خاص بآفاق البيئة والتنمية
الدخول إلى قرية وادي فوكين التي تبعد 9 كيلومترات عن مدينة بيت لحم إلى الجنوب الغربي، أشبه باختراق عنق زجاجة، فهي محاطة بالمستوطنات من ثلاث جهات، و97% من أراضيها منطقة جـ فلا توسّع عمراني ولا أمان. في القرية قصص مزارعين هُجِروا من أراضيهم وآخرون خسروا جزءاً كبيراً منها بفعل المستوطنات ومخلفاتها، لكن في المقابل للقرية قصة مثيرة لمعنى حق العودة، حيث عاد معظم اللاجئين إليها أوائل السبعينيات وسكنوها بعد أن هجرتهم عصابات الهجاناة عام النكبة.
لدعم ومناصرة القرية والتعرف على نوع الصمود الذي يواجهه أهلها الذين يبلغ عددهم 1432 نسمة، تم تنظيم جولة من قبل المجموعة الطوعية الايطالية (GVC) استهدفت الصحفيين في نوفمبر الماضي. كانت ساعات قليلة خلال الجولة ولكنها كانت كفيلة بفهم حقيقي لمعنى الأرض المهددة والتلة التي بتر أعلاها لاستقبال مستوطنة جديدة، ففي الوقت الذي كانت فيه جرافات المجموعة الايطالية تسوي الأرض المُخطرة بالمصادرة لتؤهلها لمزارعي القرية فيثبتون وجودهم فيها، كانت الجرافة الإسرائيلية على بعد أمتار تقوم بدورها الاستيطاني لبناء مخطط جديد لم يستطع أهل القرية تحديد طبيعته بعد، أهو مستوطنة، أم شارع التفافي، أم معسكر تدريب أم برج مراقبة.
من هناك تحدث ممثل عن المنظمة أحمد أبو دية ومن حوله صاحب ارض سبعيني "أمين مناصرة" مع زوجته وأبنائه الذين جاءوا ليروا سير العمل في أرضهم، يشير أبو دية إلى أن مشروع استصلاح الأرض المهددة (40) دونماً يشمل شق طرق زراعية مسافة كيلومتر، بناء سناسل ومد خطوط مياه وتوزيع أشجار زيتون. وتجنباً لهدم بئر ماء أعلى التل تم إيصال الماء من الأسفل للأعلى عبر مضخة من عين القرية.
استصلاح الأراضي في وادي فوكين لتثبيت المزارعين في أراضيهم وتحدي الاحتلال
كنز الفلاح وسلاحه
مع السبعيني مناصرة، لا يمكن تجنب الدخول في بوابة الزمن حيث يعيد المستمع بسرده للذاكرة الشفهية إلى والده الثري الذي اشترى قبل النكبة بسنوات نصف أراضي القرية ب"100" ليرة ذهب فرنسي، ولكن ومع تبدل الحال، ذهب معظمها ولم يبقَ إلا عشرات الدونمات، ومنها تلك التي يتواجد فيها اليوم على بعد أمتار من المستوطنة.
يتحدث الحاج أمين وهو يشير إلى الوادي الأخضر السهلي الموشى بالمزروعات تنتصفها برك مياه انعكست عليها الزرقة السماوية فأضافت مشهداً ساحراً للوادي، بأن البرك تتجمع من عيون القرية التي توزَّع على أصحاب أراضي الوادي حسب التقسيم الزماني، ويوجد في القرية سبعة ينابيع وهي: عين البلد، عين مغارة، القُدُس، التينة، صدّيق، عين الفوار، عين فراش، والتي ساهمت في الماضي بتوفير منتوج سنوي وفير من الخضار كالخس والملفوف والباذنجان البتيري والفجل والسبانخ، إلا انه تأثر لاحقاً نتيجة جفاف الينابيع بفعل التدمير والسرقة الإسرائيلية.
