بعد نفاد احتياطات الدول المنتجة للغاز.. هل سيصبح "الهيدروجين الأخضر" بديل المستقبل؟
أمستردام/ آفاق البيئة والتنمية: على مدى العقود الأخيرة ضخَّت الدول المنتجة للغاز الطبيعي استثمارات ضخمة لإقامة البُنية التحتية اللازمة لاستخراج ومعالجة وتخزين ونقل الغاز الطبيعي إلى المستهلكين.
ونظرًا لأن احتياطيات الغاز الطبيعي، شأنها شأن كل مصادر الوقود الأحفوري غير مستدامة، أصبح على تلك الدول الاستعداد لعصر ما بعد الغاز الطبيعي، ووضع السيناريوهات لاستغلال البُنية التحتية الهائلة القائمة عند انتهاء احتياطيات الغاز الطبيعي.
وقد بدأت هولندا التي كانت على مدى العقود الماضية المركز الرئيس لتداول الغاز الطبيعي في أوروبا، وتمتلك أكبر حقل للغاز في القارة، الاستعداد لعصر ما بعد الغاز الطبيعي، باستخدام البُنية التحتية للغاز في نقل وتخزين الهيدروجين الذي يراه الكثيرون وقود المستقبل.
فمع قرار الحكومة الهولندية وقف الإنتاج في أغلب حقول الغاز الطبيعي لديها في العام الحالي، اضطرت شركة "نيدرلاندز غازيوني" الهولندية إلى البحث عن بدائل لاستخدام شبكة خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي التي تمتلكها ويبلغ طولها حوالي 15 ألف كيلومتر.
وتقوم الشركة حاليًا بتحديد أجزاء الشبكة التي يمكن تعديلها لاستخدامها في إنتاج وتخزين ونقل الهيدروجين في العقد المقبل، مع تحول الاتحاد الأوروبي نحو الاقتصاد الأخضر.
وبعد عقود من عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي واستخراجه في هولندا التي تضم حقل "غاز غروينينجن"، أكبر حقول الغاز الطبيعي في أوروبا، قررت حكومة أمستردام وقف الإنتاج في الحقل.
في الوقت نفسه من المنتظر تراجع الطلب على الغاز الطبيعي في هولندا، إلى جانب تعهد الحكومة بخفض الانبعاثات الغازية بنحو النصف في العقد الحالي.
وهذا يعني أن شركة "غازيوني" ستجد نفسها مضطرة إما إلى إيجاد غاز بديل لنقله عبر هذه الشبكة أو وقف تشغيلها أو تفكيكها تمامًا، حسب المحللة الاقتصادية فانيسا ديزيم.
لا سبيل غير ذلك
من ناحيته قال هان فينيما الرئيس التنفيذي لشركة "غازيوني" إن "هولندا ستحتاج إلى الهيدروجين وستضطر إلى التخلي عن الغاز الطبيعي، وليس أمامها سبيل آخر غيره سوى الهيدروجين مصدرًا للطاقة".
وتقول فانيسا ديزيم في تحليل حديث إن هولندا تعتمد على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) في الحصول على 80% من احتياجاتها من الطاقة، لذا فإن صناعة الغاز الطبيعي لم تعد مجدية اقتصاديًا.
وقد تراجعت إيرادات الحكومة من هذه الصناعة إلى 140 مليون يورو (160 مليون دولار) في عام 2020 مقابل 10.7 مليار يورو سنويًا قبل عشر سنوات.
كما شهدت الفترة الأخيرة ارتفاع أسعار حصص الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري في أوروبا إلى مستويات قياسية، وثمة توقعات بارتفاعها مجدداً في الشتاء الحالي، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات غير مسبوقة.
كل هذه العوامل جعلت من الضروري البحث عن بدائل للغاز الطبيعي، إذ أصبح غاز الهيدروجين البديل الأكثر جاذبية، وسيصبح أكثر تنافسية فيما بعد.
وحسب تقديرات خدمة بلومبرغ لأنباء تمويل الطاقة الجديدة فإن الهيدروجين الأخضر الذي يُنتج باستخدام الطاقة المتجددة، سيكون أرخص من الغاز الطبيعي في 16 دولة، 3 منها في أوروبا بحلول عام 2050.
