خاص بآفاق البيئة والتنمية
حوار
تفتح حوارًا طويلاً مع تاجر مواد زراعية، هذه المرة لا تسأله عن المبيدات الممنوعة والمسموحة، والفلاحة العضوية، وهموم حراس الأرض وديونهم. بل تنتقد الاستمرار في تدمير الأرض، والإسراف في الزحف العمراني الأسود. بالصدفة، تشير لطرفك المقابل إلى مثال البناء الجديد الذي يتوغل في أرضٍ كانت تزرع كل عام بالبقدونس والفاصولياء في مدخل بلدتك، لكنها اليوم عرضة للنهش بأنياب الجرافات. بعد أخذٍ وردّ، يتضح أن الإنشاء الاسمنتي الجديد يعود للتاجر نفسه، الذي تناقشه.
حسب منطقه، الناس بحاجة إلى توسّع، ولو أخذنا 50 متراً من طرفي كل شارع يمر بأرض خصبة، وحولناها إلى أبنية ومتاجر، "لن تخرب روما"!
تنقل للتاجر الخمسيني سؤالًا: بمنطقك، سيأتي آخرون ويقولون إن 100 متر إضافية بعرض الشارع لن تقدم أو تؤخر، ثم سيتحفنا صوت آخر بالإدعاء أن 120 أو 150 متراً في عمق الأرض لن تصنع مشكلة كبرى أو حربًا عالمية جديدة، وهكذا إلى أن نبدأ باستيراد التراب الأحمر من الصين، إن وجد!
انتظار
بقدوم تشرين الثاني كل عام تبدأ بالقلق، وبخاصة مع كل يوم نقترب فيه نحو كانون الأول بلا مطر. تتحسر كثيراً على 15 تشرين الثاني 1989، حين أنهمرت الأمطار كالنهر، ولم تتوقف طوال النهار والليل، إن لم تخن الذاكرة صاحبها.
اليوم، ينتصف تشرين الآخر، ولم نشاهد الغيوم الماطرة إلا في مناسبتين عابرتين، مضت إحداهما بسرعة البرق، وبالكاد بلّلت الثانية جفاف الأرض.
تعود إلى يومياتك القريبة، كمثال، يوم الثلاثاء 14 تشرين الثاني 2006 هطلت الأمطار بغزارة لوقت طويل نسبيًا، واستمرت السماء زرقاء طويلاَ، فسقطت أمطار خفيفة يوم 12 كانون الأول، وشهدنا امطاراً متواضعة يوم 22 كانون الأول، وفي 26 و27 من الشهر ذاته جادت السماء بأمطار متوسطة، وعشنا في أجواء صقيع يوم الـ 29 منه، وأختتم العام بأمطار متوسطة إلى خجولة.
تتوغل في مذكرات أخرى تؤرخ ليوم الجمعة 15 تشرين الثاني 2002، وتكتب" ارتفاع على درجات الحرارة، ولا أمطار في الأفق القريب"، فيما سجلت نهار 29 تشرين الثاني من العام ذاته عاصفة مطرية لم تدم غير يوم.
اليوم، ومع انتشار التكنولوجيا تزداد الحسرة، فأنت عمليًا تتابع التوقعات الجوية لعشرة أيام وأكثر، وتقرأ تنبؤات عامة لموسم بطوله. ليتنا نفرح دائمًا بغيم جميل يروي شوقنا لشتاء قديم.
ليتنا ننعم بشتاء مماثل لما حصل عام 1921 فيومها، حطّم المطر رقمًا قياسياً، إذ هطل على جنين 1234 ملم.
جوائز
تتصل بك فتاة من شركة تجارية تروج للأدوات الكهربائية وفلاتر تنقية المياه، تقول: "مبروك، نتحدث مع الأستاذ.....، هذا رقم منزلكم وقد اختير للدخول على سحب جائزة، ستربح فلتر ماء ( بمرحلة واحدة، وستدفع ثمنه 150 شيقلا فقط. لو سمحت، رقم جوالك لنتصل بكم بعد قليل." تخبرها بأنك لا ترغب في الحصول على جائزة. تسأل المتصلة: هل أنتِ مقتنعة بأسلوب الترويج القديم هذا؟ وهل يدفع الناس ثمن الجوائز التي يكسبونها في سحوبات وهمية غالبًا؟
تقترح عليها أن تقتنع أولاً بما تسوّقه، وأن تقنع صاحب الشركة بأساليب تسويق أكثر نضجًا ووعيًا. تقرّ الشابة بأنها خريجة هندسة، ولم تحظ بفرصة عمل، وقد حاولت إقناع مديرها أن يغيروا من طريقة عملهم، دون جدوى.
تنمية
تشارك في نقاش يبحث احتياجات الشباب (تحت الثلاثين عاماً) وسبل دعم مبادراتهم. تسمع كلامًا كبيرًا وطويلًا ومكررًا. الجميل في الأمر أنك تؤخر مداخلتك للرمق الأخير من اللقاء. تسأل الحاضرين: أين الشباب الذين تتحدثون عنهم من هذا اللقاء، فأنا أصغركم، وقد ودعت الثلاثين منذ 12 سنة؟ وكيف لنا أن نفكر عنهم بالإنابة؟ بعدها، تتحدثون عن مشاريع لدعم الشباب تنمويًا لستة أشهر في جوانب تدريبية فقط، فهل برأيكم تتحقق التنمية بمشاريع تدريبية قصيرة الأجل، أم بدعم مستدام لمبادرات مدرّة للدخل، وأفكار توظف الشباب ذاتياً، وتقدم لهم طرف الخيط للاعتماد على الذات؟
يقول أحد الحاضرين- المنظمين: نحن نحاول أن نخلق تنمية، ولكن سياسة المانحين لا تدعم المشاريع الإنتاجية، هم يدربون فقط، والتدريب مسألة مهمة، ويكمن أن نستمع إلى الشباب ومطالبهم لاحقًا!