وحول عدم الخوف من جرف الطريق والسناسل والشجر من قبل الاحتلال خاصةً أن التاريخ فيما يتعلق بمشاريع مناطق جـ اثبت تعرضه للهدم مراراً وتكرارا ، فأكد أن منظمته لن تيأس وستواصل استصلاح الأراضي، لأن وظيفتها دعم أهالي المناطق المهشمة.
"يتم تهريب دخول وخروج آليات الحفر الموجودة على الأرض، تعرضت الجرافة الخاصة بنا "الباجر" للمصادرة في السابق لكن إجراءات التنفيذ التي تستغرق عدة أشهر تجعلنا ننجز عملنا قبل أن يسحب الباجر" يقول أبو دية مشيراً لأعلى التلة المبتورة حيث ينوون المغامرة في الاستصلاح.
يضيف أبو دية: "تمطر القرية على السكان وبفعل النشاط الاستيطاني كتلا من الحجارة، حيث يفجر الاحتلال رأس التل بالديناميت ما سبب تدميراً في البنية التحتية للمباني والمنازل والمدارس إضافة لتدمير المناطق الزراعية والمنشآت المائية القريبة.
اشتهرت قرية وادي فوكين بينابيعها الغنية
نبذة عن وادي فوكين
وادي فوكين أو الشوك كما يقال عن سبب التسمية، حيث يحدها من الشرق قرية نحالين، وحوسان من الشمال، وخط الهدنة لعام 49 من الغرب، وقرية الجبعة إلى الجنوب، تبعد نصف كيلو متر عن مستوطنة بيتار عيليت وهي شبه محاطة بأراض معلنة من قبل إسرائيل كأراضي دولة وطريق التفافية وحاجز عسكري ومنطقة تدريب، إلى جانب قاعدة عسكرية إسرائيلية.
غنى وادي فوكين بالأراضي الزراعية التي تعكس إنتاجية جيدة من العنب والفواكه واللوز وزيت الزيتون، جعل أهلها ممن لجأوا إلى مخيم بالدهيشة عام 1958 بالتوجه بشكل يومي لأرضهم لزراعتها وإبقاء أعينهم عليها حتى عادوا إليها رويدا رويداً عام 1972، لكن معنى النصر بالعودة ما لبث بعد عقد من الزمان أن جوبه باستيطان شرس بدأ عام 1982 .
الزائر للقرية يجدها أشبه بالجزيرة، تحيط بها 3 مستوطنات تسور هداسا، بيتار عيليت وبيتار هدار. في عام 1948، تم مصادرة 6000 دونم ، في عام 2014 تم مصادرة 60 دونما لتوسيع مستوطنة بيتار عيليت، وتم تسوية 1350 دونم من أراضي وادي فوكين في الثلاث سنوات الماضية لبناء منطقة صناعية لمستوطنة تسور هداسا مع إجمالي 1410 دونم وعملية المصادرة لا تزال مستمرة، حيث أن هناك مخططاً جديداً لبناء منطقة صناعية بين مستوطنتي”بيتارعيليت” شرقا و”تسور هداسا” غربا ومخطط لاستكمال البناء في مستوطنة”بيتار عيليت- ج
"مساحة وادي فوكين التاريخية كانت تزيد عن 17 ألف دونم، هي اليوم 3 ألاف دونم نصفهم تم إبلاغنا مؤخرا أنها مهددة بالمصادرة " يقول أحمد أبو سكر رئيس مجلس بلدي القرية.
الطبيعة الخلابة في وادي فوكين
المجلس البلدي يحذر...ولكن !!
السكر شاب ثلاثيني يتحدث إلى الوفد الصحفي عن القرية بحماس وانتماء ملحوظ، فعدا عن كونه ابنها، فهو يرى فيها قصة تحدٍ وصمود بدءاً من العودة بعد اللجوء الأول، إلى الصمود أمام محاولات خلق لجوء ثانٍ ما يدلل على ارتباط عميق بالأرض.
