خاص بآفاق البيئة والتنمية
يبدو مرج ابن عامر مثل لوحة يبهت جمالها بمرور الأيام، وقد تأتي لحظة تتحول فيها المساحات الزراعية المتبقية منه لشيء من ذكريات الزمن الجميل، أو الأطلال الصالحة للرثاء.
تتجول "آفاق" في خلايا المرج الخضراء، وتوثّق بالصور مظاهر جديدة من تدمير الأراضي الزراعية، وتلتقط بعض أحدث أشكال الآفات الزراعية (الهالوك) أو المسمار كما يطلق عليه الفلاحون، وتتبع معاناة جديدة مع جرذ الماء، الذي صار يلتهم المزروعات بشكل لافت وغير معهود.
مجد ضائع
يمتد المرج على مساحة 360 كيلو متراً مربعًا، و"يعد بلغة الجغرافيا التي لا تعترف بالزمن الحديث: "هو أعظم سهل داخلي في فلسطين يجمع بين مساحة عظيمة وموقع حيوي وقيمة اقتصادية عالية وتربة ذا مقدرة هائلة على الاحتفاظ بالماء، فضلاً عن احتوائها على عناصر هامة." ويحاط بثلاث كتل جبلية : طابور أو الطور شمالاً، والدحي شرقاً فسلسلة جبال فقوعة. وسر تسميته تعود إلى بني عامر من قبيلة كلب العربية التي اتخذت من المرج مقراً لها مع بدء العهد الإسلامي. ويستلقي المرج بين جبال الجليل شمالاً وجبال نابلس في الجنوب والجنوب الغربي، وتغازله في الشمال جبال الناصرة، فيما يتمدد من شرقه وادي الجالود المنتمي لنهر الأردن.
حوار سريع ومر
تحاور تاجرًا يروج لبيع الأراضي في قلب المرج، فيقول: "الأرض بطّلت (لم تعد) تعطي قيمتها، والزراعة بائسة، والحل بالتجارة وبناء البيوت وإقامة المنطقة الصناعية، والتنمير (تقسيم الأراضي لمساحات صغيرة لبيعها وشق طرق بمحاذاتها). الزمن يتغير، ومجنون من يعتقد أن الأرض التي يتجاوز سعر الدونم الواحد فيها نصف مليون دينار، تبقى فقط لزراعة النعناع والبقدونس والقمح، وهي محاصيل لا تجمع بضعة شواقل لأصحابها. أما لو حُولت لمحلات، فسيكسبون ذهبًا"!
تسأله: "عزيزي هذا منطق تجاري صحيح، ولكن هل نملك الكهرباء مثلاً لإنارة هذا المتاجر، لو قرر الاحتلال قطع التيار عنا؟ ومن أين سنأتي بالطعام للأجيال القادمة؟ هل نستورده من الصين؟ وماذا لو تحوّل المرج لغابة اسمنت وشوارع عريضة، وانفتحت أبواب السماء بمطر غزير عدة أيام؟"
شواهد
تظهر وسط الحقول الخضراء أعمدة معدنية "زرعها" مستثمرون جدد ابتاعوا مساحات جديدة في المرج، استعدادًا لموجة اسمنت جديدة.
يقول الفلاحون المتضررون: "أمهلنا أصحابها الجدد حتى مطلع الربيع القادم لإخلاء الأرض التي كنا نسـتأجرها، ووضعوا أعمدة معدنية لتبين حدودهم. وعملياً المرج يموت، ولا أحد يسأل عنه."
أعداء من ماء
صار المزارع علاء الدين الحاج يوسف على موعد جديد مع عمل آخر في الحقل، لم يكن في الحسبان. يقول: "في كل صباح جديد، أتفقد حقل الملفوف، وأشاهد آثار الاعتداءات الجديدة على المزروعات، والتي يتسبب بها جرذ الماء القادم من المُقطّع، وهو النهر سابقا والممر للمياه العادمة حاليًا."
ووفق الحاج يوسف، فإن جرذ الماء لم يكن منتشرًا في السنوات السابقة بهذا الكم الكبير، عدا الخسائر الكبيرة التي يتسبب بها بسرعة قياسية للمزروعات، وبنشاطه الليلي.
ويضيف:" نخشى على حقول القمح التي زرعناها حديًثًا، ولجأنا إلى حل سريع في تسميم الجرذان، ولكن النتائج لم تكن كبيرة، فواصلت الجرذان نشاطها وخصوصًا في المناطق المجاورة للمُقطّع، وقد تحدثنا عن مشكلتنا، ولم نسمع عن أي دور مساند من أصحاب الاختصاص في طريقة إرشادنا لتجنب الخسائر."
مسمار
تحولت حقول القرنبيط والملفوف للمزارع عز الدين خلف إلى أرض محروقة في ظرف قياسي، حين نالت آفة (الهالوك) أو المسمار من الحقل، وحرقت أوراقه وجففته النباتات، موقعة خسائر كبيرة في المحصول.
يقول صاحبه:" فجأة ظهر هذا الحال، وقد خسرنا تعب الموسم الطويل، والري، والأشبال، والرعاية، ولم نجد علاجًا لهذا المرض الذي يصيب التربة، ويُدمر المحصول قبل أيام قليلة من قطافه."
ووفق المزارعين في المرج، فإن أمراض التربة تزداد في أراضيهم، وتتفاوت من موسم لآخر، لكنها تصيب معظم المحاصيل المروية، وقد مَنعت آفات سابقة مثل (الفوزاريوم) زراعة البطيخ والشمام في المرج منذ نحو ربع قرن، وعاد هذان الصنفان على نطاق ضيق جدًا، عقب إدخال البطيخ المُطعم بأصول نبتة القرع، والشمام المُقاوم جزئيًا لهذه الآفات القاسية.
ويشعر الفلاحون بأنهم وحدهم في مواجهة الزحف العمراني، والآفات، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع الأسعار لغالبية المحاصيل، ويخشون أن تنقرض مهنتهم الموروثة عن الأجداد بعد سنوات قليلة، إذا ما استمرت سياسة الزحف العمراني، والمناطق الصناعية، والطرق العريضة على هذا النحو المتُصاعد.
aabdkh@yahoo.com