البناء في غزة بنكهة عنوانها التدوير وتحدي الحصار
أصحاب معامل الطوب: الركام معول بناء والإبداع الفلسطيني لن توقفه الآلة العسكرية

سمر شاهين / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
جعلوا الإبداع عنواناً لهم، تحايلوا على الحصار، سائرين نحو إعادة إعمار مدينتهم رغم قرار الاحتلال الإسرائيلي بمنع إدخال المواد اللازمة لعملية الإعمار إلى قطاع غزة منذ أربعة أعوام، وكلما اشتد الحصار على الغزيين، زاد ابتكار البدائل التي تساعدهم على العيش بكرامة دون السؤال وطلب الحاجة، حيث تفنن أهالي القطاع مؤخراً منتهجين مبدأ "الحاجة أمّ الاختراع" عبر استغلال ركام المباني المهدمة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، في عملية إعادة البناء.
تتم هذه العملية عبر تحطيم الكتل الخراسانية من ركام المباني المدمرة وتحويلها إلى حصى صغيرة يمكن إعادة استخدامها في صناعة طوب البناء، بالإضافة إلى ما توفره تلك الكتل من حديد يعاد تعديله ليستخدم مجدداً في البناء، مع إدراك خطورة الركام لما يحمله من مواد كيماوية نجمت عن الأسلحة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة.

مهنة شاقة
ومن بين الكسارات وأكوام الركام وسُحب الغبار وضجيج ماكينات تكسير الحجارة، رصدت مجلة أفاق البيئة صبياً ينهمك في تفريغ كومة من قطع الباطون من عربة يجرها حمار ليبيعها لصاحب مصنع مواد بناء في بلدة بيت حانون شمال القطاع.
الصبي محمد ابن 15 عاماً، هو واحد من مئات الفلسطينيين ممن يعملون في جمع ركام المباني المدمرة، لبيعها لأصحاب المصانع التي بدورها تطحن هذه الحجارة، وتعيد استخدامها في صناعة الباطون وحجارة البناء.
يقول "أجمع حوالي7 عربات في اليوم وأبيع كل واحدة منها بنحو 10 شيقل وذلك لكي أعيل أسرتي.
بداية الحكاية!!
"وأخيراً، امتلك غرفة وحمام لأتمم زواجي لاسيما وأن فترة الخطوبة تجاوزت العام والنصف" بهذه الكلمات تحدث المواطن عرفة عبد الرحمن الذي عقد قرانه قبل الحرب بفترة وجيزة دون أن يتمكن من استئجار شقة ولاسيما لأن الأسعار في ارتفاع جنوني، من جراء قلة المساكن من ناحية والهجرة من الجنوب والشمال إلى المدينة،
حيث ينوه عبد الرحمن إلى أن الغزيين باتوا قادرين على تدوير كافة المواد، مستذكراً كيف كانت أكوام الركام تشكل حملاً ثقيلاً لدى المسؤولين والمواطنين في ظل عدم معرفة طريقة التخلص منها، أما اليوم فقد أصبح الحصول على الركام حلماً يراود العديد ممن امتهنوا مهنة بيعه، إضافة إلى الذين يستخدمونه في تشغيل مصانع الطوب بعد توقف عن العمل اقترب من عامه الرابع بسبب الحصار الإسرائيلي الذي منع إدخال المواد الإنشائية إلى القطاع.

