خاص بآفاق البيئة والتنمية
الانهيارات المستمرة في المناطق الشرقية لمدينة خانيونس
في أواخر عام 2021 سارع ناشطون بيئيون في قطاع غزة إلى إطلاق هاشتاج "الشرقية تنهار" بهدف دفع المسؤولين إلى حل مشكلة الحفر التي تُنشأ لصرف المياه العادمة، إلا أنها تُباغت بانهيارها الكثير من سكان المناطق المكتظة لتصبح مصدر خطر محدق لا يسلم من شره الطلبة والأطفال.
ومع كل أسف؛ يمتد تهديد مياه الصرف الصحي متجاوزًا البيئة، فيغدو كابوساً يوميًا يؤرق حياة المواطنين، وذلك جراء الروائح التي تنبعث منها وما ينجم عنها من أمراض، وبخاصة تلك الموجودة بين الأحياء السكنية ووسط المناطق المكتظة.
وتفيد تقارير سلطة جودة البيئة في محافظات غزة، أنه توجد نحو 100 ألف حفرة لصرف المياه العادمة غير صماء (أي تسمح بتسريب المياه لجوف الأرض)، وتلاصق مباني المواطنين في أحياء مكتظة وفي الشوارع والطرقات.
وسبق أن نشرت تقارير صحفية أن "أكثر من 100 حفرة امتصاصية للصرف الصحي موجودة في شارع واحد مؤدٍ إلى مدرسة عباس الابتدائية ببلدة عبسان الكبيرة، وهذه الحفر انهار منها ثلاث آبار في يوم واحد في الآونة الأخيرة، وتضرر منها عشرات الطلاب".
ووفق إحصاءات رصدتها بلدية عبسان الكبيرة، فقد سجلَّت انهيار نحو 60 بئرًا في عام 2021، فيما هناك 90 من الآبار القديمة تبلغ نحو العقدين من العمر على وشك الانهيار.
شهادات حية
لولا أن الله "قدَّر ولَطف" لما استطاع المواطن أبو أنيس صلاح إنقاذ ابنته الصغيرة بعد سقوطها في حفرة امتصاصية في محيط المنطقة التي يقطن بها؛ شرق محافظة خانيونس، جنوب قطاع غزة.
يقول صلاح في حديث لــ "وكالة سند للأنباء" إن طفلته سقطت في حفرةٍ كانت قد انهارت فجأة، وذلك عند سير ابنته في الشارع المجاور لمكان سكنه.
هرع الأب فور سماعه صوت صراخها، مستعينًا ببعض الشبان لانتشالها بعد سقوطها في عمق لا يقل عن مترين تحت الأرض، ولحسن الحظ أن البئر سُحبت مياهها قبل انهيارها بأيام، ولو لم يحدث هذا؛ لماتت الطفلة غرقًا بمياه الصرف الصحي.
وفي مشهد آخر، كانت الشابة آلاء قديح (23 عامًا) تمشي باتجاه صيدليةٍ قريبة، برفقة زوجها وطفلها الذي اصطحباه قبلها للعلاج إلى إحدى مستشفيات البلدة.
حينها، كانت هذه السيدة التي تقيم في بلدة عبسان الكبيرة، شرقي خان يونس، تسير شاردة الفكر، وإذ بها تُفزع بموت محقق كان على مقربة متر واحد من ثلاثتهم، موضحة: "انهارت الحفرة على حين غرة، كان الأمر مرعبًا والحمد لله أن كتب لنا النجاة".
ولا يتقاعس المواطن أبو حسين خباب من سكان شرق خان يونس عن تحذير أبنائه من خطورة السير في الشوارع الترابية، طالبًا منهم تجنب الاقتراب من المناطق الرطبة، أو أي أغطية خرسانية في الشوارع، خشية سقوطهم في حفر امتصاصية.
والجدير بالذكر أن سكان تلك المناطق يعمدون إلى حفر تلك الحفر للتخلص من مياه الصرف المنزلي، بسبب عدم إنشاء شبكات الصرف الصحي العامة فيها.
