July 2010 No (27)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز 2010 العدد (27)
 

 

في ظل تهلهل الرقابة على المركبات
انبعاثات العوادم التالفة للسيارات تسرح وتمرح في السماء الفلسطينية

 

ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

يعتبر فحص عادم السيارة (الاوكزوست) المطبق في كثير من الدول،  أمراً مفصلياً في مسألة سلامة المركبات وقدرتها على العمل بسلاسة، عدا عن الهدف الأهم وهو التقليل من انبعاثات الغازات السامة على البيئة، ولكن في تجربتنا الفلسطينية التي تتأرجح بين التخفيف والتشديد في فرض القوانين، لا يعتبر الخلل في أنبوب العادم وما يخرجه من أبخرة داكنة بالمعضلة، ففي ظلّ عدم دقة ونزاهة الفحوصات الدورية للمركبات، يضحي مفهوما الأمان والسلامة غائبين عن طرقاتنا وسمائنا ومكونات الهواء الذي نستنشقه يومياً.


أبخرة داكنة واضحة للعيان   
سائق الحافلة حسام الذي يعمل على خط صفا-رام الله، يؤكد بأنه يجري فحصاً دوريا في الدينامومتر في رام الله لعادم حافلته الذي لا يشكو من أي مشكلة، مشيراً في الوقت نفسه إلى انه يرى دائماً حافلات ومركبات عوادمها تالفة من خلال انبعاثات الدخان القاتم منها، نافياً أن تكون حافلته قد أوقفت على إحدى الطرقات لغرض إجراء فحص للتأكد من سلامتها.
احمد يعقوب صاحب مرآب سيارات في رام الله، يقول أنه وبحكم ان السيارت التي ترتاد مرآبه جديدة ونمرة مقدسية( أي تخضع لشروط ترخيص مشددة من قبل مؤسسات الاحتلال) فلم ير عوادماً للسيارات تالفة، ولكن لا يخلو الأمر من خمس سيارات يوميا يكون جليا للنظر ان عادمها معطل، مشيراً إلى أن معظم السيارات القديمة عوادمها تالفة.


تساهل وعدم دقة في فحص المركبات
ولمتابعة الموضوع مع سلطة جودة البيئة وجّه وكيلها جميل مطور المجلة لاستقصاء المعلومات من وزارة المواصلات المسؤولة بالدرجة الأولى عن متابعة المركبات وترخيصها. من هناك تحدث إبراهيم العتر نائب مدير عام هندسة المركبات، عن وجود قانون خاص مقرون بترخيص السيارة يلزم فحص دخان المركبات وخاصة تلك التي تعمل على الديزل، دون أن يخفي حقيقة أن العديد من المؤسسات الفاحصة (الدينامومترات) أجهزتها معطلّة والعاملين على تلك الأجهزة غير مؤهلين كفاية لاستخدامها، عدا عن انتشار الواسطات والتساهلات في قضية إعطاء التراخيص دون الالتزام بالقوانين أو مهنية العمل.
ولأن الوزارة غير مجهزة بعد للمتابعة الشاملة والمستمرة على المؤسسات الفاحصة كما يقول العتر، تم مؤخرا تعميم قرار وزاري على جميع الدينامومترات بإدخال أجهزة حديثة تحوسب نتائج الفحوصات وفق مواصفات عالمية، مؤكداً انه تم التحديث بما نسبته 40%، والباقي يتم التشديد عليه لتغيير الأجهزة، متأملاً أنه بحلول عام 2011 ستربط أجهزة الفحص بنظام السوفت وير، بحيث تؤدي حوسبة الفحوصات الفورية إلى التقليل من عدم الدقة والمهنية لبعض المؤسسات.
ويستنكر العتر غياب دور سلطة البيئة في مسألة الرقابة على المركبات مستشهداً بدولة مصر كنموذج يوضح من خلاله دور سلطة البيئة هناك في سن التشريعات، فبعد دراسة أعدتها عن الوقود البديل (الغاز الطبيعي) ونجاعته في الحد من الانبعاثات السامة، شجعت على استيراد سيارات تعمل بالغاز، كما أقامت دوريات على الطرق لرصد المركبات تالفة العوادم.

 


