تتعالى الأصوات الداعية إلى ضرورة التحرك العاجل لدول العالم وفق منهجية تحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHGs) إلى الغلاف الجوي، من أجل تجنب الآثار المناخية القاسية.
وبالنظر إلى الفرص المتاحة لمكافحة التغيرات المناخية، يمكن أن تلعب المحيطات والمناطق الساحلية المُطلة عليها وكافة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها، دوراً أساسياً في تنظيم درجات الحرارة العالمية، فتمتص نحو 93 % من الحرارة الناشئة عن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون "البشرى المنشأ".
ليس هذا فحسب؛ بل وتمتص المحيطات أيضاً ما يَقرب من 25 إلى 30 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية، والتي ستبقى في الغلافِ الجوي، وتزيد من الاحترار العالمي (Global warming).
كما وتُنتج المُحيطات نحو 50 % من الأكسجين على كوكبِ الأرض بواسطة عملية التمثيل الضوئي للنباتات والطحالب البحرية.
وبالعودة إلى ما قبل الفترة الصناعية (أي قبل عام 1850) كانت دورة الكربون العالمية في حالة توازن صافية؛ فقد كانت العمليات المنتجة لثاني أكسيد الكربون (على سبيل المثال التنفس) مساوية للعمليات المُستَهلكة له مثل التمثيل الضوئي والتجوية الجيوكيميائية، وأدى هذا التوازن إلى استقرار دورة الكربون نسبياً لآلاف السنين.
أما في بداية عصر الثورة الصناعية نمت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسرعة كبيرة بسبب التدخل البشري في استخدام الوقود الأحفوري، وقَطع الغابات، وتطهير الأراضي للزراعة.
وأدت التركيزات المتزايدة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى إحداث تغييرات كبيرة في كوكب الأرض، فقد ارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض في عام 2017 بنحو 1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية طِبقاً للتقرير الصادر عن الهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية في عام 2018.
كما يُشير التقرير نفسه إلى أن العالم سيظل يواجه تحديات متسارعة ومهددة للحياة إذا لم يحافظ على متوسط درجة حرارة الأرض أقل من 2 درجة مئوية قبل مستويات ما قبل الثورة الصناعية (مشروطة قبل عام 1850).
وأدى التركيز المتزايد لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات، إضافة إلى زيادة درجة حموضة المحيطات وهو ما نتج عن زيادة امتصاص المُحيطات لثاني أكسيد الكربون.
ونتيجة لهذه التغيرات في درجة حرارة وكيمياء المحيطات ظهرت تأثيرات خطيرة على مجموعة واسعة من الظواهر البيولوجية بما في ذلك بقاء الكائنات البحرية وتَكاثرها ونموها، كما تدهورت قدرة البشر في الحصول على الغذاء وسبل العيش من المحيط نتيجة لهذه التغيرات.
ولهذا لا بد من العمل بجدٍ للحد من ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعة وذلك بخفض الانبعاثات السنوية من ثاني أكسيد الكربون إلى ما دون الصفر بحلول عام 2050 على أقصى تَقدير.
ويستدعي الوصول إلى هذا الهدف الاستعانة بتقنيات جديدة متطورة لإزالة كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
المحيط جزء من حل مشكلة تغير المناخ
تلعب المحيطات دوراً مُهيمناً في دورة الكربون العالمية، كونها مسؤولة عن امتصاص ما بين 25 إلى 30% من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي.
يتناول هذا الجزء إمكانات التخفيف والآثار المُرتبطة بها (الفوائد المشتركة والمبادلات) لسلسلة من الخيارات في خمسة مجالات رئيسة تعتمد على المحيط:
1- زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة المختلفة المعتمدة على المحيط بما في ذلك الرياح البحرية ومصادر الطاقة الأخرى مثل طاقة الأمواج والمد والجزر.
2- الشحن البحري والنقل البحري:
يمثلان نحو 3 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشرية المنشأ، وتشير الاتجاهات العالمية الحالية إلى تضاعف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاعِ الشحن البحري بحلول عام 2050.
ولتَقليل هذه الانبعاثات لا بد من الاتجاه نحو استخدام أنواع وقود بديلة مثل الوقود الحيوي لتحل محل الوقود الأحفوري مع إعادة تجهيز السفن الحالية لتطبيق التقنيات والممارسات الموفرة للطاقة.
كما أن لتقليل الانبعاثات من النقل البحري فائدة إضافية تتمثل في تقليل انبعاثات الكبريت التي تضر بسكان المدن الساحلية، كما أنه سيبطئ من حموضة المحيطات.
3- النظم البيئية الساحلية والبحرية:
غابات المانجروف والمستنقعات المالحة والأعشاب البحرية هي أنظمة بيئية كربونية زرقاء؛ ما يعنى أنها تمتص الكربون وتُخزنه في جذورها، وهناك عدد من الحلول القائمة على الطبيعة لاستعادة النظام البيئي أو الحفاظ عليه، فمن خلال حماية هذه النظم البيئية يُمكن إزالة الكربون من الغلاف الجوي.
وكما نعلم، أن استعادة وتوسيع النظم البيئية للكربون الأزرق من شأنه أن يقلل الكربون في الغلاف الجوي، كما تساعد هذه النظم أيضاً في حماية المجتمعات الساحلية من تأثيرات الطقس المتطرف والفيضانات، والتي تتفاقم وتيرتها وحدتها بسبب تغير المناخ.
4- مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وتغيير النظم الغذائية:
من الممكن القول إن تحسين كفاءة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية مع الترويج في نفس الوقت لاستهلاك الأطعمة الموجودة في المحيطات حلاً للتغيرات المناخية المستقبلية، فالأطعمة التي تُستخرج من المحيطات (مثل الأسماك والقشريات) تتطلب كمية أقل من الكربون لإنتاجها.
وتشير تقارير دولية إلى أن صناعة الأغذية يمكنها أن تُخفف انبعاثات تتراوح ما بين 0.48 و 1.24 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 (أي ما يعادل إنهاء الانبعاثات من نحو ( 123 - 319 ) محطة طاقة تعمل بالفحم).
5- تخزين الكربون في قاع المحيطات:
يحتاج تخزين الكربون في قاع المحيط إلى مزيد من البحث والدراسة قبل تنفيذ الفكرة، وبموجبها يُحقن ثاني أكسيد الكربون المُركز في أعماق المحيطات، الأمر الذي قد يصاحبه مخاطر محتملة لا بد من دراستها جيداً.
هذهِ الأهداف يتطلب تحقيقها الكثير من العمل والمشاركة السياسية، بما أننا نعتمد جميعاً على المحيطات سواء كنا من سكانِ المدن الساحلية أم سكان المدن غير الساحلية، وسواء كنا نَصطاد أم نزرع أم نستهلك فقط.
ومن الممكن للدول أن تتوصل إلى الاتفاقات اللازمة لضمان صحة المحيطات، على أن تبدأ المناقشات بينها من الآن، إذ يتوجب على الجميع دولًا وأفرادًا العمل الجاد، وذلك بتقديم المصلحة العامة على الخاصة بما يعود بالنفع على المجتمع.