ويقصد بـ"الهيدروجين الأخضر" ذلك الذي يُنتج بتحليل الماء إلى مكوناته الأصلية وهما غازيّ الأكسجين والهيدروجين باستخدام التيار الكهربائي المُوَلَّد من مصادر الطاقة المتجددة (أشعة الشمس، الرياح، المساقط المائية، التيارات البحرية، حرارة الأرض الجوفية). وعند استخدامه وقودًا لا ينتج عنه أي انبعاثات سوى بخار الماء.
وتقول كاترينوس جيبما، الأستاذة الفخرية لدراسات الطاقة والاستدامة في جامعة غورنينجن "إنها فرصة أمام هولندا لاستعادة المكانة التي احتلّتها دائمًا في سوق الغاز الطبيعي، نحن كنا أول من تحرك في سوق نقل الغاز في الماضي".
وحسب تقديرات المفوضية الأوروبية فإن الهيدروجين النظيف أو ما يسمى "الهيدروجين الأخضر"، أي الذي يُنتج بالطاقات المتجددة، يمكن أن يلبي ربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول 2050، مع وصول مبيعاته السنوية إلى 630 مليار يورو (714 مليار دولار).
ويستهدف الاتحاد الأوروبي إقامة محطات لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة تبلغ 40 غيغاوات بحلول 2030، وهو ما يعادل ضعف إنتاج الكهرباء في سد الخوانق الثلاثة في الصين والذي يُعد أكبر محطة لتوليد الكهرباء النظيفة في العالم.
ويعد الهيدروجين، سواء الأخضر الذي لا يصدر أي انبعاثات في أثناء إنتاجه أو الأزرق الذي يصدر كميات قليلة من العوادم في أثناء إنتاجه، الوقود البديل الأساسي المناسب أمام الصناعات الثقيلة والنقل الأوروبية كثيفة استهلاك الطاقة، التي لا تجد بدائل كثيرة للوقود الأحفوري حاليًا ولا تستطيع الاعتماد على الكهرباء فقط.
عوائق الكلفة والجدوى
ومع ذلك فالتحول إلى الهيدروجين يصطدم في الوقت الحالي بارتفاع تكلفته مقارنة بالغاز الطبيعي في أغلب دول العالم، فتكلفة إنتاج الهيدروجين حالياً تعادل 6 مرات تكلفة إنتاج القدر نفسه من الطاقة باستعمال الغاز الطبيعي، حسب تقديرات خدمة بلومبرغ لتمويل الطاقة النظيفة.
كما أن تعديل شبكات خطوط نقل الغاز الطبيعي المتوقفة لتصبح قادرة على نقل الهيدروجين ينتظر تحقيق الجدوى الاقتصادية أولاً.
في المقابل تقول هيلمه بوتر، مديرة إدارة تنمية الأعمال في شركة "غازيوني" التي حققت في العام الماضي إيرادات بقيمة 1.4 مليار يورو "علينا تجاوز مشكلة أيهما أولاً الدجاجة أم البيضة، علينا دخول سوق الهيدروجين بمشروعات كبيرة".
وتستهدف الخطة الأساسية ربط منشآت إنتاج الهيدروجين البحرية في بحر الشمال مع منشآت الموانئ التي تُحدّث وخطوط الأنابيب لنقل الهيدروجين إلى المراكز الصناعية أو تصديره.
ورصدت الشركة الهولندية 1.5 مليار يورو لتحويل 1200 كيلومتر من خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي لتنقل الهيدروجين النقي بحلول 2027.
ووافقت الحكومة على تحمل نصف التكلفة للمساعدة في تغطية المخاطر المحتملة للمشروع، وأشارت إلى استعدادها لتقديم المزيد من الدعم له إذا لزم الأمر.
وتقول أديتيا باشيام المحللة الاقتصادية في خدمة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة: "هناك دول أوروبية عديدة لديها خطة لإقامة شبكات ضخمة للهيدروجين، لكن خطط هولندا تبدو الأكثر تقدماً".
ويقول هان فينيما "في عالم الهيدروجين "سيتحرك كل شيء بأسرع مما كنا نعتقد، لدينا الآن طلبات محددة من عملاء لتطوير محطة لاستقبال غاز الأمونيا وزيادة البُنية التحتية لنقل وتداول الهيدروجين. هذا الأمر لم يكن متوقعاً".
المصدر: وكالة DPA