خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتمتع فلسطين بتنوع حيوي فريد، إذ تضم نحو 2700 نبتة تتوزع على أربعة أقاليم هي: المتوسطي، والسوداني، والإيراني، والصحراوي. ويؤدي تخريب التنوع الحيوي وتهدديه المس بـ 23 نبتة يستعمل فيها التصنيع الدوائي، و55 أخرى تستخدم في مستحضرات التجميل والعطور، و34 في الصناعات الغذائية، ونحو 10 نباتات تعد من مكونات المبيدات العضوية.
يرسم موظفون وجامعيون صورة لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، التي يعيشون فيها بريشة بيئية. تأتي اللوحة خضراء، لكنها مليئة بالثقوب التي يصنعها الاحتلال، وتتفاقم بفعل تعديات المجتمع.
تسرد الجامعية دينا مبسلط مدينتها، التي تشير روايات تاريخية أن اسمها يعني مدينة الضياء: "تجتمع الزراعة والجمال والتنوع الحيوي معًا فيها، وتنتشر في محافظتنا ألوان عديدة للأقحوان وشقائق النعمان وغيرها، ونجد عشرات النباتات الجميلة، التي للأسف لا نعرف اسمها، ونجهل استخداماتها الطبية".
تتابع: لا نسمع عن اهتمام كافٍ بالتنوع الحيوي، والبيئة مسألة هامشية، وعندنا الكثير من التحديات، كالرعي الجائر، وانتشار النفايات العشوائية، وعدم وجود مكب للنفايات، التي يجري جمعها وترحيلها إلى محافظة أخرى.
وترسم خريجة الإعلام والناشطة النسوية رزان جعايصة مشهدًا لمخيم الفارعة حيث تقيم، بعد ترحيل جدها من قرية الكفرين قضاء حيفا، خلال نكبة عام 1948: لا نجد في المخيم مساحات خضراء، ولا مقارنة بينه وبين مسقط رأس جدي ووالدي، فهناك الكثير من الينابيع والأراضي الزراعية الخصبة.
تزيد: جفت مياه عين الفارعة، ونرى النفايات تزاحم بيوتنا، ويجمعها الأهالي وسط المنازل، وأحيانًا يجري حرقها، ونعاني أزمات مياه حادة أحياناً، ولا نجد من يتحدث عن البيئة ويعطيها الاهتمام الذي تستحقه.
سحر
وتلتصق بذاكرة مديرة الإعلام بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة نجود دراغمة تسمية "سلة الغذاء" بمحافظتها، التي خسرت معظم مساحاتها بفعل المستوطنات ومعسكرات التدريب وحقول الألغام. تقول: ليس انحيازاً لطوباس، لكنها تتميز بجمالها وغورها الساحر، وتكاد تكون من أجمل المحافظات، ولكنه تعاني جراء انتشار المياه العادمة، والنفايات العشوائية، والتلوث، والممارسات السلبية من قبل مزارعين يحرقون مخلفات بلاستيكية، ويستخدمون الكيماويات في حقولهم.
وتنظر الموظفة بالمجلس ميسم مازن بقلق كبير للزحف العمراني الذي يهدد سهول طوباس، وينازعها على اختطاف لقب "سلة الغذاء". تقول: ينتشر الاسمنت في كل مكان تقريبا، وهذا يُدمر الأراضي الخصبة والخضراء، كما تنتشر النفايات العشوائية.
وتعدد الجامعية مها محمد بعضاً من النباتات التي تعرف اسمها واستخداماتها، فتقول: لدينا الزعرور، والنعناع، والميرمية، والجرجير البري، وشقائق النعمان، والأقحوان الأصفر، وأشجار الدوم، والفيجن، وغيرها.
تضيف: بين أيدينا ثروة هائلة لا نقدر قيمتها، ونستفيد من هذا التنوع في مطبخنا الفلسطيني، وأيضاً للعلاج، ونحصل على لوحات فنية طبيعية وبخاصة في فصل الربيع، ومع هذا كله، نهمل هذا الجمال.
