خاص بآفاق البيئة والتنمية
حازت فيفيان لقبها الأول في المسرح والعلوم السياسية والماجستير في علم الانثربولوجي "الإنسان" من جامعة نورث كارولينا وكادت أن تقطع شوطاً في الدكتوراة من ذات الجامعة في العلوم الحياتية والزراعة، لولا أنها اكتشفت أن الخبرة الحقيقية هي من قلب الحقل الريفي ومع المزارعين وليست من المحاضرين الجامعيين، فلم تكمل رسالتها فحسب، بل لغت الفكرة نهائياً.
|
بعد سنوات من الدراسة في الولايات المتحدة، أغرت الطالبة والمهتمة بالموروث الزراعي فيفان صنصور فكرة نصحها بها صاحب منتج فلسطيني لزيت الزيتون "ناصر أبو فرحة"، تمثلت بالعودة للوطن وزيارة جنين بقراها ومروجها لتتعرف أكثر على تراث الأرض الفلسطينية بذوراً وزراعةً.
وفعلاً تركت فيفيان البلاد التي يحلم بها الكثيرون وعادت لتتعرف عن قرب على فئة شبه مهمشة وقطاع مهمل ...المزارعون والزراعة، وتعيش وسطهم وتتعرف على طقوس الزراعة التقليدية وتتذوق وتشم أصالة المنتج البلدي وبساطة حياة الريف، فبدأت منذ ذلك الحين حكايتها مع توثيق البذور الأصلية والبلدية كونها سلاح الفلسطيني للبقاء على أرضه، ومواجهة هيمنة البذور الإسرائيلية المهجنة، وتحديدا تلك المعدلة وراثياً.
|
|
الثمار الناتجة عن النباتات البلدية التي جمعتها فيفيان صنصور |
بذور البطيخ الجدوعي البلدية |
التعلق بالأرض
عملت فيفيان كمزارعة في مزرعة عضوية صغيرة في الأوروغواي تديرها نساء ريفيات، وقد دُهشت من قدرة مساحة صغيرة على إطعام أسر عديدة... استمرت رحلتها في المزارع لتشمل أيضا هندوراس والمكسيك والبيرو. |
في أواخر التسعينيات، قررت ابنة بيت جالا في بيت لحم أن تتعلم في الولايات المتحدة رغبةً في استكشاف العالم البعيد، تاركةً وراءها أجمل الذكريات حول طفولة بين تلال بيت لحم (الحبايل) الموشاة بالمشمش واللوز والزيتون، وذاكرة الفلاحات بائعات الفجل والبدويات منتجات الجبن.
"أمي كانت ملهمتي الأولى، هي من شجعني على السفر والبحث عن ذاتي، كانت تقول لي: اطلعي بدراعك أي اصنعي نفسك من تعبك وعرق جبينك". تقول فيفيان
حازت فيفيان لقبها الأول في المسرح والعلوم السياسية والماجستير في علم الانثربولوجي "الإنسان" من جامعة نورث كارولينا وكادت أن تقطع شوطاً في الدكتوراة من ذات الجامعة في العلوم الحياتية والزراعة، لولا أنها اكتشفت أن الخبرة الحقيقية هي من قلب الحقل الريفي ومع المزارعين وليست من المحاضرين الجامعيين، فلم تكمل رسالتها فحسب، بل لغت الفكرة نهائياً.
ساعدت الغربة فيفيان والتي عملت في مجال الصحافة الأمريكية المكتوبة في تعميق نظرتها إلى وطنها من منظور جديد ومختلف عن ذي قبل، حيث انتابها الحنين لكل ما هو فلسطيني أصيل، وعرفت في الغربة قيمة التراث وبساطة الحياة، فقررت إعداد رسالتها الماجستير عن نساء من بيت لحم.
|
|
بذور الخس البلدي التي عكفت فيفيان صنصور على توزيعها على النساء الريفيات |
فيفيان صنصور مع المزارعين البلديين أبو ضياء وخضر غطاس في قرية وادي فوكين |
الخوف من الماضي والتوجس من الحاضر والعمل للمستقبل
تعرّفتُ على أم أحمد ، والتي اعتقل أبناءها وهدم بيتها كإجراء عقابي من الاحتلال، ما أدهشني كيف تزرع هذه السيدة في بيتها وتطعم أسرتها من خلف ركام المنزل...قلت في نفسي إذا أم احمد بظروفها تقدِر... فكلنا نقدر".وفق فيفيان فإن تجربة أم أحمد في الاكتفاء الذاتي والاقتصاد المقاوم ليست حكرا على فلسطين فقط، بل تواجهها كثير من المجتمعات حول العالم والتي تصمد أمام هيمنة وجشع رأس المال ومحاولته إقصاء صغار المزارعين، ويبقى الصراع واثبات الوجود مشتعلاً للبقاء والحفاظ على الأرض.
