خاص بآفاق البيئة والتنمية

وادي أبو الفيران
تنطلق ثاني رحلة اكتشاف إلى وادي أبو الفيران- "الفيران" في قلب الأغوار الشمالية ذات نهار ربيعي حار، أتبادل ورفاق الرحلة الثلاثة: د. عماد دواس، والباحث خالد أبو علي، والباحث أحمد العمري ما يتيسر من معلومات شحيحة عن المكان الذي نهبه الاحتلال، لكنها لا تُشفي الغليل.
عام 2019 كان الوادي غير معروف لغالبية هواة الطبيعة والمسارات البيئية، وفي العامين الأخيرين بدأ يُعرف على نطاق ضيق، فيما تفيض المواقع الإسرائيلية بمعلومات وصور وخرائط للوادي، وإرشادات للمتنزهين الراغبين بالوصول إليه، وأرقام هواتف، وتحذيرات.
في المقابل، لا راوية فلسطينية موثقة عن الوادي وسبب تسميته، إذ يقول الباحث في التنوع الحيوي بنان الشيخ إنها تعود، وفق ما قدمه له مواطنون غوريون، إلى وصف الاحتلال للفدائيين الذين استخدموا المكان ممرًا لتهريب الأسلحة، مريدًا بذلك التقليل من شأنهم. فيما اصطحب الدليل السياحي سعيد حجة مجموعات صغيرة إلى المكان في مناسبتين، لكنه أيضًا لا يمتلك معلومات كافية عن الوادي.

وادي ابو الفيران في الأغوار الشمالية
ووصف الباحث خالــد أبـو علــي الوادي الذي زاره أول مرة، بـجبال شاهقة تخترق قممها السحاب، وتكسوها النباتات البرية فلا ترى العين غير الغصون والأوراق. وقد ذُهل حينها من فِرط جماله، فهو خصيب تحيط به جبال صخرية يتدفق منها ماء غزير عذب صاف، بعد شتاء غزير يتلوّى في سواقٍ متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة تارة أخرى تلتقي بين صخور صقلتها المياه الجارية على مدار آلاف السنين، وأرض ترقص تحت الشمس في محمية طبيعية، تستحوذ على مناظر خلابة على امتداد البصر تطل على الأغوار الأردنية.
أما المصور المختص بالحياة البرية المهندس د. عماد دواس فقد وصل الوادي عام 2019، وكان من أوائل المواطنين الذين يزورن منطقة مجهولة تمامًا، غير أنه بعد رابع جولة قام بها خلال ثلاث سنوات، صار يعرف تفاصيل إضافية، وفي كل مرة يجمع المزيد منها، فقد أخبره ابن المنطقة د. حسن خضر أن الأهالي والرعاة قبل الاحتلال كانوا يصلون إلى وادي أبو الفيران.
وقال دواس إنه سار لأول مرة في أعماق الوادي هذا العام، ووثق الكثير من الطيور والنباتات والزواحف، وأبرز ما رصدته عدسته غزال الجبل الفلسطيني، مسجلًا انتقاده بشأن غياب المعلومات الرسمية عنه.
بينما وثّق باحث التنوع الحيوي في جامعة النجاح أحمد العمري نباتات عديدة أبرزها السرخسيات، التي تعد مؤشرًا على جودة النظام الحيوي في المنطقة، وسوسن الشفا، والرتم، والتوليب، وشقائق النعمان، والحمحم، وسيف الغراب، والمصيص المخملي، وخلة الشيطان، والسدر، والبسباس، والثوم الأسود، والخطيمة.

ثقافة الإقصاء في مواقع التواصل الاجتماعي
تواصل وقطيعة
تُحدث منصات التواصل في أوقات الخلاف شرخًا مجتمعيًا، وتؤسس منابر عظمى تحث على التحريض العلني، وبروح الكراهية المقيتة تُشكل مهادًا عمليًا لإلغاء الآخر وتشويهه وشيطنته. كما تساعد على إذكاء نار الفتنة والتحلل من كل الروابط، وتسمم النسيج المجتمعي، وهكذا تصبح الأجواء مهيأة للمس المادي بالخصوم، وقطع كل قنوات التسامح والتجاور والألفة.
المؤلم أن منشورات التحريض تنتشر كالنار في الهشيم، بخلاف الإيجابية والود والتضامن. دون شك سنحتاج فترات طويلة للتعافي من الهزات الارتدادية للكراهية بلغتها ومفرداتها وصُناعها وأنصارها وممارسيها والمستفيدين منها والداعين لتعميمها.
ولنا أن نتصور عدد الأبواق التي تبث سمومها في الفضاء الأزرق كل دقيقة، وتُمجّد الحقد والكراهية، في عدد هائل من الجبهات المشتعلة.
إنه الخطر الذي سيسبح في دم أجيالنا الصاعدة، ليشكل ثقافة الإقصاء، وهو بكل الأحوال خسارة فادحة سندفع ثمنها من لحمنا الحي، إذ تبدأ الجريمة بكلمة، ونظرة، وشجار، وتدوينة كراهية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتشترك فيها كل جهة تتقاعس عن تنفيذ واجبها.
كل ما علينا تعليق أنشطتنا الاستعراضية، التي لا تسمن غالبيتها ولا تغني من جوع، ودعوة كل مسؤول للتحرك قبل زهق الأرواح.