ويدور الترس
ومن المتضررين من أصحاب المصانع في جنوب القطاع، قال نائل بركة: " تمكنا من إعادة تشغيل المصنع بعد أربع سنوات من إيقافه؛ إن الحاجة التي حثتنا على التفكير الجيد كانت السبب الرئيس في توافر الحصى اللازمة لإنتاج طوب المباني".
وعن نوعية الحصى المعاد تصنيعها من كتل الخرسانة يعترف بركة بأنها أقل كفاءة من الحصى الاعتيادية، إلا أنها أسهمت في حل مشكلة كبيرة، لاسيما لأن قطاع غزة يعاني من أزمة، ولو حلت مسألة الإسمنت جزئياً عقب تهريبها من الأنفاق.
كما عكف صناعيون وتجار يعملون في قطاع الصناعات الإنشائية إلى الاستعانة بإعادة تدوير الحصى بكسارات مصنعة محلياً لاستخراجها بمختلف الأحجام من الركام لإعادة استخدامها في صناعة طوب البناء ولاسيما لأن القطاع يفتقر إلى ذلك.
التكسير من أجل الترميم
أما المواطن أحمد فرحات فيمتلك في بيته قالباً لصناعة حجر الطوب حيث يعمل على تصنيع هذه الأحجار داخل منزله لبناء إضافات توسعية للبيت، وعن هذه المهنة المستحدثة يقول:" اعمل على شراء ركام المنازل التي أكسرها في البيت بصحبة أبنائي ومن ثم أقوم بتصنيع أحجار الطوب".
كما يشير فرحات إلى أنه يعمدُ إلى صناعة هذه الأحجار في أيام الإجازات حيث يوفر على نفسه الكثير من الأموال ولاسيما لأن الحجر يكلفه "1.7" شيقل، في حين تبلغ قيمة الحجر من السوق المحلية "4" شيقل .
وينتظر فرحات بفارغ الصبر فك الحصار منذ أربعة أعوام حتى يتنفس القطاع الصعداء مجدداً ويُسمح بإدخال مواد البناء، ولاسيما لأنه يعيش مع أسرته في بيت صغير لا يتسع فعلياً لأكثر من ثلاثة أفراد فكيف بأسرة معظم أبنائها في مرحلة الشباب؟

شواهد قبور من الزينكو
ولأن الإسمنت مادة أساسية تدخل في كثير من أمور البناء، عانى أهالي القطاع أيضاً من عدم القدرة على بناء قبور موتاهم، حيث عكف المضطر منهم إلى الاستعاضة عن القبر الحجري بألواح من الزينكو المهترئة في ظل النقص الحاد في الإسمنت والحديد.
صناعة جديدة
المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الإنشائية، فريد زقوت، وصف استغلال الركام لأغراض البناء بالصناعة الجديدة التي بدأت تطفو على السطح وتعتمد بشكل رئيس على ركام المباني التي دمرها الاحتلال خلال الحرب، مبيناً أن عشرات الكسارات محلية الصنع تعمل منذ أشهر في هذه الصناعة.
وأشار زقوت إلى أن عدداً من أصحاب مصانع الطوب لجؤوا مؤخراً إلى الاستعانة بالكسارة المصنوعة محلياً لتمكينهم من استئناف نشاطهم في إنتاج الطوب، موضحاً أن كلفة الكسارة المحلية تتراوح بين (2000 - 5000 دولار)، أما طاقتها الإنتاجية فتعتمد على مستوى كلفة إنتاجها، إذ تتراوح قدرة هذه الكسارات بين 15 طناً - 30 طناً في اليوم الواحد، فيما تتجاوز قدرة الكسارات المستوردة والمستخدمة للغاية ذاتها أكثر من 150 طناً، إلا أن عدد هذه الكسارات لا يتجاوز الأربع في القطاع.
ولفت زقوت الانتباه إلى أن نحو 40 مصنعاً من مصانع الطوب العاملة في القطاع لجأت إلى استخدام هذه الكسارة، مستعينة بأصحاب عربات الكارو في عملية تجميع الركام وإيصاله إلى المصنع، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من أصحاب العربات والشاحنات امتهنوا في الآونة الأخيرة مهنة تجميع ركام المباني وبيعه إلى أصحاب الكسارات.