|
صدمتها حين عادت عام 2004 كانت كبيرة لدرجة أقعدتها في الفراش شهرا كاملاً، حيث وجدت الذاكرة الجميلة قد شُوّهت، فالجدار الفاصل التهم الأرض وعزل المدينة وقتل التنوع الحيوي، والمنتج الريفي تهاوى أمام البضائع الإسرائيلية التجارية بلا طعم أو رائحة.
لكن بداية تعلقها بالإرث الزراعي بدأت حين نصحها أمريكي من أصل فلسطيني مهتم بمشاريع زراعية حول العالم "جون سابيلا" بزيارة مزرعة عضوية صغيرة في الأوروغواي تديرها نساء ريفيات، دُهشت فيفيان من قدرة مساحة صغيرة على إطعام أسر عديدة، استمرت رحلتها في المزارع لتشمل أيضا هندوراس والمكسيك والبيرو.
تكمل فيفيان في حوارها مع مجلة آفاق البيئة والتنمية: "في زيارة لإعداد قصة صحفية من قلب مخيم الدهيشة عام 2005، تعرّفتُ على أم أحمد ، والتي اعتقل أبناءها وهدم بيتها كإجراء عقابي من الاحتلال، ما أدهشني كيف تزرع هذه السيدة في بيتها وتطعم أسرتها من خلف ركام المنزل...قلت في نفسي إذا أم احمد بظروفها تقدِر... فكلنا نقدر".
وفق فيفيان فإن تجربة أم أحمد في الاكتفاء الذاتي والاقتصاد المقاوم ليست حكرا على فلسطين فقط، بل تواجهها كثير من المجتمعات حول العالم والتي تصمد أمام هيمنة وجشع رأس المال ومحاولته إقصاء صغار المزارعين، ويبقى الصراع واثبات الوجود مشتعلاً للبقاء والحفاظ على الأرض.
|
|
بذور بلدية تم عرضها في معرض فيفيان صنصور في مؤسسة قطان |
فول بلدي في بستان فيفيان صنصور |
تفاصيل الحياة البسيطة
"التغير المناخي ليس حكراً على المتعلمين، بل هو ثقافة يعرفها أبسط مزارع، حيث من خبرته وتجاربه أصبح يتنبأ بأحوال الطقس ويعد العدة استعداد لموسم شتاء ماطر أو فترة جفاف صعبة". |
محطة أخرى حاسمة في حياة فيفيان بدأت عام 2010 وامتدت لعامين، حين لبّت دعوة تاجر الزيت أبو فرحة الذي لمس اهتمامها بالأرض والزراعة، حيث دعاها لتعيش في قرى جنين ونابلس وتتعرف أكثر على التراث الزراعي وتُعايشَ حياة المزارعين، وبالفعل كان ذلك. "تلك التجربة كانت أجمل فترة في حياتي". تقول فيفيان.
تنقلت فيفيان الباحثة عن ذاكرة الأجداد الزراعية، بين قرى التعنك، برقين، فقوعة وسلفيت ودير بلوط وغيرها...، كان المزارعون وفق وصفها معلمون كبار وملهمون كتبت قصصهم ووثقت بالصور تفاصيل يومياتهم، شعرت من خلالها ومع تجاربها في أمريكا الوسطى والجنوبية، بأهمية التاريخ الزراعي في تكوين الثقافة الإنسانية والحفاظ على الأرض.
وثقت الشابة الثلاثينية تفاصيل لا يلتفت إليها كثيرون من طرق عمل المفتول، وخضّ الحليب ليصبح لبناً، وصناعة الخميرة التقليدية من حامض العجين، كما تماهت مع الفلاحين عبر قطف الثمار وحرث الأرض بالتراكتور أو على الحمار، وتعلمت عن البذور الأصلية البلدية ومواسمها وبدأت بجمعها.
