عواصف إعلامية
درجت العادة في السنوات الأخيرة أن يتم التعامل مع الظواهر المناخية الطبيعية، في الإعلام، كأنها كوارث أو أحداث استثنائية أو شيء قوي جداً وغير مسبوق... الخ وقد يخلط البعض بين أية متساقطات، او تراكم ثلوج، أو كلما اشتدت الرياح... وظاهرة تغيّر المناخ. وقد تمّ تفسير هذه الظواهر العادية من ظواهر المناخ بأنها ناجمة عن قضية تغيّر المناخ العالمية التي كتب حولها خمسة تقارير دولية حتى الآن، شارك في وضعها آلاف الخبراء العالميين وتبنتها دول العالم كافة.
يعرف الكثير من خبراء المناخ، أن تساقط الأمطار والثلوج واشتداد الرياح وارتفاع او تدني درجات الحرارة بين حين وآخر... ظواهر مناخية طبيعة. اما الظواهر الناجمة عن "تغير المناخ" فأمر مختلف، وهي لا تعني توقف هطول الأمطار والثلوج ولا تعني زيادة دائمة في درجات حرارة الارض. فتغير المناخ الذي تتناوله التقارير الدولية منذ ما يقارب 25 سنة تقريباً، والذي طالما كتبنا عنه، يعبر عنه بـ "الظواهر المناخية المتطرفة"، أي هطول أمطار بكثافة وغزارة شديدة، او ارتفاع استثنائي في درجات الحرارة، واشتداد العواصف وتحوّلها إلى أعاصير وزيادة نسبة الفيضانات بسبب هطول الأمطار الكثيف أو زيادة الجفاف بسبب زيادة الحرارة وزيادة سخونة الأرض بشكل عام.
ويضاف الى ذلك انزياح الفصول مثل تأخّر فصل الصيف و/ أو انتهاء فصل الشتاء باكراً أو زيادة حرارة الأرض وذوبان الثلوج سريعاً وعدم استفادة الآبار الجوفية كفاية من مياه الثلوج وتدنّي قدرة الينابيع على العطاء... الخ. ولذلك يمكن أن لا تتغير معدلات ونسب المتساقطات سنوياً، إنما يمكن ان تهطل نسبة معينة من الأمطار في يوم او يومين، كانت تتطلب شهراً او اكثر لكي تتراكم، ولذلك تم وصف هذه الظواهر بالمتطرفة.
وكما بات معلوماً أيضاً، تحمل التقارير الدولية المذكورة مسؤولية تغير المناخ الى أسباب "انسانية" عديدة أهمها زيادة انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون الناجمة بشكل رئيسي عن احتراق الوقود الأحفوري. وقد انتقل البحث عالمياً، منذ زمن بعيد، في كيفية التخفيف من هذه الانبعاثات والتكيّف مع هذه الظاهرة، مع توقعات بأن تكون كارثية على الاقتصاد العالمي وعلى الصحة العامة. كما انتقل البحث الى كيفية تغيير السياسات في كل القطاعات للتخفيف والتكيّف والتأقلم مع هذه الظاهرة، وهو ما تأخرنا في البدء في طرحه في لبنان. وقد استغلّ البعض عنوان تغير المناخ لتمرير سياسات ومشاريع واستثمارات كبيرة، غير مبررة وغير ضرورية ومكلفة، كمثل إنشاء سدود سطحية مكشوفة لجمع مياه الأنهر شتاء للاستفادة منها صيفاً...
وقد تناسى هؤلاء، عن قصد ربما، أن السدود المكشوفة في الوديان تساهم في انبعاثات غاز الميثان الذي يعتبر أخطر أكثر من 30 مرة عن ثاني اوكسيد الكربون، يمكن أن ينبعث من هذه السدود ويساهم في تغير المناخ، وأن الجفاف الذي نواجهه بالسدود سيساهم ايضاً في زيادة تبخر مياه السدود المكشوفة وجفافها... مما يحتم إيجاد سياسات بديلة في كل القطاعات وفي طليعتها السياسات المائية وقلب كل الخطط والاستراتيجيات المعتمدة حالياً للتأقلم مع ظاهرة تغير المناخ بدل تحدّيها.
أما حول التعويضات التي تتم مطالبة الدولة بها في كل مرة من جراء العواصف، وبغض النظر عن طرق التقييم والتعويض التي تشوبها شوائب كثيرة، لا بد من وضع معايير مناخية وبيئية جديدة من الآن وصاعداً لتقييم هذا الموضوع، منها أن لا يتم التعويض على مخالفي القوانين الوضعية بطبيعة الحال، يُضاف اليها مخالفو قوانين الطبيعة. وتصنف مخالفات لقوانين الطبيعة، كل اعتداءات على الشاطئ او البحر او على مجرى نهر، وكل الزراعات المحمية أو ممارسات في غير مواسمها الطبيعية.