القارة الإفريقية: مكبّ كبير للنفايات الإلكترونية
فتحي الجبالي/ خاص: الآلاف من أجهزة التلفزيون والثلاّجات المعطوبة والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوترالتي لم تعد صالحة للإستعمال.. منتجات تحتوي على موادّ معدنية وكيميائية خطيرة، تمرّ عبر بلدان دون رقابة تذكر، لتنتهي في إفريقيا، هذه القارة التي تحوّلت إلى مكبّ للنفايات الرقمية الخطيرة، لتصبح ظاهرة حارقة تهدّد عددا كبيرا من الإتّفاقيات الدولية.
حصيلة ثقيلة لقارة تمضي بخطى متباطئة نحو الخلاص من أزماتها ونزاعاتها، وما كشفه تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يشكلّ أكثر الإستنتاجات خطرا على مستقبل القارة، فـ "إلى جانب الإستهلاك الداخلي، تفاقمت مشكلة النفايات الإلكترونية في غرب أفريقيا من خلال استمرار تدفق المعدات من البلدان الصناعية. ورغم أنّ معظم هذه المعدّات المستوردة موجّهة لإعادة الإستخدام إثر تجربتها وإصلاحها، إلاّ أنّ أعدادا كبيرة منها تبدو غير صالحة تماما لأداء هذه الوظيفة".
الأسوأ من ذلك هو أنّ الكثير من تلك المنتجات تحتوي على مواد معدنية وكيميائية خطيرة، وهذا يعني أنّ وصولها إلى القارة السمراء يصنع من الأخيرة مكبّا للنفايات الرقمية، وبالتالي استيراد مصادر جديدة للتلوّث في القارة. ووفقا للمنظمة الأممية، فإنّ 50% من نفايات العالم بأكمله والمقدّرة بـ 20 إلى 50 مليون طن سنويا، تنتهي في البلدان الإفريقية.
وكشفت التحقيقات التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة التي أجريت، في 2012، في كلّ من بنين وساحل العاج، أنّ حوالي نصف نفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية المستخدمة والمستوردة، لم تعد قابلة للإستخدام أو للإصلاح. كما أظهرت الفحوص التي أجريت، بين شهري آذار وتموز 2010، على 176 شاحنة تضمّ معدّات كهربائية وإلكترونية مستخدمة وموجّهة إلى نيجيريا، أنّ أكثر من 75% من جميع تلك المعدّات قادمة من أوروبا، وحوالي 15% منها من آسيا، و5% من بعض المرافئ الإفريقية (المغرب بالأساس)، و5% من أمريكا الشمالية.
للوهلة الأولى، تمنح تلك المعدّات القادمة إلى القارة الإفريقية في شكل مساعدات "إنسانية"، انطباعا جيّدا، غير أنّ هذا "الحسّ الإنساني" يخفي في باطنه رغبة الشركات الناشطة في دول الشمال في الخلاص، بأقلّ التكاليف، من أجهزة الحواسيب القديمة التي لم تعد في حاجة إليها، خصوصا وأنّ القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية –تماما كما في أوروبا- تجبر الشركات على إعادة تدوير أو رسكلة معدّاتها القديمة. ومن هذا المنطلق، فإنّ تصديرها نحو إفريقيا يصبح، بالنسبة لتلك الشركات، أقلّ كلفة من القضاء عليها على عين المكان، وهذا تحديدا ما ترجمته أرقام المنظّمة الأممية، بإعلانها أنّ حوالي 220 ألف طن من المنتجات الإلكترونية أرسلت، في 2012، من الإتحاد الإفريقي في إتّجاه غرب إفريقيا.
أندرياس مانهارت، الباحث في معهد أوكو المتخصّص في علم البيئة التطبيقية، ومقرّه برلين بألمانيا، قال معقّبا على الموضوع، إنّ "حجم تلك المعدّات التالفة والقديمة يتزايد بشكل كبير في البلدان الإفريقية".
ظاهرة خطيرة تهدّد بتنامي التلوّث في القارة السمراء، بكلّ ما يعنيه ذلك من تبعات وخيمة على أكثر من صعيد. خطر يتفاقم رغم وجود معاهدات دولية تحظر ممارسات مماثلة، من ذلك اتّفاقية "بازل" (سويسرا)، والتي تحظر، منذ 1992، تصدير النفايات الخطرة من بلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (34 عضوا) نحو بلدان الجنوب. بيد أنّه، وإثر مرور أكثر من عشرين عاما على توقيع الإتفاقية، إلاّ أنّ أطنان النفايات تواصل طريقها نحو إفريقيا، لأنّ بلدانا عديدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لم تصادق بعد على هذه الإتفاقية. أمّا في الدول التي صادقت عليها، فالأمر لا يختلف كثيرا من حيث المضمون، رغم أنّه في الظاهر يحمل إسم "مساعدات وتبرّعات إنسانية".
اتفاقية أخرى أبرمت في هذا المجال، بيد أنّ بنودها لم تتمكّن من مغادرة حيّزها النظري، لتبقى حبرا على ورق، وتهمّ حظر استيراد النفايات الخطيرة نحو افريقيا، ومراقبة حركتها عبر الحدود، وإدارة النفايات الخطرة داخل القارّة. وقد اعتمدت هذه الإتفاقية التي حملت اسم العاصمة المالية باماكو في 1991 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1998، ووقّعت عليها دول منظمة الوحدة الإفريقية وعددها 53.
وفي سياق متصل، أضاف مانهارت أنّ "بعض البلدان مثل غانا ونيجيريا وأثيوبيا حاولت سنّ تشريعات محلية للتصدّي لإستيراد تلك النفايات، غير أنّ معظم تلك القوانين لم يدخل حيّز التنفيذ بعد".
ولمواجهة هذه الظاهرة التي خرجت عن نطاق السيطرة، تعدّ عملية إعادة تدوير النفايات المستوردة، الحلّ الوحيد القابل للتطبيق في الوقت الراهن. فـ "في المراكز الحضرية"، يتابع الباحث، فإنّ رسكلة تلك النفايات تتمّ، في جزء كبير منها، في القطاع الموازي (غير الرسمي)، فهذه العملية غالبا ما تستقطب الأشخاص الفقراء الذين لا يمتلكون بدائل إقتصادية. أمّا الأساليب المستخدمة، فتشمل حرق كابلات المعدّات بهدف استخراج النحاس منها، وهذا ما يزيد في كثافة التلوث عوضا عن تقليصها".
ووفقا لمانهارت، فإنّه من المهم خلق ثقل مضادّ في التوجّه الحالي، وذلك من خلال إقامة مشاريع إعادة التدوير الصناعية لاستيعاب اليد العاملة المحلية، وإعادة إدماج هذه النفايات في الاقتصاد الرسمي لبلدان الإستقبال، لافتا إلى أنّ تجسيد مثل هذه الحلول يقتضي "استحداث نظام تدوير فعّال، وهذا لا يمكن أن يحدث دون تشجيع من الدولة، وهذا ما يستدعي، بدوره، توفّر نظام تمويل خاص بهذا النشاط، يوضع على ذمة الشركات الناشطة في القطاع".