خاص بآفاق البيئة والتنمية
المهندسة الزراعية الشابةسندس عمر تشرح لمجموعة شبابية عن فكرة مشروعها زراعة فاكهة التنين
عاشت "سندس عمر" دوامة البحث عن وظيفة لسنوات، لكنها أبت أن تيأس، استجمعت شجاعتها وقررت تأسيس مشروعها الزراعي في قريتها "فرعون"، التي يحاصرها جدار الفصل العنصري بمحافظة طولكرم.
تخرجت المهندسة الزراعية الشابة في أول دفعة من جامعة فلسطين التقنية "خضوري" عام 2015، لكنها لم تحظَ بفرصة عمل، ولفترة قصيرة عملت في مشتلٍ لم يعاملها بما يليق بمهندسة زراعية، واكتفى بمنحها أجرة زهيدة، وفي تلك التجربة صُدمت باستخفاف الفلاحين والمشترين بنصائحها، والسبب "أنها فتاة".
فاكهة التنين
الفاكهة الغريبة
لم تستسلم سندس، وانطلقت تبحث هنا وهناك عن مشاريع دعم لتمويل مشروع زراعي خاص، كل ما تبادرَ إلى ذهنها حينها أفكار تقليدية مثل زراعة التوت الأرضي والمانجا، لكنها لم تلقَ قبول المانحين.
وفي عام 2021 تقدمت بثقة وعزم لمبادرة "نجاحها" المكرّسة لدعم الرياديات الشابات، والتي نفذّتها مؤسسة "إنقاذ الطفل" بالشراكة مع جمعية الإغاثة الزراعية ومركز العمل التنموي "معًا"، وكان قوامها الدمج بين التدريب وتقديم منحة مالية لتنفيذ مشاريع طموحة.
تخبر سندس مراسل "آفاق البيئة والتنمية" قائلة: "في صلب تخصصي اخترت فكرة ترتكز على الزراعة والبيئة، تحمّستُ لإدخال فاكهة التنين الاستوائية إلى طولكرم. ويا لها من مفارقة، كنت ألمح ثمارها أحيانًا في الأسواق، ولم يسبق لي تذوّقها، أخذت أجمع المعلومات عن هذا النوع الغريب من الفاكهة عبر شبكة الإنترنت، وأدهشتني فوائدها الصحية".
هذا الكنز من الفيتامينات والمعادن، الذي له مزيجُ مذاقٍ يشبه الكيوي والبطيخ، بحثَت سندس طويلًا عن أشتال منه دون جدوى، إلى أن وجدت مبتغاها عند مصدر في الداخل المحتل.
وتضيف: "استرعى انتباهي أن الناس لا يقبلون على شراء فاكهة التنّين بسبب ارتفاع ثمنها، إذ تباع الثمرة الواحدة أول الموسم بـ 15 شيقلًا، وتنخفض آخره إلى 10 شواقل".
جدار وأشتال
بدأت ملامح مزرعة سندس بالظهور في أغسطس/ آب الماضي، إذ غرست 120 شتلة في براميل، على امتداد 500 متر من أرض عائلتها الملاصقة لجدار لفصل العنصري.
كان عليها أن تنتظر بفارغ الصبر إكمال 20 شهراً لرؤية بواكير فاكهتها، فغرست 3 أو 4 شتلات في كل وعاءٍ أزرق، واليوم صارت تنتج أشتالًا بعد أن ابتاعت أول دفعة من الداخل المحتل بـ 20 شيقلًا للواحدة.
وقبل الموافقة النهائية من قِبل مبادرة "نجاحها" على فكرتها تلّقت التدريبات اللازمة.
تحكي لنا عن تلك المرحلة: "كان هاجسي توفير الأشتال، سألت في كل مكان قد أجد فيه طلبي، إلى أن وفقني الله في الوصول إلى مصدرٍ في الداخل المحتل بواسطة مهندس زراعي من قريتي".
مزرعة فاكهة التنين للمهندسة الطموحة سندس عمر في قرية فرعون قضاء طولكرم
20 ثمرة
وبحسب حديث المهندسة المبادرة، تعطي كل شتلة 20 ثمرة تقريبًا في الموسم، وهي مُعمرّة وتشبه الصبّار وتزن الواحدة بعد نموها الجيد 1000 كيلو غرام، وتُروى كل أسبوع أو عشرة أيام، وتحتاج إلى حرارة، ويمكن أن تصاب بالعفن والبياض الدقيقي.
وتبوح بمخاوفها: "لن يكون سهلًا تسويق فاكهة لا يعرفها معظم الناس، في حين تشهد إقبالًا أكبر في فلسطين المحتلة، وعلى أي حال لن أضيّع الوقت، سأبدأ فورًا في الترويج لها".
فيما يثير قلق سندس، قرب مزرعتها من جدار الفصل العنصري، وحركة العمال هناك، وفضول بعض المارة، مضيفة: "في كل يوم أدعو ربي ألا تسقط على المحصول القنابل الحارقة التي يلقيها الاحتلال بين وقتٍ وآخر".
ومن المقرر أن تقدم المبادرة منحة مادية ومعدات لكل مستفيدة، حيث تبلغ قيمة المشروع 5600 دولار، في حين يُخصص 15 ألف دولار للجمعيات التعاونية.
نجاحات ناعمة
وأبصرت "نجاحها" النور عام 2018 ومن المقرر أن تنتهي العام الجاري، وتشمل طولكرم، وجنين، ونابلس، وطوباس، والأغوار الشمالية، وأريحا، والأغوار، وقطاع غزة.
وتستهدف المبادرة الرياديات اللاتي تتراوح أعمارهن بين ( 19 و 29 عامًا) لتنفيذ مشاريع ترتبط بالقطاع الزراعي أو الحيواني أو البيئي والتصنيع الغذائي، على أن تخضع المستفيدات لتدريبٍ مدته 6 شهور، إلى أن يصبحن بمقدورهن التنفيذ.
يساعد أمين عمر زوجته سندس في عملها، وهو خريج "تكنولوجيا معلومات"، ويتطلعان إلى زراعة أصناف أخرى لا تؤثر على الفاكهة الاستوائية مثل الزعتر، والخس، والنعناع داخل الدفيئة للحصول على دخل إضافي، وعلى لائحة أحلامهما زراعة الفاكهة النادرة حول منزلهما، وتكثير الأشتال وتسويقها.
وسندس أم لطفلين، تأمل من أعماق قلبها أن تُكلل تجربتها بالنجاح على غرار صديقتها وزميلة الدراسة هديل قشوع، التي زرعت الزنجبيل في بلدة علار في طولكرم، وواجهت مشكلة في التسويق.
وختام الحديث على لسانها: "أتمنى أن تغير الجامعات سياساتها، بدعم الخريجين وتشجيعهم على الانخراط في سوق العمل وتنفيذ مشاريع إبداعية تلبي حاجة السوق".
المهندسة الزراعية سندس عمر