باريس / خاص: قبل أسبوع على "قمة باريس الدولية للمناخ" قدمت 170 دولة خططها الرامية إلى تقليص انبعاثات غازات الدفيئة (الغازات المسببة للإحتباس الحراري) المفترض تطبيقها في نحو عقد، لكن يبدو أن هذه التعهدات ما زالت دون المستوى المطلوب للحد من ارتفاع حرارة الارض عند مستوى درجتين فقط.
وفي حال التزمت الدول فعلا بتعهداتها هذه على أكمل وجه، لن يكون بالإمكان الحد من الارتفاع في حرارة الارض عند مستوى درجتين مئويتين مقارنة مع ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، بل عند ثلاث درجات، وذلك بحلول العام 2100.
اما ان لم تبذل الدول جهودا في هذا المجال، وظلت الأمور على ما هي عليه الآن، فان الارتفاع قد يصل إلى اربع درجات او خمس.
وهذه الدول المئة والسبعون التي قدمت تعهداتها مسؤولة عن أكثر من 90% من انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة. وترتيبها بحسب مسؤوليتها عن الانبعاثات على الشكل التالي:
أولا الصين: تعد الصين أكبر مصدر في العالم لانبعاثات الغازات الملوثة (ما يقارب ربع الانبعاثات على مستوى العالم). وقد تعهدت للمرة الأولى بأن تحد من انبعاثات غازات الدفيئة بحلول العام 2030 بالحد الأقصى، بعدما ظلت تمانع تعهدا كهذا بداعي ضرورات التنمية فيها.
والصين أكبر مستهلك للفحم في العالم، وهو أكثر مصادر الطاقة تلوثا، ولكنها في المقابل اكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة. وهي تنوي تخفيض انبعاثاتها من الغازات الكربونية بنسبة تراوح بين 60 و65% بحلول العام 2030، مقارنة مع ما كانت عليه في العام 2005.
ثانياالولايات المتحدة: تعد الولايات المتحدة ثاني مصدر للتلوث في العالم، وهي تعتزم تخفيض انبعاثاتها بما بين 26 و28% بحلول العام 2025، مقارنة مع ما كان في العام 2005، وهو هدف أعلى من المساهمات الأمريكية السابقة، ولكنه أدنى من الاهداف الأوروبية في هذا المجال.
وتقول جنيفر مورغان، الباحثة في معهد "ورلد ريسورسز" أن "الولايات المتحدة باتت على الأقل تمتلك خطة ذات مصداقية"، مشيرة إلى ان إدارة الرئيس باراك أوباما "هي الأولى التي تعنى بهذه القضية".
ثالثا الاتحاد الأوروبي: في مطلع آذار كان الاتحاد الأوروبي السباق في تقديم خطته التي تقضي تقليص الانبعاثات بما لا يقل عن 40% بحلول العام 2030، مقارنة مع ما كانت عليه في العام 1990. ودول الاتحاد الأوروبي مسؤولة عن 10% من الانبعاثات العالمية وتقع في المرتبة الثالثة.
وبحسب مؤسسة هولو فإن "هذه التعهدات تشير إلى آلية إيجابية، لكن هذه الدول قادرة على زيادة مساهماتها" في الخطة العالمية لكبح التغير المناخي.
رابعاالهند: تعهدت الهند بتقليص انبعاثات الكربون بنسبة 35% بحلول العام 2030، مقارنة مع ما كان في العام 2005، لكنها لم تحدد أهدافها حول التقليص الإجمالي للانبعاثات.
وتنوي الهند الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء بنسبة 40%، بحلول العام 2030، لكنها تقر بعدم قدرتها على التخلي عن الفحم.
خامساروسيا: تعتزم روسيا تقليص انبعاثاتها بنسبة تتراوح بين 25 و30% بحلول العام 2030، مقارنة مع العام 2005.
ويرى خبراء ان الغابات الروسية الشاسعة تساهم فعليا في جزء كبير من عملية الحد من الانبعاثات، أما تقليص الانبعاثات الصناعية فلن يتعدى 6 إلى 11% فقط.
سادسا اليابان: تنوي اليابان تقليص الانبعاثات بنسبة 26% بين العامين 2013 و2030، معتمدة على استئناف العمل بالطاقة النووية التي توقفت بعد حادثة محطة فوكوشيما. لكن يرى عدد من الخبراء ان الجهود اليابانية "ليست كافية"، ولا سيما لكون اليابان من كبار مستخدمي الفحم.
سابعاالبرازيل: تقول البرازيل أنها تنوي تقليص انبعاثاتها بنسبة 43% بحلول العام 2030 مقارنة مع 2005، معتمدة على تنويع مصادر الطاقة المتجددة، ولاقت الخطة البرازيلية ترحيبا كبيرا.
ثامناإيران: التزمت إيران بتقليص انبعاثاتها بنسبة 4% بحلول 2030، وتقول طهران أن جهودا اضافية بهدف الوصول إلى عتبة 8% قد تبذل في حال رفعت عنها العقوبات.
تاسعاإندونيسيا: تقول إندونيسيا أنها ستقلص انبعاثاتها بنسبة 29% في العام 2030، وان هذه النسبة قد ترتفع إلى 41% في حال حصولها على مساعدات مالية.
عاشرا كندا: أعلنت الحكومة الكندية السابقة ذات التوجهات المحافظة عن نيتها تخفيض انبعاثاتها بنسبة 30% في 2030، وهي نسبة وصفها خبراء بأنها "غير كافية" نظرا لحجم إنتاج الطاقة من الصخر القاري.
