خاص بآفاق البيئة والتنمية
يقوم المواطن المسن ابو احمد بجمع الأدوية منتهية الصلاحية فيضعها في اناء فيه ماء، يذوّبها ويحمل المحلول فيسقي به أشجاره المنزلية، رؤية اشجاره خضراء منتشية يبعث فيه الفخر بأن ذلك يأتي نتيجة عنايته بها، وخاصة حين يسقيها الادوية المذابة التي يعتقد انها سماد قوي يدفعها للنمو والاخضرار في وقت قياسي.
اما ام باسل، فتقوم بفحص صيدلية الدواء المنزلية اسبوعيا تقريبا، فتقوم بجمع هذه الادوية في كيس وتلقيها في مكب النفايات خارج المنزل، حتى لا تصلها ايدي الاطفال فتعبث بها، وقد يتناول احدهم الدواء ظنا منه انه شيء يؤكل.
هي ليست حالات عشوائية، انما ثقافة مجتمع يتبعها المواطنون كآلية يرونها مناسبة للتخلص الآمن من الادوية منتهية الصلاحية، ظنا منهم ان تناولها وحده الخاطئ، وان القاءها في مكب النفايات او احراقها ينهي مخاطرها.
بهذا الشأن أوضحت سيرين القاروط من وزارة الصحة في رام الله ان المستهلك عليه ان لا يكدس الادوية في منزله حتى لا يكون لديه ادوية كثيرة منتهية الصلاحية، فالافضل وهو المتعارف عليه في دول عالمية كثيرة هو التخلص من هذه الادوية بإرجاعها للصيدلية التي يتعامل معها المواطن، والصيدلية بدورها تقوم باتلافها مع ادويتها التالفة، بطرق صحية وآمنة.
كما يمكن لربة البيت خلط الادوية مع مواد اخرى كبواقي القهوة مثلا حتى لا تكون قابلة للاستخدام، او تجذب انتباه الاطفال، كما يجب تغيير هوية الدواء وتشويهها حتى تقل جاذبية الدواء للاستخدام.
غزة.. كارثة بيئية وصحية بفضل آلية الاتلاف
ملف اتلاف الادوية ليس الا كارثة بحد ذاته، يقول الخبير البيئي ورئيس سلطة البيئة السابق د. يوسف ابو صفية أن اتلاف الادوية في غزة غالبا يتم بطريقة الدفن. ففي عام 2010 تم دفن 8 طن من الادوية التالفة، وهذه المواد خطرة جدا، فالدواء بحد ذاته خطر وسام، الا اذا اخذ بجرعات محددة، وفي تاريخه المحدد، اي قبل انتهاء تاريخ صلاحيته وذلك كي لا تتغير تركيبته.
اما طريقة اتلاف الأدوية الصحيحة فيشير ابو صفية أنها تكون من خلال الحرق في خلايا خاصة من الاسمنت المسلح، وبدرجة حرارة اكثر من 1000 درجة مئوية، اي في محرقة حرارتها عالية جدا، حيث تتبخر هذه المواد بشكل تام.
ويتابع: "هناك طريقة بعمل صناديق باطون محصن، توضع فيها المخلفات الصناعية والأدوية، بحيث توضع في مكان معين لحين معرفة كيفية التعامل معها في المستقبل."
بينما في غزة تتلف الادوية في مكبات نفايات عادية، "ما ادى الى اعتقادي ان 95% من مياه غزة على الاقل غير صالحة للشرب وملوثة بالمواد الكيماوية."
تقول د. هيفاء شراب- مستودع غزة – "الشركات العربية لم تعد ترجع الدواء التالف، ونظيرتها الاسرائيلية لا تصل، وشركات الضفة لا يمكننا وصولها، ما دفعني لإتلاف ادوية بما قيمته 2 مليون شيقل هذه الفترة على حسابي الخاص، اضافةً الى النقل الذي اتكلف به ايضاً، دون وجود اي تعويضات."
وترى د. شراب ان الادوية منتهية الصلاحية تتلف بشكل صحي، وعن طريق لجان متخصصة، لكنها تشكل عبئا كبيرا على غزة وخاصة لما تعانيه من اكتظاظ سكاني.