وذكر أن المصادرات والانتهاكات شبه يومية والتوسع الاستيطاني على مدخل القرية من جميع الجهات سبّب أضرارا بيئية ديموغرافية، حيث تم حصر الناس في 200 دونم باعتبار أن باقي الأراضي حسب أوسلو هي منطقة جـ. ولفت إلى أن القضايا المرفوعة في المحاكم ضد إخطارات مصادرة أراضي بدأت منذ 16 عاماً، وآخرها يتعلق بتهديد إقامة طرق زراعية وملعب ومتنزه أقيما للترفيه عن شباب وأطفال القرية.
"سياستنا كأهالي القرية أن نبقى متواجدين على هذه الأرض، وأفضل رابط للبقاء هو زراعتنا لهذه الأرض واستصلاحها "
"أمام هذا الواقع الذي يهدد القرية بالبتر، ما خطة الحكومة للعمل من أجل الحفاظ على تلك الدونمات، وما دورها لانتزاع حقنا في توسيع المخطط الهيكلي للقرية؟ هناك تقصير واضح واستجابة خجولة في مسألة الاستيطان". يقول السكر مشيرا إلى رجل ستيني كان يجلس في غرفة المجلس واصفا إياه بالمثابر حيث استطاع الحفاظ على أرضه عبر زراعتها ودوام رعايتها منذ 16 عاماً فحماها بالإضافة للقضاء من المصادرة.
|
|
المياه العادمة تتدفق من مستعمرة بيتار عليت نحو أراضي وادي فوكين |
جرافتان متجاورتان في وادي فوكين الأولى فلسطينية لتعزيز الصمود الفلسطيني والثانية (الأبعد) إسرائيلية لتعزيز الاستيطان الصهيوني |
قصة نجاح مزارع
هو عوني المناصرة موظف متقاعد في وزارة الزراعة يعرف كل تفصيلة عن القرية، يشرح في معرض الحديث أن الاستيطان أولاً وعوامل أخرى ساهمت في ابتعاد الفلاح عن أرضه منها: انتقال الأيادي من الزراعة إلى العمالة داخل إسرائيل، غياب الدعم المالي والفني للمزارعين لاستصلاح الأراضي وخاصة الوعرية منها، ضعف المردود من الزراعة مقابل تكاليف الإنتاج، جهل الناس وعدم شعورهم بأهمية الأرض. غلاء المخصبات، أمراض التربة المنتشرة كالفطريات والأعشاب الضارة وزيادة الملوحة وتأثيرها على الإنتاج، فعلى سبيل المثال يقول مناصرة: " تدهور التربة ضرب إنتاج اللفت في القرية من 7 طن إلى نصف طن فقط".
"ورثت من والدي حب الزراعة، كان لا يوفر أي سم مربع أو حفرة أو مرتفع إلا وكان يزرعه بالقمح" يقول عوني.
|
|
الزراعة في وادي فوكين مقاومة |
يقول إبراهيم مناصرة بأن جميع هذه الأراضي في وادي فوكين كانت ملكه ولم يبق منها حاليا سوى بضعة دونمات قليلة |
لعنة مجاري الستوطنات
عن الجانب البيئي، لا يخفى على الكثيرين تعامل المستوطنات مع الأراضي الفلسطينية كمكبات لمجاريها ونفاياتها، والأمر ليس استثناءً في وادي فوكين، يضيف رئيس البلدية " سكر" عن مخلفات المصانع والمياه العادمة والتي تتدفق لأكثر من 10 سنوات باتجاه منطقة محددة جنوب القرية. "امتنع المزارعون عن زراعة أراضيهم التي تستقبل أنابيب المجاري، فبارت وخسرنا قيمة كان من الممكن أن تهب الكثير".
ولفت سكر إلى انه وبعد فحوص مخبرية عديدة فقد ثبت أن الأرض والمياه تضررت وتلوثت في منطقة مساحتها 100 دونم، والمستقبل يهدد مزيداً من الأراضي ويعد بمخاسر اقتصادية للقرية.
يواجه أهالي وادي فوكين المستعمرة الزاحفة على قريتهم من خلال زراعة أراضيهم