الهم البيئي الفلسطيني غائب تماما في البرامج الانتخابية
تنافس محموم
تصلك إعلانات مُمولة لبرامج انتخابية عديدة. الملاحظات الأولية رفع سقف الشعارات للمرشحين المفترضين -إن حدثت المعركة الديمقراطية- عاليًا، وغياب الواقعية، وعدم فهم دور المجلس التشريعي الدقيق، وشطب الهم البيئي. إحدى القوائم قالت إنها ستنظم حفلات زفاف جماعية؛ لتقليل كلفة الزواج، فيما استعار مرشح ثانٍ آية قرآنية لا صلة لها بالانتخابات، في مستهل البرنامج هي (خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى).
فعليًا، بدأت الأعراض الجانبية للانتخابات -إن حدثت- بالظهور. المؤلم أن التنافس الشرس يجري على الامتيازات غالبًا، وأصوات المقترعين تستخدم لمرة واحدة.
التمثيل النسبي الكامل واختيار مرشحين من محافظات الضفة الغربية وغزة في قائمة واحدة، ليس بفكرة جيدة، إذ يعمل على تهميش الهموم التي تعانيها محافظات بعينها، ويجعل البرامج الانتخابية-حتى لو كانت مجرد حبر على ورق- فضفاضة، ولا تتطرق إلى خصوصية كل محافظة، وتبقى البيئة وشؤونها شيء من الترف.

كورونا
خسائر ثقيلة
في اليوم الأول من عام "كورونا" الثاني، نحصي خسائرنا الثقيلة، فنستذكر الأعزاء الذين اختطفهم الفيروس اللعين منا، ونواسي الأصدقاء والخلان الذين تربص بهم كوفيد ١٩ وإخوته، ونسترد الحصاد المر الذي رافقنا، ونعترف بالإنهاك الذي حل بنا. كان عامًا شاقًا في كل شيء، أما التعليم فأول الضحايا. كأننا اليوم نعود إلى سيرة قلقنا الأولى، وتتصاعد وتيرة الشك والجدل والإنكار بين ظهرانينا.
عمليًا، المدارس والجامعات الحلقة الأضعف في معادلة (كوفيد 19)، لا غرفة تربوية لها، ولا اتحاد قوي يحذر من إغلاقها. هي ليست "بقرة حلوب" تدر الأرباح وتحرك المال.
المسّ بالتعليم صار يمر بهدوء، والمؤلم أن معظم الطلبة ونسبة من المعلمين يفرحون بإغلاق أبواب مدارسهم، والتوجه نحو التعليم الافتراضي، الذي هو في أحسن الأحوال امتداد للألعاب والإدمان الإلكتروني.
سندفع ثمن الجرأة والتجرؤ الزائدين على التعليم، وسنحصد بمرارة ما نزرعه اليوم. كان بوسعنا التفكير ببديل خلاّق غير الإغلاق، ولو من باب المحاولة. وأضعف الإيمان، معاملة المدرسة كالسوق والمصرف.

اجتثاث الأشجار في جباريس المهجرة في الأغوار الشمالية
جريمة جباريس
يطلق الناشط البيئي والمصور د. عماد دوّاس صرخة ضد قطع أشجار معمرة من قرية جباريس المهجرة في الأغوار الشمالية جاء فيها: "هذا الشجر من زيتون وخرّوب عمره مئات بل آلاف السنين، وزيتون جباريس يُقطع في وضح النهار ليتحول إلى فحم."
وأضاف "يعرف أهل شمال فلسطين زيتون المنطقة، ويفيد كبار السن الذين عايشوا تلك الفترة، أن عادةً درجت في القِدم أن يأخذ أهل الشمال عيناتٍ من هذه الأشجار ليزرعوها في مناطقهم".
وذكر أن مجهولين، في هذه الأيام، يُقطّعون هذا الإرث الحضاري في منطقة في غاية الأهمية والحساسية البيئية والسياسية.
وأرفقَ دواس مناشدته بصورِ زوده بها مجموعة باحثين كانوا في المنطقة في 20 آذار، لدراسة التنوع الحيوي والغطاء النباتي في جباريس.

تقطيع الأشجار
ووصف ما يجري بـ"إبادة لإرث حضاري"، وانتهاك لكنز وطني وبيئي يعد مقصدًا للخبراء والباحثين من كل العالم، ناهيك عن الأهمية الوطنية لهذا الكنز". وأطلق نداءً لكل صاحب سلطة وقرار للبحث عن الجناة، ووضع حد لهم.
تقول المادة (72) من قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999 "كل من يخالف أحكام المادة (44) من هذا القانون يُعاقب بغرامة مالية لا تقل عن عشرين ديناراً أردنياً ولا تزيد على مائتي دينار، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، وبالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد على شهر أو بإحدى هاتين العقوبتين".
أما نص المادة (44) فهو: "يحظر على أي شخص القيام بأي أعمال أو تصرفات أو أنشطة تؤدي إلى الإضرار بالمحميات الطبيعية أو المناطق الحرجية أو المتنزهات العامة أو المواقع الأثرية والتاريخية أو المساس بالمستوى الجمالي لهذه المناطق".
المؤسف أن القوانين السارية رخوة والعقوبات غير رادعة، ولا تتناسب مع حجم الضرر الذي يتسبب به المعتدون على البيئة وتنوعنا الحيوي وإرثنا الطبيعي.