خاص بآفاق البيئة والتنمية
شكّل عشرون شابًا وشابة دائرةً في قاعة مستطيلة بمقر نادي طوباس، ووضعوا مبادرتهم الخضراء على الطاولة. فيما باحت الملصقات الملّونة التي تحتل الجدران بقلقها وأملها. أما النوافذ فكانت تنقل ببث مباشر خيوط المطر، في أول شتاء يزور فلسطين على استحياء هذا الموسم.
وفتح المبادرون حواراً مع مدير مجلس الخدمات المشترك للنفايات الصلبة باسل بني عودة، ومسؤول الصحة والبيئة في المحافظة سامي دراغمة، ومنسق وحدة الخريجين في "القدس المفتوحة" بلال دراغمة.
أزمة وحل
وشرعت المدربة العشرينية إسراء دوّاس في سرد سيرة ذاتية للمبادرة، التي تفوقت على اثنتين مجتمعيتين أخريين في مجال الشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة.
وقالت: "أنجزنا مبادرة بيئية ينفذها مركز مصادر التنمية الشبابية بنادي طوباس الرياضي، وتحمل عنوان "الطريق إلى المنزل أجمل من المنزل"، وتهدف إلى وضع حد للنفايات المتراكمة على الطريق الرئيس الرابط بين طوباس ومخيم الفارعة."
وتضيف:" انحزنا للبيئة لأنها قضية حياة، وتتبع عشرون شاباً أزمة النفايات المستعصية في الشارع الرابط بين طوباس والفارعة، واقترحوا ربط مبادرتهم مع المجتمع، من خلال إعداد فيديو مرئي يظهر آراء الأهالي، ويساعدنا في تقديم حل للمشكلة التي تشوه وجه المنطقة، وتنشر الروائح الكريهة، وتخلف أكواماً من الركام."
وأضافت: "هذه الطاولة المستديرة ليست اتهاماً لأحد بالتقصير، بل هي بالأساس لحل التحديات البيئية، ومنح المواطنين والمارة حقهم في مشاهدة طريق خالٍ من التعديات والروائح."
ووفق دوّاس، فإن الهدف الربط بين المبادرين والمسؤولين، وصولاً إلى حل سريع لهذه المشكلة، وتغيير الشائع باعتبار البيئة مسألة هامشية بتصنيف البعض، لكنها في الواقع قضية مهمة جدًا.
أسئلة "دسمة"
وانطلق الحوار بوجبة أسئلة دسمة وجهها المبادرون للمسؤولين في الجهة المقابلة، قدمها محمد عثمان، وهديل العرجا، وبراء جوابرة، وطه صبح، وخلود صلاحات، وناشطون آخرون يتوزعون في أماكن سكنهم بين الفارعة وطوباس وطمون.
وقال الشبان: نريد حلاً عاجلاً، فلا يعقل أن تستمر المشكلة على حالها. الأمر لم يعد يطاق: أكوام نفايات، وجيف، وركام أبنية متداعية، وإطارات سيارات تالفة، وسيارات نضح المياه العادمة تفرغ حمولتها في طرف الوادي، وهذا كله لا يشوه البيئة ويلوثها فقط، بل ينشر الروائح الكريهة والبعوض، والأمراض، ويشاركنا الهواء الذي نتنفسه.
من أسئلة المبادرين وحرارة جملهم ومداخلاتهم، يمكن رسم خريطة للطريق الذي يعتبر همزة الوصل بين طوباس وجارتها نابلس، حيث الوادي الذي يسبق مخيم الفارعة ومقر مركز صلاح خلف الشبابي، الذي كان محطة للتعذيب والتحقيق مع أسرى الحرية عشية انتفاضة عام 1987 وما قبلها. وكذلك النفايات والركام التي تشوه الإطلالة الطبيعية على جبال نابلس وطمون، والأجزاء البعيدة من جبال الأغوار.
