللائي سنقبلهن أو نرفضهن هن أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، وحارسات نارنا الدائمة، ولا تسعى القائمة إلا لتغيير المعادلة الظالمة للكوتا بحدها الأدنى، التي تفرض وجود مقعدين نسويين و9 للرجال في هيئة من 11 مقعدًا.
قلنا على الملأ "إن من يرفض وجود فكرة "قادرات" عليه أيضًا أن يرفض أن تُعلّمه أو تُعلّم أولاده وبناته سيدة مبدعة في المدرسة والجامعة، أو تُقدم له ولزوجته "طبيبة بارعة" العلاج، أو تُدافع عنه محامية متمكنة، أو تُخطط لبيته مهندسة فنانة!
خضنا نقاشات وحوارات مع معارضين للقائمة، لكنهم عجزوا عن الرد على أسئلة عديدة، وحاولوا تفسير الدين والقانون والمنطق وفقًا لمصالحهم.
افتخرت بصفتي وكيلًا للقائمة، ولم ألتفت إلى كل الأصوات التي هاجمت الفكرة لمجرد الهجوم، واعتبرت نجاح تسجيلها بوابة لتكريم أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا، فهن لسن ديكورًا، وقادرات فعلًا على الشراكة في البناء والحياة العامة وصنع القرار، وقد أثبتن طول باعهن في النضال.
وعزمت "قادرات" على اتباع نهج مفاده إنهاء أي تدخل خارجي في إدارة المجلس البلدي وعمله، فالبلدية سيدة قرارها ونفسها، وليست أحجار شطرنج.
ووعدت القائمة الناخبين ألا ينتهي تاريخ صلاحية أصواتكم مساء يوم 11 كانون الأول، بل سيبدأ بعد هذا التاريخ وطوال فترة المجلس. فبلدية لا تفتح كل دفاترها وأوراقها وأبوابها وحساباتها لناخبيها وأهلها لا حاجة للناس بها.
وكانت أول من أطلق الدعاية الانتخابية البيضاء، وهي تخصيص معظم أموال الدعاية الانتخابية للمسؤولية المجتمعية، ودعت كل من استفاد أو سيستفيد من تبرعات "قادرات" ومناصريها ومناصراتها إلى التوقيع على إقرار النزاهة، الذي تضمَّن أنه بوسع من يرغب محاكاة المبادرة في أي مكان فعل ذلك، والتنافس للمصلحة العامة، والكف عن إنتاج دعايات تقليدية تصبح بعد وقت قصير من المهملات يا للأسف.
تغطية قادرات
برقين 2040
واقترحت "قادرات" ملامح مبادرة برقين 2040، التي تستشرف مستقبل برقين بعد 18 عامًا، وتحدد عبر فريق خبراء ومتطوعين ومهندسين ومغتربين ومبادرين احتياجاتها التطويرية والتنموية والعمرانية والخدماتية، وفق أولويات.
وتسعى إلى تخطيط حضري سليم يُراعي بمنهجية علمية تطوير البنية التحتية، والحفاظ على الأراضي الزراعية، وتأخذ في الحسبان الاحتياجات المتزايدة لقطاعات الزراعة، والمياه، والمواصلات، والبناء، والطاقة النظيفة، والصحة، والبيئة، والتعليم، والثقافة، والسياحة، والرياضة، والمرأة، والطفل، والشباب، والدمج الكامل لذوي الاحتياجات الخاصة، والحرص على الموروث الثقافي، والاستعداد للأزمات والطوارئ وخاصة الزلازل وتداعيات الجفاف والتغير المناخي.
وتميزت الخطة بانفتاحها على المجتمع المحلي ليكون شريكًا في تحديد احتياجاته، وسعيها للاستفادة من الخبرات والأيدي العاملة المحلية، وتجنيد الأموال عبر الصناديق العربية والدولية، ووكالات التنمية الدولية، وصندوق تطوير البلديات، والمشاريع التمويلية التي تعلن عنها المؤسسات الأهلية داخل فلسطين، ومساهمات المقتدرين من المغتربين والأهل، والمشاريع الاستثمارية التي يمكن للبلدية استحداثها وتوفيرها.