شباب وجامعيون يرسمون صورة طوباس بريشة بيئية
سهل وجبل وغور
وتقول الطالبة كفاح أكرم: تجمع طوباس بين السهل والوادي والجبل والغور، ما ميزها عن غيرها من المناطق، لكن غالبية أرضها مصادرة، وتتحول إلى ساحات كبيرة للرماية، ويزرعها الاحتلال بحقول الألغام، ويمنع أصحابها من دخولها. تضيف: بالرغم من المساحة الشاسعة لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية التي تمتد على نحو 402 كيلو مترًا مربعًا، إلا أن الاحتلال حولها إلى سجن مزروع بقنابل موقوتة.
وتسرد الجامعية آلاء صلاحات حكاية الباذان، المنطقة السياحية والزراعية، والغنية بجمالها الطبيعي، وينابيعها التي تنبعث من بطون جبالها. تقول: الخطر الذي يواجهنا اليوم ينحصر في مكب النفايات الذي تريد بلدية نابلس تشغيله، والمجاري العادمة، وما يسبب ذلك من أمراض وانتشار لذبابة أريحا وحرائق متكررة للأحراش القريبة.
وتلخص مديرة العلاقات العامة بمحافظة طوباس والأغوار الشمالية شهناز حميد حال البيئة في مدينتها، فتقول: تغيب ثقافة النظافة العامة والاهتمام بالبيئة عن طوباس وغيرها، فيدمر هذا جمالها الساحر. وتقترح أن تبدأ التربية البيئية في المدارس من سن مبكرة، لتصويب هذا الخلل، وللأسف يعاقب معلمون تلاميذهم بتنظيف غرفة الصف وساحة المدرسة، وهذا يخلق كرهًا وعداءً بين الطلبة وبيئتهم. كما أن بعض الناس يضعون نفاياتهم بجانب الحاويات الفارغة.
تحديات
وتزيد الموظفة سكينة نصر: لدينا الكثير من التحديات البيئية في مخيم الفارعة وطوباس عمومًا، أبرزها الاستخدام المفرط للكيماويات في الزراعة، إذ تنبعث الروائح السامة إلى منازلنا، ونسمع المزيد عن الإصابة بالسرطان، وتتلوث الأرض والمحاصيل التي نأكلها بالكيماويات، وتنتقل إلى الماء الذي نشربه.
والغريب برأي سكينه، أن أحداً لا يحرك ساكنًا لفعل شيء للبيئة، وتغيير طرق الزراعة، والاهتمام بالغذاء الذي نُدخله إلى أجسادنا.
وبحسب الطالبة آلاء بشارات، فإن بلدتها طمون جميلة بتنوعها الحيوي وأزهارها، لكنها تعاني انتشار النفايات في مدخلها الغربي، وما يرافقها من بعوض وروائح وقوارض. مثلما يحرق مزارعون بلاستيك دفيئاتهم التالف، دون مراعاة للبيئة وللناس.
وتقول الموظفة ببلدية طوباس لبنى عنبوسي، إن مدينتها تعاني حرق الأعشاب المتكرر، واستعمال المبيدات الحشرية بكثرة، كما يتأخر جمع القمامة في الأحياء السكنية، وتنتشر النفايات العشوائية.
ويعدّد الجامعي إيهاب صبح أسماء نباتات تنمو في قريته الباذان وما جاورها، فيقول: هناك العللك، والحميض، والخبيزة، والزعمطوط، والسميعة، واللوف، والخرفيش، والمرار، والبلان، والعكوب، والنرجس، والأقحوان، وغيرها.
ويشير الموظف في الدفاع المدني مراد أبو جابر، إلى إن قريته تياسير تعاني بسبب المجاري التي تنتشر في أوديتها، والنفايات العشوائية التي تشوه طبيعتها الخلابة وتتسبب بتزايد الكلاب الضالة، وتتحول إلى مكرهة صحية.
ويضيف: عانينا ولا زلنا مما هو أكبر من النفايات، وأبرزها معسكرات الاحتلال التي حولت أراضينا إلى حقول ألغام وقنابل موقوتة، ودمرت طبيعتنا الجميلة.