بينما يرى د. اشرف ابو مهادي- مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة- ان القرار يعتمد على نوع الادوية وتركيبتها الدوائية، فهناك ادوية تحرق بالكامل ويتم التخلص منها بالمياه العادمة، وهناك ادوية يتم التعامل معها بطرق كيماوية، أما الادوية الصلبة فيتم القاءها في مكب نفايات او يتم حرقها، والعبوات الزجاجية تكسر، فيما تستورد بعض الشركات الدواء قبل ان تنتهي صلاحيته.
ويضيف د. أبو مهادي "لا يوجد آلية تقول ان الادوية التالفة تعاد للشركة، بالتأكيد لا نتكلم عن الادوات الطبية، نجتهد بالإتلاف بأقل الاضرار الممكنة، وهناك لجنة بالوزارة مشكّلة من عدة تخصصات، كل باختصاصه، تقوم اللجنة بالإقرار عن الكمية وآلية الاتلاف... كله موثّق لدينا، هناك محرقتين بالشفاء وناصر، لكن الاتلاف يستغرق وقتا طويلا بسبب صغر المحرقة."
الوضع في الضفة أخطر بكثير
في الضفة الغربية، تقوم لجنة خاصة مشكلة من جهات عدة مكونة من وزارة الصحة وسلطة جودة البيئة وممثلين عن الجهات ذات الاختصاص الاخرى بالاشراف على اتلاف الادوية منتهية الصلاحية، حيث تقوم المشافي والمراكز الصحية بتجميع الادوية التالفة، ويتم تصنيفها واتلافها حسب طبيعة المادة، فتقر اللجنة اتلافها اما بالطمر او الحرق، وكذلك حال بقية المواد الطبية والادوية منتهية الصلاحية.
يقول د. ابو صفية ان الوضع في الضفة الغربية اخطر من ذلك، ففي اسرائيل يتم ارسال الادوية التالفة لمكان مخصص لها في النقب، حيث يتم دفع 2000-3000$ لكل برميل يتم اتلافه، لكن اسرائيل كانت تهرب هذه البراميل للضفة للوديان واراضي واسعة، حتى لا تتكبد دفع خسائر مالية عليها، وتتلف بالحرق بحرارة عادية في اراضينا او بالدفن، وهذا يؤدي لدخول هذه المواد الخطرة للسلة الغذائية لنا وللمياه، وهذا يفسر انتشار الامراض الخطرة ويؤدي الى القتل في حالات معينة.
وأضاف د. ابو صفية "تم ضبط 250 برميلاً في جنين قبل عدة سنوات، وحين اثير موضوعها اختفت، وفي طولكرم اصطدمت جرافة ببرميل للدواء فاحترق وخرج منه دخان قاتم بكميات كبيرة. هناك مخالفات عدة في كيفية تخلصنا من النفايات الكيماوية والخطرة خاصة، والحديث يطول حول هذا الموضوع، فمثلا لا يتم فرز البطاريات والمواد التي تحتوي على مواد كيماوية في مكباتنا، من يقوم بذلك؟؟ لا احد بالتأكيد."
ويتابع قائلا "ما يعبر عن استهتارنا في هذا الموضوع؛ أن رئيسة سلطة البيئة في الضفة هي مهندسة معمارية، وفي غزة رئيس سلطة البيئة هو مهندس كهرباء، والمتخصصون في الوزارة يهمهم تركيبة الدواء وليس آلية اتلافه."
المحامي معن ادعيس -باحث قانوني في دائرة مراقبة التشريعات والسياسات الوطنية في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان-ديوان المظالم- أشار الى أن مجلس الوزراء في العام 2012 وضع لائحة حول إتلاف النفايات الطبية إنفاذا لقانون البيئة (الحق في بيئة نظيفة بحسب المادة 33 من القانون الأساسي) والتي تبين الإجراءات الواجبة الإتباع في إتلاف النفايات الطبية والتي منها الأدوية التالفة.
تنص المادة (33) من القانون الاساسي الفلسطيني على ان "البيئة المتوازنة النظيفة حق من حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة الفلسطينية وحمايتها من أجل أجيال الحاضر والمستقبل مسؤولية وطنية". فهل راعت الجهات المختصة هذه المادة حين تقوم باتلاف الادوية بطريقة غير صحية؟!!!.