وبدأت "قادرات" بالتواصل مع المؤسسات، وعرضت الملامح الأولية للمبادرة على كلية هندسة في جامعة عريقة، ونقيبة المهندسين، ومدير معهد السياسات العامة، ورئيس سلطة جودة البيئة، ومؤسسات أخرى، ومغتربين، وكلهم أبدوا إعجابهم واستعدادهم للمساهمة والتطوع والعمل في إخراج خطة المبادرة إلى النور بخبرتهم، كونها أول خطة من هذا القبيل في الوطن.
عضوة في قائمة قادرات تشارك في مناظرة انتخابية
شفافية الخطة
وجاء في خطة "قادرات" لأداء المجلس البلدي "بث وقائع جلسات المجلس عبر صفحة البلدية في فيس بوك (لا أسرار ولا قضايا أمن قومي)، وفتح الباب أمام الراغبين والراغبات بحضور الجلسات (المجلس دون أهلنا لا حاجة لنا به)، ونشر الحركات المالية اليومية للبلدية بكل تفاصيلها، والتوقف عن نشر أخبار العلاقات العامة غير المرتبطة بتنفيذ عمل (مال البلد عام ولا خصوصية فيه، وعبارة "بحث سبل التعاون المشترك" إن لم تؤد إلى نتيجة لا حاجة لنا بها).
وأيضًا ورد في الخطة؛ وقف التشريفات والتفرغ لتنفيذ الصلاحيات الـ 27 (لا وقت للمجاملات على حساب العمل)، وعدم السماح بالتدخلات الحزبية والعائلية في عمل المجلس (المجلس سيد نفسه)، ومنح ملفات المواطنين أرقامًا والتعامل بموجبها دون النظر للأسماء (الأهل سواسية وكلهم كرام).
قائمة قادرات النسائية تقدم مساعدة لإحدى مدارس بلدتهن
رسالة أخيرة
تشرفت قبل الصمت الانتخابي بكتابة رسالة "قادرات" الدعائية الأخيرة، وهي موجهة إلى "رجال برقين" قبل ماجداتها، وجاء فيها:
تعلمون أولًا أن المجلس البلدي خدماتي بامتياز، ويُطبق 27 صلاحية وفق قانون واضح، وهي صلاحيات يشرف عليها المجلس، ولا ينفذها الرئيس والأعضاء بأيديهم، إنهم يُخططون، ويسهرون، ويقررون، ويقطعون على أنفسهم عهدًا لخدمة بلدهم، وهذه صفات لا تحتاج إلى عضلات أو شعر في الوجه، بل إلى عقل وحكمة ومسؤولية وأمانة وإخلاص، وهي صفات تسكن سيدات أرواحنا أيضًا.
حينما أسمع كلمة "قادرات" أو أشاهد شعارها الممهور بألوان فلسطين والحصاد والزيتون أتذكر وجه أمي وكل سيدات قلوبنا وأرواحنا، فهن اللائي حملنّنا وهنًا على وهن، وسهرنَّ لننام، وتعبن لنرتاح، وجعن لنشبع، وآثرن لنرضى.
أتألم كلما قرأتُ ردًا ينتقص من المرأة، ويهدد مكانتها ليس لأنه يرتبط بدعاية انتخابية، أو بتقليل حظوظ الفوز أو زيادتها لــ "قائمة ناعمة"، بل لأنه يتنكر للأمهات ورفيقات الدرب والأخوات وفلذات الأكباد.
هؤلاء؛ ببساطة حال لسانهم يقول لأمهاتنا "لا نثق بكن، وأنتن لستن أهلًا للشراكة في إدارة شؤون بلدتنا"، وربما تعلو أصوات أكثر نقمة، تدّعي أن مكان المرأة مطبخها ومخدعها فقط!
سنذهب صباح السبت للانتخابات، وسأحرص على أن أكون أول من يضع إشارة (إكس) قبل الرقم (6)، في تمام السابعة. سأشعر وقتها بأنني أرد قسطًا صغيرًا جدًا من جميل أمي، وأخبرها بأنها وكل نساء الأرض يُحاربن في هذا الصندوق من أناس أمضوا تسعة شهور في أحشائهن، والحجة أننا نحن الرجال أكثر حكمة وبراعة منكن!
