خاص بآفاق البيئة والتنمية
ذكر عصفور الشمس الفلسطيني
بالقرب من شجرة بلوط معمرة، ناداني الصديق والباحث البيئي أحمد العمري عندما كنا نتجول في جبال قرية مسلية جنوب مدينة جنين؛ لتوثيق النباتات البرية خاصة شقائق النعمان والأوركيدا النادرة.
وحينها أخبرني صاحبي بأنه وجد عشًا مهجورًا خاليًا من الفراخ والبيض، يعود لعصفور الشمس الفلسطيني المختبئ بين أغصان البلوط؛ ومن هنا بدأت الحكاية.
والظيّان المعترش أو الظيّان الجبلي هو نوع من النباتات الربيعية المزهرة المعمرة في فلسطين.
ويُعد من نباتات حوض البحر الأبيض المتوسط، ويصل ارتفاع هذا النبات المتسلق ذو الأوراق الداكنة الخضرة إلى 3 أمتار.
|
|
بذور نبات الظيّان التي تشبه الريش والتي تتمتع بنعومه فائقة |
زهرة نبات الظيّان المرقطة باللون الأحمر |
أسماء وأزهار الظيّـــان:
الاسم العلمي لنبات الظيّـــان (Clematis cirrhosa )، ويُطلق عليه شعبيًا في فلسطين اسم "المدّاد"، أو "حبل المساكين"، إذ يمتد على شكل حبال طويلة، كما يطلق عليه أيضًا اسم " الغاشية " لأنه يغشى الشجر وينتشر حوله ويتسلق عليه وربما يهلكه لاحقًا ليبقى هذا النبات حياً .
الباحث وأزهار نبات الظيّان في قراوة بني حسان – سلفيت
يزهر "الظيّـــان" باللون الأبيض، وأزهاره التي يمتزج فيها اللون الأصفر الفاتح إلى "الكريمي"، وأحيانًا تكون مرقطة باللون الأحمر من الداخل، يصل طولها إلى 6.5 سم، وتمتد فترة إزهاره من أواخر الشتاء إلى أوائل الربيع وتليها رؤوس البذور الحريرية، وغالباً ما يُعثر على هذا النبات المتسلق حول النباتات أو الشجيرات أو الجدران أو الصخور التي يستخدمها وسيلةً لدعم وتوسيع فروعه المتعددة .
يعرّفه الباحث البيئي أحمد العمري قائلًا لمراسل "آفاق البيئة والتنمية": "الظيّان" نبات معمّر ذو رائحة جميلة ورقيقة ويتميز بأزهار غنية بالرحيق؛ لذا يشتهر بجذب النحل الكبير مثل النحل الطنّان الذي يبحث عنه لجمع الغذاء، إضافة إلى جذبه الفَراش والعثّ والطيور والملقِّحات الأخرى".
ويضيف: "من المثير للاهتمام أن الظيّـــان خفيف إلى معتدل السُمِّيَّة (Toxicity) بسبب المكوّن أنيمونين (Anemonin) الذي يتواجد في كل أجزاء النبات، وهو مركب سام حاد يحتوي على مجموعتين من "اللاكتون"، ويُحصل عليه بشكل خاص من بعض النباتات من جنس شقائق النعمان، وغيرها".
هذا النبات ورغم سميّته المعتدلة تحبه الأغنام والحيوانات العاشبة، ولا يُشكل خطرًا كبيرًا على الإنسان أو الطيور، ويستخدمه الفلاحون في الطب الشعبي لعلاج الجروح لكن يجب ألا يوضع أكثر من بضع دقائق على الجلد نظرًا لسخونته" يقول العمري.
|
|
رؤوس البذور الحريرية لنبات الظيّان |
نبات الظيّان المتسلق في محمية وادي قانا دير استيا - سلفيت |
تبطين وفرش العش ببذور الظيّان
تبدأ الطيور في فصل الربيع ببناء أعشاشها لتوفير الحماية للفراخ التي ستفقس من البيض، وتختار أماكن مختلفة لبناء أعشاشها، وتحرص على تمويه العش وإخفائه من الطيور أو الحيوانات المفترسة.
وعن تقنية بناء أعشاش الطيور يخبرنا د. وليد الباشا خبير الحياة البرية، قائلًا: "عادة؛ تستخدم الطيور مواد متعددة لبناء العُش، كما يختلفُ تصميم العُشّ وشكله من طير إلى آخر، وتحرصُ الطيور على تبطينه باستخدام موادّ متوفرة في البيئة مثل الأعشاب، أو الريش، أو لحاء الأشجار، وقد تستخدم فِراء الحيوانات وغيرها".
ويضيف الباشا: "يتميز عصفور الشمس الفلسطيني برشاقة حركته، وطيرانه الواثق السريع، ومنقاره الطويل، وتلوين ريشه الأسود تحت الشمس وخاصة الذكر، فيصبح مزيجًا لونيًا ساحرًا من الأخضر والأزرق والبنفسجي، ومن هنا جاء اسم عصفور الشمس الفلسطيني من تغير لونه مع أشعة الشمس، كما يُطلق عليه اسم "التّمِير" نسبة إلى التمر؛ لأنه يتغذى على النتاج، أي التمر الناضج، إضافة إلى الحشرات الصغيرة، ورحيق الأزهار".
نبات الظيّان وألأزهار تشق طريقها من بين الصخر في محمية أم التوت – جنين
وعن موقع نبات الظيان في عش هذا العصفور، يحكي لنا: "تبني أنثى عصفور الشمس الفلسطيني عشها بعناية فائقة وفق تصميم مُتميز يأخذ شكل ثمرة إجاص متدلّية، وتستخدم الأغصان الرقيقة والحشائش، وشبكات العنكبوت، والصوف، والريش، وتقوم بتبطين وفرش العُشّ الداخلي ببذور نبات الظيّان التي تشبه الريش، والتي تتمتع بنعومة فائقة كي تحتضن الفراخ بعد التفقيس. فيما يشارك الذكر في مهمة تغذية الصغار".
عصفور الشمس طائر وطني
يُعد من الطيور المقيمة في فلسطين، وقد اُكتشف لأول مرة عام 1865 وصُنّف في الدليل الحقلي لطيور الشرق الأوسط، واُعتمد من المجلس العالمي لحماية الطيور، فيما صدَّق مجلس الوزراء الفلسطيني في إحدى جلساته عام 2015 على أن عصفور الشمس الفلسطيني طائر وطني.
ومن جهته قال عماد الأطرش المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية إن عصفور الشمس هو الطائر الوحيد الذي يحمل اسم فلسطين عالمياً، ويرتبط بها، كما أنه من أصغر أحجام الطيور المغردة التي تعيش فيها، وطوله يتراوح بين 10 و12 سنتيمتراً، ووزنه يتراوح بين 6 و9 غرامات، ويتغذى على رحيق الزهور والحشرات الصغيرة".
"كيف تساهم جمعية الحياة البرية في إبراز هذا الطائر الوطني؟ يجيبني الأطرش: "أصدرت وزارة الاتصالات الفلسطينية وبالتعاون مع جمعية الحياة البرية في عام 2000 الطابع الفلسطيني والذي يحمل صورة عصفور الشمس، كما نفذّت الجمعية في عام 2010 بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم حملة لدعم تسمية عصفور الشمس الفلسطيني بالعصفور الوطني عن طريق تنظيم مسابقة وطنية لتصويره وكتابة التقارير عنه".
عش مهجور يعود لعصفور الشمس الفلسطيني في جبال قرية مسلية – جنين