تعيد منظمة "سيدر انفيرومنتال" –“cedar environmental” في ندوة لها في الجامعة الاميركية في بيروت طرح موضوع كيفية معالجة الأدوية المنتهية الصلاحية. وهي تقترح تقنية جديدة لإعادة الاستخدام بدل طمرها مع النفايات العادية او بدل حرقها في أفران شركة الترابة، كما حصل مؤخراً مع اعتراضات للأهالي في القرى المجاورة، إلا ان البحث في خلفية المسألة وتاريخيتها يطرح أسئلة أبعد وأعمق من الخلاف التقني.
سبق ان وجهنا السؤال الى وزارة البيئة عندما وقعت بروتوكولاً مع شركة "هولسيم" لتجربة حرق بعض كميات الأدوية في أفرانها: هل هذا الإجراء مؤقت بسبب وجود كمية من الادوية التي دخلت الى لبنان في فترة الحرب الاهلية تحت حجة "الإعانات" وهي أدوية تم توزيعها على المستوصفات كانت على وشك الانتهاء من صلاحيتها، تخلصت منها بعض الشركات او بعض التجار لكي لا تتكلّف على معالجتها في بلد المنشأ؟! وهل هذا الإجراء تجريبي ومؤقت؟ أم أننا نبغي من ذلك وضع آلية دائمة لمعالجة الأدوية المنتهية الصلاحية عبر الحرق في أفران شركة الترابة؟ لم يأتِ الجواب في ذلك الحين بحجة أن الموضوع "تجريبي" في كلتا الحالتين؟
لو كان لدينا استراتيجية بيئية ومن ضمنها استراتيجية لمعالجة النفايات على أنواعها، لما كنّا أمام هذه الإشكاليات التي لا تنتهي. فأول مهمة لهذه الاستراتيجية أن تعرف ما هو نوع هذه النفايات ومن ثم تحاول أن تجيب على الأسئلة المتعلّقة بما إذا كان هناك حاجة لمعالجتها بطرق خاصة؟
فإذا كانت هذه النفايات تصنّف نفايات خطرة، وهي مستوردة ولا تصنع في لبنان، فهي تخضع لاتفاقية بازل للتحكم في نقلها عبر الحدود. وبالتالي علينا أن نبدأ بالتفكير في الحلول من هنا.
وإذا كانت الكمية محدودة وناجمة عن فترة الحرب شيء، وإذا كنا نتوقع إنتاج كمية دائمة شيء آخر. وإذا كانت وزارة الصحة العامة تقدر حجم الادوية من زمن الحرب في مستودعاتها بما يقارب 500 طن، وقد تمّ حرقها، فهل المشكلة في تلك الأدوية المنتهية الصلاحية سنوياً والمقدرة بحوالي 150 طناً أيضاً؟
في هذه الحالة أليس من الافضل بدل وضع بروتوكول مع شركة الترابة، وضع بروتوكول مع شركات الادوية او وكلائها لإعادة استردادها؟
فإذا كانت الأدوية المنتهية الصلاحية تصنف ضمن النفايات المنزلية الخطرة والتي تحتاج الى معالجة خاصة، فلماذا لا يتم وضع خطة خاصة مع غيرها من النفايات المنزلية المصنفة خطرة مثل البطاريات والأجهزة الإلكترونية، بالتعاون مع البلديات وتجميعها في مستوعبات تمهيداً لإعادة تصديرها الى بلد المنشأ، خصوصاً انها تشترك جميعها في المواصفات بأنها خطرة وبأنها مستوردة؟
الدراسة التي تمت مناقشتها لا تتطرق الى كل هذه الاشكاليات وهي تطرح اعادة الادوية في تقنيات محددة؟ فماذا تقترح؟ وهل يمكن لوزارة البيئة ان تتلقف هذه المقترحات بغض النظر عن تقنية إعادة التصنيع التي تحتاج الى المزيد من الدراسة والتقييم؟
ح. م.
برأي زياد أبي شاكر مدير "سيدر انفرومنتال" يعتبر التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية أمراً شائكاً في جميع أنحاء العالم، حيث تلجأ المجتمعات الصناعية إلى حرق الأدوية المنتهية الصلاحية مع السيطرة على الانبعاثات بينما تلجأ المجتمعات الأقل ثراءً إلى طمر تلك النفايات.
في لبنان، تقوم بعض الشركات بطمر تلك الأدوية بطريقة غير مشروعة، بينما تلجأ شركات أخرى إلى تخزينها في انتظار حلول أفضل من إعادة تصديرها إلى بلد الشركة المصنعة كما تنص القوانين الحالية. مؤخراً، تمّ حرق بعض الأدوية في أفران الإسمنت غير أن السكان المقيمين في جوار معامل الإسمنت اعترضوا على تلك الآلية.
تهدف منظمة "سيدر انفيرومنتال"–“cedar environmental” إلى محاربة التلوث من خلال تطوير البحوث والتقنيات التكنولوجية. في العام 2010، تقدّمت المنظمة للحصول على براءة اختراع في شأن تقنية تسمح بتدوير أكياس البلاستيك وغيرها من قصاصات البلاستيك إلى لوحات توزيع كهربائية (panel boards) سميكة يمكن استخدامها في الكثير من التطبيقات بدل اللوحات الخشبية أو تلك المصنوعة من مادة الصلب أو الفولاذ (steel). وأطلق على تلك التقنية اسم “ecoboard”
اختبارات لإعادة التصنيع
في العام 2012، طلبت المنظمة من الدكتور وليد سعد، الأستاذ في قسم الهندسة الكيميائية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، البحث في إمكانية تضمين الأدوية الصيدلانية المنتهية الصلاحية في عملية تصنيع اللوحات“ecoboards” المصفوفة من البلاستيك، والتحقق من أن المواد الفعالة في الأدوية تتسرّب من المواد البلاستيكية او إنها تحفظ لفترة طويلة ما يسمح بجعل تلك الآلية تقنية مقبولة لتدوير الأدوية المنتهية الصلاحية من دون اللجوء إلى حرقها أو ردمها.