يفيد بني عودة: "مهمة مجلس الخدمات المشترك للنفايات الصلبة ترحيل النفايات من الحاويات إلى مكب زهرة الفنجان، وليست مسؤوليتنا التعامل مع النفايات أمام المنازل، أو خارج المدن والبلدات، فنحن لسنا جهة تنفيذية، ومع ذلك نأخذ زمام المبادرة، ونساهم في حلول لهذه المشكلات، ومستعدون للعمل مع الشبان، لكننا نخشى اليوم التالي لحملات النظافة، بأن تعود النفايات إلى فوضاها."
معضلة النفايات
ويؤكد دراغمة: "النفايات معضلة للمنطقة، وأخذنا في المحافظة بالشراكة مع مؤسسات عديدة مبادرة من 14 يوم عمل للتخلص من الإطارات التالفة عبر إعادة استخدامها، ودشنا حديقة في أحراش طوباس من هذه القطع التي عادةً ما يتسبب حرقها بتلوث كبير. ونقلنا صخوراً كبيرة من أحياء المدينة الجديدة، التي اشتكى سكانها من حيوان الوبر الصخري (البويري)، الذي يتسبب بتكاثر ذبابة أريحا (اللشمانيا)، ووضعنا الحجارة كساتر في محاذاة الطريق التي نفذ الشبان المبادرة فيها، وننفذ جولات دائمة، وأوقفنا على ذمة المحافظ أشخاصًا يتسببون في تلويث المنطقة، واتخذنا قراراً إداريا في هذا الاتجاه في الحالات التي تتطلب ذلك. وأطلقنا خلال ست سنوات ثلاث حملات لتشجير المنطقة لإغلاق المجال أمام الملوثين، إلا أن ما غرسناه أقتلع."
من حديث دراغمة وبني عودة، يكتشف السامع ثغرة في العقوبات التي تفرض غرامات متواضعة على المتسببين بالتلويث ونشر النفايات والركام، الذين سرعان ما يعودوا إلى سابق عهدهم، وتبرز الحاجة إلى إجراءات أخرى كالتربية والتوعية بجانب القانون والردع، إضافة إلى إجراءات للحل كتخصيص منطقة للتخلص من الردم والجيف، وهو لا يبعد عن الطريق أكثر من 3 كيلو مترات.
يقول باسل بني عودة: "حين نشاهد أحد المواطنين بتلويث البيئة علينا تخييره بين الدعوة إلى مقاطعته من الأهالي، أو إجباره على إزالة الأضرار، والتعهد بعدم العودة إلى أفعاله."
ويرى بلال دراغمة أن "القدس المفتوحة" تمنح طلبتها فرصة للتطوع في مجال البيئة، وسبق أن نفذت حملات بالشراكة مع وزارة الإعلام ومركز التعليم البيئي ومؤسسات أخرى، وسنخصص جزءاً من الخمسين ساعة توعية لمبادرات نظافة، تترك أثراً دائمًا.
تفيد المبادرة براء جوابرة: "لدينا مشاكل عددية، ونحتاج لفرض غرامات على أصحاب صهاريج نضح المياه العادمة إلى المنطقة، ومالكي الشاحنات التي تتخلص من حمولتها في طريقنا."
طاقة غضة
ووفق المنظمين، تسعى المبادرة وما سبقها وما سيلحقها، إلى إتاحة فرص تعليمية وقيادية أفضل للشباب في الضفة الغربية، تلبي تطلعات الفئة بين (14 – 29) عاماً، عبر توفير محاور مستدامة للشباب هدفها الابتكار والتعلم.
وينفذ مركز مصادر التنمية الشبابية بنادي طوباس الرياضي، وعبر مشروع الشراكة مع الشباب فعاليات وأنشطة متنوعة، تختص بمسارات القيادات الشبابية والتوظيف والتكنولوجيا والإعلام.
فيما تتمحور المبادرة الخضراء حول حل مشكلة النفايات المتراكمة في الطريق بين طوباس ومخيم الفارعة، عبر إنتاج فيديو يوضح المشكلة وآراء الأهالي والمارين منها، وعرضه في لقاء مفتوح يجمع جهات الاختصاص، ويعرف بأسباب المشكلة وحلها، ويسبقه عمل ميداني بالشراكة مع مجلس الخدمات المشترك للنفايات الصلبة؛ لتنظيف الموقع ولفت الانظار للمشكلة.
aabdkh@yahoo.com