"التغير المناخي ليس حكراً على المتعلمين، بل هو ثقافة يعرفها أبسط مزارع، حيث من خبرته وتجاربه أصبح يتنبأ بأحوال الطقس ويعد العدة استعداد لموسم شتاء ماطر أو فترة جفاف صعبة". تؤكد فيفيان
|
|
فيفيان صنصور تعمل مع المزارعين الفلسطينيين |
قرع زرع في بتير |
ليست مجرد بذرة
"الاستدامة والبقاء والجدوى الاقتصادية هي فعلياً في البذر البلدي الأصلي، فلا استهلاك كبير للمياه بل كثير منها يعتمد على مياه الأمطار، ولا مدخلات كيماوية". وأعربت فيفيان عن رفضها لفكرة البيوت الصناعية التي حولت الوضع الطبيعي للزراعة من أرض وشمس إلى بلاستيك وكيماويات.
|
بفعل الاحتلال وممارساته، وإغراق السوق الزراعي الفلسطيني بالمدخلات الكيماوية بعد عام 1967 وإهمال القطاع الزراعي عموماً فيما بعد، تعرض التنوع الحيوي والبذور البلدية لخطر الانقراض، حول ذلك تقول فيفيان:
" الاستدامة والبقاء والجدوى الاقتصادية هي فعلياً في البذر البلدي الأصلي، فلا استهلاك كبير للمياه بل كثير منها يعتمد على مياه الأمطار، ولا مدخلات كيماوية". وأعربت عن رفضها لفكرة البيوت الصناعية التي حولت الوضع الطبيعي للزراعة من أرض وشمس إلى بلاستيك وكيماويات.
"عبقرية أجدادنا طورت لنا القمح في الهلال الخصيب منذ آلاف السنين، كما عبقرية أهل البيرو مع البندورة، والذرة من خلال أهل المكسيك، هذا الموروث يجب أن يعامل كإرث كبير علينا الحفاظ عليه في مواجهة البذور المهجنة والمعدلة وراثياً". تستطرد
|
|
مكتبة البذور البلدية في مؤسسة قطان |
يقطين بلدي في معرض قطان برام الله |
مكتبة البذور...استعارة البذرة وإعادتها بذوراً
"وثقت فيفيان الخيار الأبيض في جمعية حفظ الأصناف الايطالية Ark of Taste كنبات فلسطيني، كما جمعت العديد من بذور البطيخي الجدوعي المهدد بالانقراض، والخس الارطاسي الذي زرعته بأرضي ومن ثم وزعت بذوره على العديد من المزارعين".
|
الفكرة من مكتبة البذور هي أن نعيد إحياء المعرفة الزراعية الخاصة بنا، وترسيخ القيمة الموجودة عند أجدادنا والمفترض طبيعياً أن يتوارثها الأبناء والأجداد".
تعتمد فيفيان في توثيقها على الروايات الشفوية والمشاهدات من كبار السن في القرى والمضارب البدوية، من أناس عاصروا الفترة قبل عام ال67، إضافة إلى كتب التاريخ الزراعي والمرجعيات العلمية في هذا المجال.
"البذرة تحمل في نواتها ليس ثمرا وإنتاجا وعطاءً فقط، بل هويتنا وروحنا وكثيرا من حبنا لأنفسنا" تقول فيفيان
بعد أن جمعت فيفيان عدداً لا بأس به من البذور، قامت بالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن قطان للثقافة والفنون بتوثيق البذور البلدية في معرض، كما نظمت ورشات توعوية للطلبة والمعلمين حول أهمية البذور الأصلية.
"وثقت الخيار الأبيض في جمعية حفظ الأصناف الايطالية Ark of Taste كنبات فلسطيني، كما جمعت العديد من بذور البطيخي الجدوعي المهدد بالانقراض، والخس الارطاسي الذي زرعته بأرضي ومن ثم وزعت بذوره على العديد من المزارعين".
تسعى فيفيان لإقامة مكتبة بذور شعبية لأهداف التوثيق والتعريف بأهمية هذه البذور وفتح المجال لتوزيعها على المزارعين بهدف إكثارها، فعدا عن جودتها ومقاومتها للتقلبات المناخية، فهي حكاية الفلسطيني، وأحد أسباب بقائه.
وتطمح بمكتبتها تلك، إلى التوعية وتغيير نظرة الإنسان حول ما يأكل، وتشجيع المزارعين على العودة للبذر البلدي الأفضل للتربة والصحة والمتوائم مع البيئة.
في أوقات الفراغ تهوى فيفيان الكتابة وممارسة الفن وطبخ ألذ الطعام من التراث، ولكن بشرط أن يكون عضوياً وبلدياً أصيلاً.