تحتوي العينات الأولية على الأدوية المضادة للالتهاب“dyclofenac” وخضعت لاختبارات تسرّب المواد على درجة حرارة الغرفة، وعلى درجة حرارة تتراوح بين الخمسين والسبعين درجة حرارة مئوية. لم تبين النتائج أي تسرب في ثلاثين عينة تحتوي على الحبوب الكاملة، كما يشرح ابي شاكر.
في مرحلة أخرى، تم سحق الحبوب إلى بودرة، وأظهرت الاختبارات نسبة تسرب قليلة خلال عشرة أيام. تعمل المنظمة على تطوير آلية ترتكز على تضمين مادة الألمنيوم في الأدوية ما يحد من عملية التسرب ويجعلها غير ممكنة.
تظهر عملية التصنيع ونتائج اختبارات التسرب في عملية تضمين الأدوية المنتهية الصلاحية في لوحات التوزيع الكهربائية البلاستيكية نجاحا،ً خصوصاً في عدم تسرب مواد الأدوية من اللوحات حتى في حال تسارع درجة الحرارة المئوية.
اعتراضات مستمرة
كان السجال حول إحراق الأدوية المنتهية الصلاحية قد وصلت الى الذروة عام 2013 حين بدأت فعلا تجربة حرق بعض الأطنان منها في افران شركة الترابة في سبلين. وكانت الاعتراضات لا تزال مستمرة على هذه التجربة حتى الأمس القريب حين اعلنت بلدة كفريا المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبلدات المجاورة شكا والهري البترونيتين، عن رفضها للموضوع لاسيما بعد أن صدر عن وزارة البيئة قرارٌ يقضي بالموافقة على إحراق الادوية المنتهية الصلاحية في افران شركة "هولسيم" من دون الاخذ برأي المجالس البلدية المعنية (شكا، الهري وكفريا) والتي رفضته رفضاً قاطعاً واعتبرته تخطياً لصلاحياتها.
وقد شكّك رئيس لجنة حماية البيئة في شكا بيار أبي شاهين بتجربة إحراق خمسة أطنان من الأدوية العام 2013، معتبراً أنه تم إحراق 40 طناً من الأدوية والمواد الفاسدة، وأن التجربة قد فشلت.
لطالما حكي عن إمكانية ترحيل هذا النوع من النفايات لمعالجتها خارج لبنان، حسب اتفاقية بازل التي تحدد كيفية انتقال النفايات الخطرة بين الحدود ومعالجتها. ويبدو ان بعض الشركات رحلّت كميات محددة. كما قيل إن نقابة مستوردي الأدوية وضعت آلية للتخلص من بعض الأدوية قبل انتهاء مدة صلاحيتها بقليل بالتعاون مع الصيدليات، ولم يتم تقييم هذه التجربة بعد.
حرق التجارب
كانت وزارة البيئة قد وقعت اتفاقية تفاهم مع شركة "هولسيم" بإشراف مكتـب التدقيق الفني (APAVE) وقد حصلت اول تجربة بحرق خمسة أطنان من هذه الأدوية في أحد أفران الشركة بإشراف مكتب التدقيق، وقد تمّ أخذ عينات قبل هذه التجربة وبعدها لفحصها.
وحول ما اذا كانت هذه الاتفاقية للتخلص من أنواع كهذه من النفايات بعيدة المدى أم هي ظرفية للتخلص من الكميات الموجودة والمتراكمة فقط، وماذا تشمل غير الأدوية الطبية المنتهية الصلاحية... تؤكد مصادر وزارة البيئة أن مذكرة التفاهم هي حول الأدوية المنتهية الصلاحية من أيام الحرب فقط، وان الحل المستقبلي لن يكون في تعميم هذه التجربة او إقرارها كآلية رسمية، بل إن الأفضل هو إيجاد آلية ضمن نقابة مستوردي الأدوية التي عليها أن تعيد الأدوية المنتهية الصلاحية الى المصدر، من دون أن تتكلف الدولة اللبنانية او أية جهة أخرى مسؤولية المعالجة وكلفتها.
ولكن ماذا عن الفيول المجمع والمنسكب من حرب تموز العام 2006 إذ قيل حينها إن شركات الاسمنت لم توافق على معالجتها بالحرق؟
وماذا حصل بالنسبة للأغذية الفاسدة؟ هل من حاجة لتعديلات في الأفران؟ هل هناك أنواع فلاتر جديدة، غير المعتمدة حالياً لمحارق الوقود؟ هل هناك من حاجة لصيانة إضافية؟ وما هي الكلفة؟ وما هي الانبعاثات المتوقعة؟
ثم تحمّس البعض أيضاً لحرق بعض انواع النفايات المنزلية ايضا تحت اسم (ار، دي، ايف) كبديل عن الفيول، ووضع هذا الاحتمال في خطط النفايات الفاشلة الأخيرة. وقد ظهر جلياً أننا لا نزال في طور التجارب في كل هذه الأمور، فهل تضاف تجربة إعادة استخدام الادوية المنتهية الصلاحية الى كل هذه التجارب ام نذهب الى وضع استراتيجيات أكثر شمولاً واستدامة؟ أم أننا نستسلم لتصنيف لبنان بالبلد الذي يحرق التجارب، بدلاً من أن يستفيد منها؟