خاص بآفاق البيئة والتنمية
(1)
تفيد مصادر الجغرافيا التي نقلتها النسخة السابقة من المنهاج الدراسي الأردني، حول المرج الذي كان يمتد على مساحة 360 كيلو متراً مربعا: يعد (مرج ابن عامر) أعظم سهل داخلي في فلسطين يجمع بين مساحة عظيمة وموقع حيوي وقيمة اقتصادية عالية وتربة ذات مقدرة هائلة على الاحتفاظ بالماء، فضلاً عن احتوائها على عناصر هامة."
ويحاط المرج بثلاث كتل جبلية: طابور أو الطور شمالاً، والدحي شرقاً فسلسلة جبال فقوعة شمالاً.
نبحث عن سر تسمية هذا المكان، فنجد أن الاسم يعود إلى بني عامر من قبيلة كلب العربية التي اتخذت من المرج، مقراً لها مع بدء الفتوحات الإسلامية.
يستلقي المرج بين جبال الجليل شمالاً وجبال نابلس في الجنوب والجنوب الغربي، و"تداعبه" في الشمال جبال الناصرة، فيما يرقد من شرقه وادي الجالود المنتمي لنهر الأردن.
(2)
حتى النهر لم يعد كذلك. تفيد الكتب الجغرافية الحديثة، التي يدرسها أطفالنا في الصف السابع، أن نهر المقطع من أنهار فلسطين. ولا يقدم الكتاب تعديلًا عن واقع النهر الذي تحول منذ زمن بعيد لمجرى مياه عادمة.
تشاهد طفلاً يرعى قطيعًا من الأبقار في المكان. تسأله: ماذا تفعل...هل يسمح للأبقار بالرعي في قلب المياه العادمة؟ يقول نعم: النباتات تنقي المياه، وتزيل منها الأوساخ، وتصبح مياه نقية، ونشرب الحليب ونطمئن!
(3)
تستذكر حواراً سابقاً فتحته مع نائب رئيس بلدية جنين، علي نبهان الشاتي، يومها تسأله: نريد جواباً واضحاً، لماذا تسمحون بالبناء في أراضي المرج؟ تأتينا الإجابة: "منذ هذه السنة (2007)، وحتى عام 2050 لن نُوسّع حدود البلدية، بل العكس هناك توجه لتخفيض حدودها، وتوجهنا العمراني ينتشر نحو المناطق الجبلية في الجهة الجنوبية."
يوالي الشاتي الحديث: "لم نمنح التراخيص للأبنية المخالفة، واتخذنا قراراً منذ استلام المجلس البلدي في الـ 14 من كانون الثاني 2006 بعدم ترخيص الأبنية التي يقيم أصحابها بشكل مخالف للقانون في أراضي المرج الزراعية. وحتى تلك المقامة بدون ترخيص اتخذنا القرار بعدم إيصال الخدمات لها من تيار كهربائي وماء ومجارٍ ونفايات وصرف صحي."
على أرض الواقع الصورة مغايرة تماماً: الزحف الإسمنتي متواصل، والشوارع، وأعمدة الهواتف والكهرباء وشبكات المياه متاحة للمخالفين!
هذا هو حساب البيدر والحقل...
رعي الأبقار في قلب المياه العادمة في مرج ابن عامر
(4)
تحاور مهندسًا يشرف على بناء مجمع تجاري في قلب المرج. تسأله: ما رأيك في تدمير الأرض الزراعية؟ يقول: رأيي الشخصي ضد، ولكن رأيي التجاري مع وبشدة؛ لأن التجارة أهم من الزراعة!
(5)
"قبل 30 سنة، كانت أراضي مرج ابن عامر يطارد فيها الخيل. اليوم صارت حواكير" هكذا يقول المزارع السبعيني أحمد الشيخ، في إيجاز لوصف ما حل بالمرج.
(6)
خلال طفولتك، كنت تسير من جنين إلى عمق المرج مشياً على الأقدام. اليوم صار الاسمنت يسبح في الأرض الزراعية.
(7)
تستثمر كل زيارة لوزير زراعة إلى جنين لتطرح عليه مسألة تدمير المرج. حتى اللحظة الوزراء الخمسة الذين سألتهم قالوا: لن نسمح بتخريب المرج !!!
 |
 |
زحف اسمنتي لا متناهي يواصل تدمير الأراض الزراعية في مرج ابن عامر |
زحف اسمني متواصل على الأراضي الزراعية في مرج ابن عامر |
(8)
لم يجد المزارع عبد الوهاب الحاج يوسف الذي تعرضت أرضه للتدمير باسم المنطقة الصناعية، من وسيلة غير توجيه رسالة إلى السفير التركي في الأراضي الفلسطينية، ليطلب منه أن لا تمول حكومة أنقرة مشاريع تدمير الأراضي الخصبة.
(9)
كلما تعود بذاكرتك إلى صور المرج القديمة، تتذكر كيف كانت تبدو مساحات المرج كلوحة فنية بالغة الإتقان: مستطيلات ومربعات خضراء أو صفراء فاقعة، أو حمراء بلون التربة، لكن المشهد اليوم صار يزخر بالاسمنت الذي يفسد كل شيء.
(10)
تراهن في حلقة تلفزيونية أن نجد يوما ما بقعة صالحة للزراعة في المرج، إذا ما استمرت شهوة التدمير بهذه الصورة البشعة. وقتها سنستورد كل شيء من الصين، وعندها سندفع ثمن كل الخضروات بالعملة الصعبة ونحن نضحك!
 |
 |
عملية تشويه وتدمير مرج ابن عامر تتواصل بالزحف الاسمنتي وشق الشوارع وإنشاء ما يسمى المنطقة الصناعية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة |
نهر المقطع في مرج ابن عامر وقد تحول إلى مجرى للمياه العادمة |
aabdkh@yahoo.com