بدوره يؤكد أنور أبو ظريفة رئيس بلدية عبسان الكبيرة أن حجم المنجز من شبكات الصرف الصحي في المناطق الشرقية وتشمل (عبسان وخزاعة وعبسان الجديدة وبنى سهيلا والفخاري) هو صفر.
ويوضح أبو ظريفة في حديث خاص أن "عدد الآبار والحفر الامتصاصية في المناطق الشرقية المذكورة أعلاه يصل إلى 12 ألف بئر، 6 آلاف منها تصل تكلفة الواحد منها إلى 500 دولار، وفي عبسان وحدها انهار 60 بئراً منذ بداية 2021، فيما توجد 200 أخرى على وشك الانهيار.
وأشار إلى أن متوسط أعمار الآبار يتراوح ما بين 15 و 20 عاما، 90% منها عرضة للانهيار سواء كانت قديمة أم جديدة، لافتاً إلى أن حياة 30 ألف نسمة من السكان لا سيما الأطفال وطلاب المدارس في مهب الخطر.
وألقى أبو ظريفة باللائمة على "العدوان الإسرائيلي الأخير" بعد أن استخدم صواريخ ارتجاجية في قصف المنازل والشوارع والأراضي، ما زاد من خطر الانهيارات لهذه الآبار، حسب رأيه.
وفي السياق نفسه أكد القائمون على "هاشتاق" غزة تنهار، أنهم استعدوا كما يجب لتنفيذ الحملة بنشر التصاميم، وحث المؤثرين على المشاركة فيها، وتجهيز محتوى غني بالصور ومقاطع الفيديو، يُظهر تأثير الكارثة المتجددة.
وقد لاقت الحملة استجابة واسعة، وخاصة في الساعات الأولى من إطلاقها في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المتوقع أن يصل صداها للجهات المسؤولة علّها تتحرك قدمًا لمنح سكان تلك المناطق أبسط حقوقهم التي حرموا منها.
ومع أن المشكلة تتركز في مناطق شرق محافظة خان يونس، إلا أن مناطق واسعة في شرق مدينة رفح تعاني المشكلة ذاتها، وبخاصة بعض أجزاء حي خربة العدس، ومنطقة النصر، إضافة إلى بلدة الشوكة، إذ يناشد السكان بضرورة ربط مناطقهم بشبكات الصرف الصحي أسوة بباقي أحياء المحافظة.
رفض المانحين
من جهته يتحدث م. حسام الحوت، مهندس المشاريع في مصلحة مياه بلديات الساحل، بقوله: "المصلحة تعي جيدًا خطورة الوضع، وهي على تواصل دائم مع البلديات، علمًا أن المخططات جاهزة، ورحلة البحث عن تمويل مستمرة، إلا أنه يصعب على المصلحة أو البلديات تنفيذ المشروع بإمكاناتهم المحدودة جداً".
وعقّبت م. منار السويطي مديرة المساعدات الخارجية في وزارة الحكم المحلي بغزة: "مشروع إمداد مناطق شرق خان يونس بالصرف الصحي له أولوية قصوى لدى الوزارة، والمخاطبات والاتصالات على قدم وساق مع مانحين معنيين بهذا الخصوص".
وتأسف السويطي إزاء تنصل بعض المانحين في السنوات الماضية من تمويل المشروع لعدة أسباب، أهمها قرب مناطق شرق خان يونس من الحدود الشرقية للقطاع، كما أنهم يرون بأن المنطقة المستهدفة قرى زراعية غير مكتظة بالسكان، موضحة موقف وزارتها: "نرفض هذه المبررات، وتحاول شرح الوضع على حقيقته للمانحين، ولم نيأس من البحث عن ممولين نأمل أن يتجاوبوا معنا لحل المشكلة في أسرع وقت".
انهيارات مخيفة في المناطق الشرقية لمدينة خانيونس بفعل الحفر الامتصاصية
انهيارات خطرة في أطراف الشوارع بالمناطق الشرقية لمدينة خانيونس بفعل الحفر الامتصاصية