بارقة أمل تنبعث من الركام
محمود عدوان، صاحب مصنع بلوك لم يسلم تباعاً من الحصار حيث لحقت الخسارة بمصنعه وذلك نتيجة عدم دخول المواد اللازمة لصناعة البلوك من حصمة وأسمنت، ولكنه مع عملية تدوير الركام عاد ليعمل وينتج البلوك ولو بوتيرة أقل من السابق.
ويتابع حديثه قائلا : ” لقد بدأت الفكرة بعد الحرب على غزة والتي خلفت آلاف المنازل والمواقع المدمرة؛ فأرادت الحكومة التخلص من آثار الدمار، فاستغل بعض أصحاب مصانع البلوك الفرصة لاستعمال هذا الركام ” .
وبشرح طريقة العمل فيقول:" نعمل على تجميع الحجارة المتبقية من ركام المباني حيث نذهب بالحجم الكبير منها إلى الكسارة فتقوم بتجزئتها وتحجيمها إلى مقاس أصغر نحو 30 سم ، ومن ثم نأخذ هذه القطع إلى كسارة أصغر فتخرج حجارة بمقاس من 8 إلى 10 سم ثم تفتت، وتنقل إلى المرحلة الثالثة وهي التنعيم؛ وبذلك تصلح للاستخدام كحصمة".
ويضيف عدوان أن الحصمة الناتجة عن التنعيم تؤخذ إلى مصانع البلوك حيث يضاف لها كمية من الإسمنت تزيد عن الكمية المفترضة للبلوك العادي، وبهذه المراحل جميعاً تتم صناعة البلوك من مواد الركام .

لجأت البلديات أيضاً في القطاع إلى استخدام مواد البناء المصنعة من ركام المنازل ويقول: في هذا الصدد المهندس عطا السيقلي، مدير إدارة إعداد وتطوير المشاريع بالبلدية، إن أسباب العمل بهذا المشروع جاء نتيجة منع إدخال مادة البيس كورس من قبل سلطات الاحتلال والتي تستخدم في الرصف؛ مما حال دون دخول المواد المستعملة في رصف الطرق وغيرها .
ويضيف أنه نتيجة للحصار لم يكن بد من إيجاد بديل آخر؛ لذا قامت البلدية وبالتعاون مع قسم الهندسة في الجامعة الإسلامية بدراسة المشروع من الناحية الفنية والاقتصادية، التي ثبت عدم إضرارها بالبيئة أو بالمجتمع.
هذا وأكد الأستاذ الدكتور شفيق جندية؛ عميد كلية الهندسة وأستاذ هندسة الطرق والمواصلات في الجامعة الإسلامية، أنه يمكن استخدام الحصوات الناتجة عن تكسير الركام في رصف طبقات الأساس للطرق تحت شروط معينة، لافتاً النظر إلى نجاعة استخدام هذه المواد في ترصيف الطرق .
كما أوضح جندية أن استخدام أي مادة إنشاء يقتضي أن تتوافر فيها الخواص الفنية والاقتصادية والبيئية، مرتكزاً في حديثه إلى أبحاث تم إجراؤها في مختبرات المواد والتربة في كلية الهندسة .
ومن الجدير ذكره الإشارة أنه في مارس 2009 عُقد مؤتمر في شرم الشيخ، رصد خلاله مشاركون دوليون 4.5 مليار دولار لإعادة إعمار غزة. لكن منظمة الصليب الأحمر قالت في تقرير لها إن المبلغ الذي تعهدت البلدان المانحة بتخصيصه لعملية إعادة الإعمار، لن يجدي نفعا ما دامت مواد البناء وغيرها من المواد الأساسية لا تدخل إلى قطاع غزة.
يسلموا الايادى اللى بتعمر وهلاك للايادى اللى بتدمر رغم الصعاب سنظل
واقفين ولن نركع
نورا
هذا حقا شعب الجبارين الذي لم ولن يستكين للظلم والبلطجة الإسرائيلية...يل
يصر على التحدي والابتكار...فكل ثرثرة أهل البيئة الفلسطينيين والعرب عن
تدوير النفايات لا تساوي حدرا صغيرا من ركام المنازل المهدمة التيأعيد
تدويرها في غزة ...
ثائر حاوي
إنه نموذج بيئي مثير، لا بد للبيئيين العرب أن يتعلموا منه.
سلامة ملاوي
|