وسأهدي الصوت الأول لقادرات إلى أمي وأُخْتَيَّ ورفيقة دربي وكل نساء برقين، وسأقدمه لأمهات قطَّع الاحتلال قلوبهن على أبنائهن بالرصاص وستائر العتمة.
وسأظل خط دفاع عن "قادرات" وسأكرر التجربة بمشيئة الله في كل دورة انتخابية، وسأتسلح بحصانة الدفاع عن الفكرة، ولن ألتفت إلى أصوات تُحلل وتحرم ما يحلو لها، وبالطريقة التي تُرضي غرورها، وترى بأن تشكيل قائمة نسوية "يهدد عرشنا نحن الرجال، وعليكن أنتن السيدات والآنسات القبول بما نقرره نحن بالإنابة عنكن، ولو كان مسموحًا لنا لصوّتنا بدلًا منكن لمن تحبه قلوبنا لفَعلنا".
نختار "قادرات" ببساطة، لأنهن الأمهات اللائي حملننا وهنًا على وهن، ويتجرعن ألمنا، ويدفعن الثمن الباهظ من لحمهن الحي حين يحدث لنا مكروه مثل أسر أو استـشـهاد. وهن رفيقات الدرب بحلوه ومره، والأخوات الكريمات، والبنات اللواتي يحلّقن في سماء الإبداع، وشقائق الرجال.
وهن المدبرات المبدعات في المحن. والجدات المكافحات اللائي كن السند للأجداد في عسرتهم، وهن البارعات في ميادين الطب والهندسة والتعليم. واللواتي أسسن العمل الخيري والتطوعي، وشاركن في انتفاضة الحجارة.
بعد كل هذا، نسمع أصواتًا تدّعي أن المرأة لا تصلح للعمل العام والبلدي. ثم نرى الماجدات ديكورًا في غالبية القوائم وبالمراتب الأخيرة، ثم يُلمن لأن نحو 30 وسيلة إعلام بخمس لغات عالمية واكبن تجربتها، ويجري إلصاق تهمة أن "قادرات" يعملن بالظل لعائلة وقائمة أخرى!
دعاية بيضاء
خسارة وفوز
في رسالة ما بعد النتائج نكتب:
خسرت "قادرات" وفازت في وقت واحد، فهي لم تظفر في السباق الانتخابي، لكنها ربحت بفرض معادلة جديدة بحق النساء في تشكيل قائمة رغم التهديد بالقتل والطلاق لمرشحاتنا من مجتمع لا تقبل غالبيته بالمرأة إلا ديكورًا في هيئة محلية، وبالحد الأدنى.
نعدكن ونعدكم أن نكرر التجربة بعد أربع سنوات بحول الله، بالاسم نفسه وبــ "اللوجو" ذاته، وبالبرامج نفسها، وسنعيد تنظيم الصفوف أكثر.
شكرًا للداعمات والداعمين الـ 72 لــ "قادرات"، وشكرًا أيضًا لكل المحرضين والمحرضات على القائمة، الذين أكدوا أن النساء لسن بخير. وتهانينا للفائزتين الاثنتين والفائزين التسعة، الرقم المقدس عند الرجال.
وتشكَّل فريق "قادرات" من: وداد عواد شلبي (مربية متقاعدة، ونائب سابق لرئيس بلدية برقين، وإحدى المساهمات في الجمعية الخيرية، وعضو اللجنة العليا لمئوية مدرسة برقين)، وصمود صباح حمدان (بكالوريوس أساليب تدريس إنجليزية ومديرة مركز تعليمي)، وسميرة شلبي (امرأة عاملة)، وهدى عتيق (مديرة مشروع بيتي)، وسبأ خلوف ( ماجستير جغرافيا ومحاضرة جامعية، ومعلمة، وصاحبة مبادرة برقين 2040)، ورناد عثامنة عباس ( بكالوريوس خدمة اجتماعية ودبلوم تغذية ودبلوم إدارة مؤسسات)، ودينا خلف (بكالوريوس تربية ومديرة مشروع تجاري)، وسوامر عباس (عضو مجلس أمهات).
aabdkh@yahoo.com