الآثار البيئية لقطاع النقل
تشير د.ريم مصلح في دراسة تابعة لمعهد الصحة المجتمعية في جامعة بيرزيت، أعدتها عام  2006، إلى ان ملوثات الجو التي تنتج من قطاع النقل تتضمن الهيدروكربونات، اكسيدات النيتروجين، أول أكسيد الكربون، أكسيدات الكبريت، الأوزون التروبوسفيري، بالإضافة إلى مادة الرصاص وبعض المواد الدقيقة الأخرى كالسخام والغبار والقطع المتناهية الصغر من المواد الصلبة. محذرةً في الدراسة من مخاطر انبعاث مادة الرصاص عبر وسائل النقل نتيجة الاستخدام المكثف للوقود المحتوي على الرصاص، وخطر انبعاث  أكسيد الكبريت من مركبات الديزيل. الأمران اللذان يشكلان مصدرا للقلق، حيث تسبب مادة الرصاص مشاكلاً صحية جمة كونها احد أسباب تسمم الجهاز العصبي والذي يتراكم في الجسم بمرور الوقت ويؤدي زيادته إلى الإضرار بالدماغ، الكلى والجهاز التناسلي. كما يؤثر الرصاص على الأطفال حيث يؤدي إلى انخفاض في مستوى الذكاء لديهم، أمّا أكسيد الكبريت فهو أحد مسببات المطر الحمضي الذي يؤدي إلى تحلل المواد التي يتساقط عليها، كما انه يؤثر على النظم البيئية المائية، إضافةً إلى تأثيره على بيئة الكائنات الحية.
وتؤكد د. مصلح إلى انه يمكن الحد من ضرر هاتين المادتين عبر تخفيض محتوى الرصاص والكبريت في البنزين والديزيل، أو وقف استيراد وقود يحتوي المادتين، إضافة إلى تحسين العادم والمصافي المركّبة على المركبات، الأمر الذي يتطلب التنظيم والمراقبة من قبل السلطات.


الوقود المستورد يخضع للرقابة الفلسطينية
وعن نقاء الوقود وخلوه من الشوائب لتأمين عملية حرق سليمة في المركبة وبالتالي انبعاثات أقل ضرراً، أكدت فداء مشعل مديرة دائرة الرقابة وضبط الجودة في الهيئة العامة للبترول، أن الوقود المستورد من إسرائيل يخضع للفحص والمتابعة الدؤوبة من الهيئة بالتنسيق مع مركز بيرزيت للفحوص، عبر اخذ عينات عشوائية من صهاريج الوقود الإسرائيلية وفحصها للتأكد من سلامتها من أي شوائب، أو من قبل فنيين يجرون فحصاً نظرياً وذلك قبل انتقال الوقود إلى مستودعي نعلين وترقوميا اللذين يوزعا بدورهما الوقود للمحطات على امتداد الضفة الغربية، وتشير مشعل إلى انه تم إرجاع العديد من شحنات الوقود بسبب الاشتباه بكونها ملوثة وأقل من الجودة المطلوبة.
"يشترط في الوقود القادم إلى أراضي السلطة الفلسطينية ان يكون وفقا للمواصفات الإسرائيلية للوقود المطابقة للمواصفات الأوروبية" تضيف مشعل، بحيث يخلو من الشوائب، أو الرصاص والكبريت وذلك تشديداً على قرار فلسطيني بمنع استيراد أي وقود يحتوي على رصاص بقرار عام 2007 أو الكبريت بقرار صدر العام الذي يليه.


سيارات حديثة وصديقة للبيئة
وتشير إلى بعض الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون للهيئة حول بيع وقود ملوث ومليء بالشوائب، حيث تكتشف الهيئة بعد المتابعة وجود نقاط تعبئة غير مرخصة في المناطق النائية، يتم تهريب الوقود فيها من جهات إسرائيلية، مؤكدة ان الوضع الآن في تحسن وهناك سيطرة على وقود المحطات بنسبة عالية.
وتنوّه مشعل إلى أن السيارات الحديثة بدءاً من عام 2004 قد حلّت جزءاً من المشكلة، فقد تم تصنيعها وفق نظام (اليورو 5) بحيث تساعد أجهزتها على حرق أفضل للوقود من حيث امتصاص أول أكسيد الكربون والرطوبة والتقليل من انبعاثات الغاز الضارة، فتعتبر صديقةً للبيئة.


مبادرة بيئية وزارية لم تر النور بعد
يتزايد الحديث عالمياً وخاصةً في السنوات الأخيرة عن إمكانية تسيير المركبات بالوقود البديل للتخفيف من التلوث البيئي، وفي الأراضي الفلسطينية تم مناقشة هذه الفكرة العام الماضي خلال مؤتمرٍ نظمه البنك الدولي بالتنسيق مع وزارة المواصلات، وعن هذه المبادرة استعرض محمد عموص المسؤول الإعلامي في وزارة المواصلات محتواها، مشيراً إلى أنها ظلّت حبراً على ورق كونها لم تجد لها أرضية لتستكمل على ارض الواقع عدا عن احتياجها إلى تهيئة واستعداد كبيرين.
وحول الدراسة أشار عموص بأنها طرحت فكرة استخدام الغاز الطبيعي كوقود للسيارات خاصة أنه وقود نظيف و صديق للبيئة على العكس من استخدام وسائل الوقود الأخرى، حيث أن النسبة المنخفضة للكربون في الغاز تجعل نسبة ( CO ) المنبعثة من المركبات المسيرة به 20%  أقل مقارنة بالمركبات التي تسير بالجازولين. ومن مزاياه أن حجم الاحتراق الداخلي في وقود الغاز يختلف عن البنزين مما يجعل سرعة السيارة أسرع في حالة استخدام الغاز، وأنّ ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة يحدّ من تجمد الغاز داخل أنابيب السيارة مما يجعله وقودا مناسبا، كما أنّ أعطال نظام الغاز الطبيعي ليست كبيرة و يمكن تداركها إذا أحب السائق العمل بهذا النظام؛ حيث يجب عليه التحلي بالصبر خاصة في الصباح الباكر في أشهر الشتاء، بسبب صعوبة تشغيل محرك السيارة بالغاز الطبيعي الذي يتجمد متأثرا ببرودة الجو، إلا أن من المخاطر وجود اسطوانة للغاز في حقيبة السيارة الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث انفجار.