لكن الحكومة الجديدة ذات التوجهات الليبرالية تعهدت بإعادة النظر بالخطة.
أحدى عشرة دولة أخرى: قدمت كثير من الدول النامية خططا، غالبا ما كانت مشروطة بالحصول على مساعدات. وكانت المكسيك أولى هذه الدول على مستوى العالم، والغابون الأولى في افريقيا. ومن الدول القليلة التي اعتبرت مساهماتها "كافية" المغرب وإثيوبيا.
يذكر ان دول العالم متفقة منذ 2009 على الحد من ارتفاع حرارة الأرض عند درجتين مئويتين، لتفادي الانعكاسات المدمرة، وإن كانت حتى الدرجتان المئويتان كافيتين للتسبب في الكثير من الضرر للعديد من البلدان.
ودعت 43 من الدول المعرضة للضرر في منتصف تشرين الثاني في مانيلا مؤتمر المناخ إلى الاتفاق على سقف 1.5 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه الحال قبل الثورة الصناعية، ما يطرح موضوعا اضافيا للنقاش خلال المؤتمر الحادي والعشرين للمناخ.
لماذا درجتان مئويتان؟
تم تحديد سقف درجتين مئويتين نتيجة لتسوية سياسية تم التوصل اليها في 2009 في كوبنهاغن. وكان الاتحاد الأوروبي هو الأول في تحديد أهدافه المتعلقة بانبعاثات الغازات السامة على اساس سقف درجتين مئويتين استنادا إلى توصيات تقرير مجموعة الخبراء الدوليين للمناخ عام 2007.
ويخشى العلماء في حال تجاوز سقف الدرجتين ان يشهد العالم تغيرات لا يمكن إصلاحها، تتمثل في تكرار ظواهر طبيعية قصوى مثل الأعاصير والجفاف، ما يؤدي إلى تراجع المحاصيل الزراعية واختفاء أنواع حية. كما ان ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحار 40 سنتمترا بحلول سنة 2100. ولكن في حال ارتفاع الحرارة 4-5 درجات سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى البحار 80 سنتمترا وحتى أكثر.
خلاصة الفكرة ان العالم يمكنه التكيف مع ارتفاع الحرارة بمعدل درجتين مئويتين، ولكن الأمر يصبح غير ممكن في حال تجاوز ذلك، وفق الخبراء.
وذكر تقرير لخبراء الامم المتحدة في حزيران في عز المفاوضات المناخية في بون، بأن على العالم ان يدرك انه لن يكون بمنأى من المشكلات في حال تمكن من الحد من ارتفاع الحرارة عند درجتين.
وأكد التقرير بأن سقف 1.5 درجة مئوية هو الذي يوفر "حزام الأمان"، موضحا انه يجب النظر إلى سقف الدرجتين باعتباره "خط الدفاع" أو الحد الأقصى الذي ينبغي عدم تجاوزه بأي شكل. لأننا اليوم، ونحن قريبون من ارتفاع بمعدل درجة واحدة مئوية، بتنا نشعر بارتفاع حرارة الارض مع ظواهر التصحر والفيضانات وتلف الشعاب المرجانية.
ومع ارتفاع الحرارة إلى أكثر من درجتين تبدأ الآثار بالظهور على مستوى المحيطات ودرجة حموضتها. ويصبح الأمر مسألة بقاء بالنسبة لجزر مثل توفالو وكيريباتي، ولكنها ليست الوحيدة التي قد تختفي.
فعلى المدى البعيد ستغمر المياه أجزاءً كبيرة من شنغهاي وبومباي ونيويورك، في حال بلغ الارتفاع 4 درجات، وهذا يشمل مناطق يعيش فيها 600 مليون شخص اليوم، ومساحات اقل مع 280 مليون نسمة في حال كان الارتفاع درجتين، و137 مليون نسمة في حال تم ضبطه عند 1.5 درجة مئوية، وفق دراسة أمريكية.
ولتفادي ذوبان جليد غرينلاند، الذي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مياه البحر سبعة أمتار، ينبغي البقاء ضمن حدود 1.5 – 1.9 درجة مئوية، وفق عالم المناخ جان جوزيل.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بات الوقت متأخرا لعدم تجاوز 1.5 درجة مئوية؟
يتجه العالم في الوقت الراهن بلا شك نحو ارتفاع لا يقل عن 1.5 درجة مئوية، بعد أن تم تسجيل ارتفاع قريب من درجة واحدة مئوية بالإضافة إلى 0.6 درجة متصلة بانبعاثات الغاز السابقة التي يصعب التخلص منها، وفق اللجنة الدولية لخبراء المناخ.
ويتوقع في حال نفذت الدول التزاماتها المعلنة في الوقت الحالي ان ترتفع الحرارة 3 درجات مئوية، ومن هنا فكرة ادراج بند في اتفاق باريس لمراجعة الطموحات لضمان البقاء ضمن سقف الدرجتين.
ولا يزال احتواء ارتفاع حرارة الأرض تحت الدرجتين ممكنا، "ولكنه يطرح تحديات كبيرة تكنولوجية واقتصادية ومؤسساتية" وفق الأمم المتحدة و"يفترض تحولا جذريا" إلى الطاقة المتجددة وزراعة المحاصيل التي تصدر كميات اقل من الغازات الضارة بالبيئة، وبناء المباني التي تستهلك كميات اقل من الطاقة على سبيل المثال. وللبقاء تحت سقف الدرجتين ينبغي كذلك تطوير تكنولوجيا التقاط وتخزين ثاني أوكسيد الكربون.