رؤية عالمية لمركبات بيئية
ومن الجدير ذكره الإشارة إلى مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة لدول الاسكوا في جوهانسبرغ، آب، عام 2002 حيث ناقش انبعاث الغازات الضارة من المركبات والتي تؤثر في تغير المناخ فضلا عما يرتبط بها من تأثيرات محلية، كتلوث الهواء والإضرار بالصحة العامة. وبناءً عليه دعا المؤتمر إلى وسائل تقنية من شأنها ان تخفف من ضرر انبعاثات المركبات كتحسين صيانة المركبات ما يؤدي إلى رفع الكفاءة و خفض استهلاك الوقود، إضافة إلى إطالة عمر المركبة، مما ينتج عنه خفض كبير في انبعاث غازات الدفيئة. وإدخال تقنية الغاز الطبيعي المضغوط في المركبات، أو استخدام أساليب تتوفر حالياً لتحسين نوعية الوقود المستخدم في المركبات وهي:
(أ) استخدام الجازولين المحسن (Refomulated ) والمصنع بمزج كميات أقل من المواد الهيدروكربونية مع كفاءة أعلى للاحتراق.
(ب) وضع حدود لتبخر الجازولين ( Volatility Limits ) ذلك للحد من الانبعاثات الناتجة عن تبخر المواد الهيدروكربونية السامة من الوقود المحترق.
(ج) وضع حدود على مادة الكبريت (Sulphur Limits ) في وقود الديزل, الأمر الذي من شأنه أن يقلل من انبعاث الملوثات الجوية السامة من المركبات.
(د) الوقود الممزوج بالأكسجين (  Oxygenated Fuel ) والذي ينتج بإضافة مواد تؤمن كميات إضافية من الأكسجين، و تؤدي إلى احتراق كلي للوقود، وخفض انبعاثات ) CO ).

كما طرح المؤتمر إمكانية استخدام المركبات الكهربائية التي يتم تسييرها بالبطاريات الكهربائية المشحونة من مصدر للكهرباء. و بالرغم من أن هذه المركبات بذاتها لا ينتج عنها انبعاث للغازات، إلا أن وحدات توليد الكهرباء المستخدمة تنتج انبعاثات قد تفوق تلك الخاصة بالمركبات التي تستخدم الوقود العادي، عدا عن كلفتها العالية ومحدودية الفترة التشغيلية للبطارية، عدا عن أضرار مادة الرصاص الناتجة عن تصنيعها على البيئة. كما اقترح المؤتمر إنتاج مركبات خلايا الوقود المنتجة للهيدروجين، هي معدات الكتروكيميائية تقوم بإنتاج الهيدروجين من الوقود مثل الغاز الطبيعي أو الميثانول، أو من التحليل الكهربائي للمياه، ثم يستخدم الهيدروجين مع الهواء لإنتاج الكهرباء التي تستخدم في تسيير المركبات.
كما أوصى مؤتمر الاسكوا بسياسات وإجراءات إدارية للتخفيف من أخطار انبعاثات المركبات، مع تحسين أنظمة المرور وتشجيع استخدام النقل العام، والحد من ملكية السيارات، بالإضافة إلى تحسين أساليب تخطيط المدن ما يسهم في تحقيق انسياب أفضل للمرور.

القاهرة نموذجاً
وفي مجال استغلال الغاز الطبيعي المضغوط تمت أول تجربة لاستخدامه في القاهرة عام 1992. و بناءً على نتائج التجربة الأولى، تبنى قطاع البترول بمصر برنامجاً طموحاً لإدخال تقنية الغاز الطبيعي المضغوط إلى المركبات، و قد ارتفع عدد المركبات المسيرة بالغاز الطبيعي في مصر إلى عشرات الآلاف، وازداد عدد محطات التزويد بالغاز الطبيعي، إضافة إلى عدد من الورش الخاصة بصيانة هذه المركبات.

 

التعليقات

إلى متى سنبقى تحت رحمة عدوين:  التلوث الهوائي والتلوث الاحتلالي؟
عاصي عاصي

 

ماذا عساها سلطة البيئة الفلسطينية فاعلةإزاء هذا التسيب البيئي المدمر لصحة
أطفالنا وبيئتنا؟
عماد قرواني

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية