خبراء وناشطون: آن الأوان للتخلص من ثقافة الاستهلاك ورد الاعتبار للتطوّع
صلاح هنية: علينا مراجعة أنفسنا، وتحديد بداية الاستغناء عن المساعدات الأجنبية
د. أحمد النوباني: الاقتصاد المنزلي والمُقاوم يجمع الناس وينمي الروح الوطنية
عمر البرغوثي: حركة المقاطعة عزلت إسرائيل عالميًا، وضربت سمعتها اقتصاديًا
الندوة المتلفزة حول آفاق بناء اقتصاد فلسطيني مقاوم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
دعا ناشطون وخبراء، في ندوة " حوارات بيئية" إلى اتخاذ إجراءات رسمية وشعبية لبناء اقتصاد مُقاوم يتحرر من المال السياسي والتمويل الأجنبي. وطالبوا بإلغاء اتفاق أوسلو وبرتوكول باريس، لأنهما يخضعان الاقتصاد الفلسطيني ويربطاه بالمعونات الأجنبية، التي تدمر التنمية الزراعية والاقتصادية. كما دعوا إلى تطوير المواصفات والمقاييس للصناعات الوطنية في مواجهة مثيلاتها الإسرائيلية، ومنع الشركات المتورطة في دعم الاحتلال من كسب عطاءات في الأراضي الفلسطينية؛ لأن من يدمر البيوت في القدس لا يمكنه إعادة إعمارها في رام الله وغزة.
وحثوا على الانضمام لميثاق روما لمحاسبة الشركات الأجنبية المتورطة في دعم الاحتلال وبناء المستوطنات، باعتبارها جرائم حرب. وأطلقوا نداءً بوقف التطبيع وتوسيع دائرة مقاطعة بضائع الاحتلال، ونبذ النمط الاستهلاكي في حياتنا للتخلص من قيود المعونات الأجنبية، والقروض البنكية، وتحرير القطاع الخاص من الاحتلال.
ودعوا إلى حراك شعبي يستهدف الأجيال الشابة لتمجيد حياة البساطة وربطها بالمقاومة، والتخلي عن الاستهلاك، وخلق نماذج عملية لمشاريع معتمدة على ذاتها. بالتوازي مع مأسسة مقاطعة بضائع الاحتلال والتطبيع، لتصبح عملاً دائماً، وإعادة الحياة إلى العمل التطوعي والتعاوني، وحماية المزارع الفلسطيني.
وعادت ندوة "آفاق البيئة والتنمية" من غزة الجريحة إلى رام الله، في حلقة ( حوارات بيئية) المرئية بالشراكة مع تلفزيون وطن، بعد شهر واحد من إطلاق تجربة إذاعية خضراء. وحمل اللقاء عنوان: هل يمكن فعلاً بناء اقتصاد فلسطيني مُقاوم؟"
وشارك في النقاش العضو المؤسس والناشط في حركة مقاطعة إسرائيل BDS عمر البرغوثي، والمحاضر في جامعة بيرزيت د.أحمد النوباني، ورئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، فيما أدار الحوار الصحافي البيئي عبد الباسط خلف.
أسئلة شائكة
وعلى مدار 50 دقيقة سعت الندوة للإجابة عن أسئلة شائكة، كمعنى الاقتصاد المُقاوم، إمكانات بناء اقتصاد مماثل في الحالة الفلسطينية الراهنة، واشتراطات ومتطلبات هذا النوع من الاقتصاد في ظل الأوضاع السياسية الحالية، والأبعاد البيئية لهذا النوع، ودور الأطر الشبابية فيه، وسبل كبح جماح النزعة الاستهلاكية وصولاً لتكريس ثقافة الإنتاج والاعتماد على الذات والاستغناء عن المساعدات الخارجية، وتداعيات غياب الفكر الإنتاجي على الأرض وحمايتها، والحد من هجرة الشباب، والحلول الواجبة لتدعيم وتكريس ثقافة الإنتاج والتخلي عن التوجهات الاستهلاكية، والنقطة التي وصلت إليها مقاطعة الاحتلال ( الاقتصادية والأكاديمية) في المحافل الدولية، والنجاحات والإخفاقات التي واجهت وتواجه حملات المقاطعة محلياً وخارجياً، ومنطقية الفصل بين منتجات المستوطنات ومنتجات الاحتلال، ومستقبل المقاطعة في ظل الاتفاقات السياسية والاقتصادية المرحلية.
مقاطعة إسرائيلية للسلع الفلسطينية عام 1936!
وانطلقت الندوة بسرد خبر نشرته صحيفة فلسطينية في الخامس عشر من تموز 1936، جاء فيه: "حملة على البطيخ الفلسطيني في تل أبيب لأنه محصول المجرمين بقلقيلية وطولكرم... أيها اليهودي اعلم أن 95 % من البطيخ الذي يُباع في تل أبيب هو من محصول المجرمين في قلقيلية وطولكرم، وإن كل ما يُدفع لشراء بطيخ يقوي أعداءك في حربهم للاستعمار اليهودي. لا تأكل بطيخًا ولا تشتره."
وقال د. النوباني إنه يمكن بناء اقتصاد فلسطيني مقاوم فلسطينياً؛ لأنه يقوم على البساطة ويبتعد كل البعد عن الاستهلاك، بدليل أنه خلال انتفاضة عام 1987، استطاع الكثير من المواطنين في المناطق الريفية من خلال الاقتصاد المنزلي والزراعة البسيطة وتربية الحيوانات، التخلي عن الكثير من المستهلكات والبضائع الموجودة في السوق.
واسترجع تجربة ذاتية خلال تلك الفترة، قائلاً: يجب أن نفكر جيدًا في استعادتها، وبخاصة في ظل العدوان الذي حصل في غزة.
وأستذكر المحاضر بجامعة بيرزيت: خلال الانتفاضة كنا أربعة أخوة، ولم يكن منا أي أحد يعمل، وانخرطنا في الفعاليات الوطنية، وكان يتوفر لدينا كل شيء بالمنزل ( العسل، والأغنام، والدجاج، وبيت بلاستيكي لإنتاج الخضروات)، وكل ما كان على مائدتنا كان من إنتاجنا الذاتي.
أبعاد اجتماعية ومظاهر غائبة
وأضاف: من التجربة الماضية لم يكن الأمر مسألة اقتصادية فقط، بل له انعكاسات وأبعاد اجتماعية، وكنا أكثر سعادة مقارنة باليوم، رغم التغيرات في طبيعة وظائفنا وتطور أعمالنا الحرة؛ لأن أملنا وألمنا كان مشتركاً مع كل الناس.
وتابع النوباني: الاقتصاد المنزلي والمقاوم يجمع الناس، وينمي الروح الوطنية والانتماء عندهم. وما يعزز هذا حملة المقاطعة الحالية، التي يجب أن تدعم هذا النوع من الاقتصاد، الذي يقوم على استغلال الإمكانات الذاتية والبسيطة، ومحاربة الرغبة في المزيد من الاستهلاك.
فيما أكد هنية أن الاقتصاد الزراعي يقف على رأس داعمي الاقتصاد المُقاوم، كما يعززه العودة إلى فكرة التعاونيات والعمل التعاوني التي فُقدت من الريف والمدينة. وقال: "خلال دراستنا في المرحلة الثانوية، كنا ندرس تجارب حية عن الجمعيات التعاونية والروح التي كانت سائدة، التي اختفت اليوم. وصرنا نبحث في أسواقنا عن المنتجات الزراعية البلدية، ولا نجد إلا المحاصيل الإسرائيلية، وصرنا نستورد من أمريكا والصين، وهذا كله يُرهق المستهلك الفلسطيني، الذي يحاول العيش بطريقة طبيعية، ويعتمد على الزراعة العضوية، التي تقوي الإمكانات الذاتية في الإنتاج والاعتماد على الذات، ومواجهة المنتجات الإسرائيلية والمستوردة، التي تشوه نمط الحياة في كل شيء، وتخلق النمط الاستهلاكي في كل حياتنا، وتشجع التوجه إلى القروض البنكية، ما يؤدي إلى تضخم متطلبات الحياة، بالرغم أنها ليست مطلوبة، ويمكن الاستغناء عنها بنمط بسيط وتعاوني.
وأضاف: تفاجأنا في "حماية المستهلك" بعد التمهيد لحملة مقاطعة منتجات الاحتلال، من استعداد الناس للمقاطعة، والتنازل كثيرًا عن الرفاهية التي كانوا يتمسكون بها قبل عام، فكانوا يقولون مثلاً ( لا نستطيع العيش دون الزبدة الإسرائيلية، وماذا سنفعل من غير الحليب الإسرائيلي؟)، واليوم صاروا يتوجهون إلى المتاجر ويبحثون عن السلع الفلسطينية.
ويتابع: "كنت أقف بجوار زميل في متجر، وأسعى لإقناعه بشراء حليب فلسطيني، ودخل علينا شاب وأختار علبة بشكل عشوائي، وقال: كل السلع منتجات فلسطينية، ونحن في مرحلة التجريب، وسنجرب الأنواع الأخرى، حتى استقر على صنف فلسطيني جيد، وهذا يُدلل على وعي المواطن، وإمكانية تنازله عن الرفاهية، وفي المقابل نضغط نحن على المنتج الفلسطيني لرفع معايير الجودة، فالمستهلك عالي الذوق".
وأضاف: مع حملة المقاطعة، والعدوان على غزة، تراجعت الرغبة بالرفاهية أكثر، وبدأنا نشاهد تراجع المظاهر التي تبعث على التذمر من تبني سلع الاحتلال. وبالتوازي مع هذا لم يتراجع مستوى المعيشة، ما دحض افتراضات سابقة كانت تروج أن انقطاع المنتج الإسرائيلي سيؤثر علينا كثيرًا.
حركة مقاطعة إسرائيل تبدأ بقطف ثمارها
واستعرض البرغوثي تجربة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة باسم BDC، التي انطلقت عام 2005، بحضور فلسطيني ولجنة وطنية تقود هذه الحركة عالميًا. وهي لا تعني مقاطعة الاحتلال وإنما إسرائيل التي لها ثلاثة أوجه من أشكال اضطهاد الشعب الفلسطيني ( إنهاء الاحتلال، وتصفية نظام الفصل العنصري، وحق العودة للاجئين). وأضاف: تتحدث الحركة عن الحقوق الأساسية لشعبنا، التي أقرتها كل القوانين الدولية لكل شعبنا، وليس فقط لـ (38 % الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة). وانتشرت الحركة منذ عام 2005 بشكل هائل في العالم، وتأخرت نتائجها. وقال كثيرون عملوا طويلًا في زراعة البذور، لكننا لم نقطف ثمار الجهود إلا في وقت قريب. وما نشاهده من حملات مقاطعة اليوم ليس عفوياً بغالبيته، وهي نابعة من أطر تعمل منذ سنين، واليوم رأينا الجمهور الفلسطيني يُقبل بشكل كبير عليها.
وأضاف: المقاطعة الأكاديمية والثقافية مرتبطة تماماً بالمقاطعة الاقتصادية؛ لأن ما نريد أن نضربه وسم ( ماركة) إسرائيل، وقد لعبت الحركة دوراً مهماً جدًا في عزل إسرائيل عالميًا، وضرب سمعتها، وبالتالي نقترب من مرحلة جنوب أفريقيا، حيث بات المستهلك الغربي في الكثير من الدول يشمئز حين ينظر إلى المنتج الإسرائيلي، لأن اسمها ارتبط بالاستعمار والاحتلال والفصل العنصري، وهي دولة عنصرية ومجرمة تنفذ حربا ضد شعب أعزل.
ضيوف ندوة الاقتصاد المقاوم من اليمين إلى اليسار- عمر البرغوثي، د. أحمد النوباني وصلاح هنية
اقتصاد صديق للبيئة
وقال النوباني: "إن الاقتصاد المقاوم الذي يعتمد على البساطة والإمكانات الذاتية والحد من الاستهلاك، له انعكاسات إيجابية كبيرة على البيئة" فنحن نستغل الموارد البيئية بأقل ما يمكن، وبشكل مستدام، كحال الزراعات العضوية، التي هي أحد ركائز الاقتصاد المقاوم أو اقتصاد (الكفاف)، وتستخدم دورة زراعية عضوية في الزراعة، ولا تحتاج إلى كيماويات، ولا تضر بصحة الإنسان ولا تُهدد البيئة.
وأضاف: ما يثير الاستغراب إهمال الزراعة العضوية في بلادنا على العكس تمامًا مما يجري في الدول الأوروبية مثلاً، إذ يلجأ الناس الأكثر رفاهية نحو هذا النمط من الزراعة، وهذا يفترض أن يعرفه المواطن في بلادنا، الذي تكونت لديه توجهات مُعاكسة، في حين يذهب إلى السوق ويبحث عن الشكل الأكبر والأجمل للمنتجات الزراعية، ولا يهتم بمضمونها السيء، ويغفل أن هذا الشكل تكّون بفعل التدخلات الكيماوية، كما أن ممارسة النمط العضوي له آثار نفسية إيجابية.
وتابع: من وحي تدريسي لمساقي (قضايا البيئة وجغرافيا البيئة) ألمس تفاعلاً من الطلاب. واعتقد أن الناس بحاجة إلى مشاهدة نماذج عملية لتدعيم الشق النظري للزراعة العضوية والاقتصاد المُقاوم وحياة البساطة، وهذا مفقود، بالرغم من وجود بعض النماذج البسيطة، التي هي بحاجة إلى توسيع.
وحث د. النوبابي المرتبطين بالأرض والمنتمين والمثقفين على تقديم نماذج عملية لطلبة الجامعات؛ لإتباعها والتأثر بها. وقال: في ظل العدوان على غزة بدأنا نلمس تفاعلًا من الطلاب، و"كي الوعي" بشكل إيجابي. ونحتاج للحديث عن اقتصاد البساطة؛ لأن الاستهلاك هو نير للعبودية، وكلما زدنا الاستهلاك وضعنا كوابحاً أكثر أمام التحرر، ولا يعقل في مرحلة التحرر الوطني أن نستهلك أكثر من الإسرائيلي.
وأضاف: أشعر بالخجل حين أقود سيارة جيب، وأرى مستوطناً يقود سيارة (رينو)، فهذا المستوطن الذي يعيش في إمكانات هائلة، وكان في أوروبا وأمريكا يعيش برفاهية، يرضى بسيارة متواضعة، أما نحن فنبحث عن السيارات الفارهة.
أرقام سوداء
وسردت الندوة أرقاماً عالمية تشير للفجوة الاقتصادية، إذ يعيش 20% من سكان الأرض على اقل من دولار واحد يوميًا، فيما يحصل 40% منهم على أقل من دولارين في اليوم. في وقت يُمثل سكان الدول المتقدمة 20% من السكان إلا أنهم يستهلكون 58% من الطاقة و45 من اللحوم والأسماك، و84% من الورق، و87% من السيارات، و74 % من أجهزة الهواتف، وينتج هؤلاء 85 % من جميع السلع الصناعية في العالم، بينما لا يمتلك 20% من سكانه إمدادات المياه!
ومضى رئيس جمعية حماية المستهلك: علينا أن نراجع أنفسنا، ونسأل عن توقيت بداية التأسيس للاستغناء عن المساعدات الأجنبية المشروطة سياسيًا في معظمها، وإذا ما بدأنا بالإعداد الجيد للاعتماد على الذات سنستطيع، وهذا يحتاج إلى وقت.
وأضاف: هناك أصوات تقول إننا لا نستطيع الاستغناء عن المساعدات، وتتهمنا بالعدمية، وعدم المعرفة بالتعقيدات السياسية والاقتصادية الحاصلة، ولكن ثبت اليوم، إذا ما أردنا الحديث عن اقتصاد مقاوم وتنمية قدراتنا الإنتاجية ونحن في مرحلة تحرر وطني، علينا زيادة الاعتماد على الذات، وهناك إمكانات لرفع ذلك من مصادر داخلية موجودة في الوطن، بالرغم من صغر مساحته.
مساعدات أجنبية
ومضى هنية: إذا ما نظرنا إلى القطاع الزراعي، نرى إمكانية تنميته وتطويره، وكذلك لقطاعي الصناعة والسياحة، بحيث تولد حالة من الاعتماد على الذات. وإن توفرت إرادة سياسية للتطور والاستغناء عن المساعدات الخارجية، سنحقق ذلك بعد فترة بعيدة المدى.
وأردف: بقراءة لأرقام جهاز "الإحصاء" ووزارة المالية، حول ميزان المدفوعات، يتضح أن المعادلة تفيد بقدرتنا على تغطية النفقات الحكومية من عائدات الضرائب، لكن خبراء اقتصاد يفيدون بأن الوضع ليس ورديًا بهذه الطريقة. في المقابل قلت مساهمة الحكومة للمشاريع التطويرية في القطاع الزراعي والتعليمي مثلاً، عما كان عليه سابقًا. وتحتاج الموازنة والفارق بين العائدات والإيرادات لتدقيق أكثر، لعكس إرادة سياسة تثبت قدرتنا في الاعتماد على الذات.
6 مليارات دولار خسائر بسبب الاحتلال
وقال العضو المؤسس في حركة مقاطعة إسرائيل إن أرقام البنك الدولي تشير إلى أن الاحتلال يكبدنا أكثر من 6 مليارات دولار سنويًا ( بفعل الأراضي المُصنّفة ج وحدها)، وهذا يعني الاستغناء عن كل المعونات الأجنبية وأكثر إذا انتهى الاحتلال على أراضي عام 1967.
وتابع: خلال تسع سنوات من مراكمة العمل، وصلنا إلى طفرة نوعية في التأثير على إسرائيل، فمنذ حزيران 2013 بدأت تنظر إلى حركة المقاطعة كتهديد استراتيجي لنظامها برمته، ونقلت ملف محاربتها من وزارة الخارجية، إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية، التي تعنى بالخطر الإيراني والعلاقات مع الولايات المتحدة والملفات الكبيرة جدًا. وهذا غريب، أن تُصنف حركة حقوق إنسان، ونضال سلمي، بهذا التهديد، ما يدلل على أن BDS وصلت إلى نقطة إضعاف للنظام الإسرائيلي الاستعماري القوي، ومثلاً، خلال بداية عام 2014 استطعنا ضرب سمعة إسرائيل في أكبر صناديق الاستثمار في العالم التي سحبت استثماراتها منها ومن الشركات المتورطة مع الاحتلال، وأكبر دليل على هذا ما فعله الصندوق النرويجي السيادي في العالم، الذي سحب استثماراته من شركتين إسرائيليتين؛ بسبب تورطهما في بناء مستعمرات، وما قام به ثاني أكبر صندوق في هولندا ( قيمة استثماراته 200 مليار دولار) حين سحب استثماراته من جميع البنوك الإسرائيلية المتورطة في الاحتلال.
اختراقات ونجاحات
ويوالي البرغوثي: حتى الحكومة الألمانية، التي تعد الأكثر تواطؤاً في العالم مع الاحتلال بعد الولايات المتحدة، قررت استثناء أي إطار إسرائيلي يعمل في الأراضي المحتلة عام 1967 من أي اتفاق تعاون تقني مستقبلا. كما أن بيل غيتس أغنى أغنياء العالم قرر وبضغط من الحركة سحب استثماراته من شركة G4S الأمنية بسبب تورطها في العمل بالسجون حيث يعذب أسرانا، وفي الحواجز والمستعمرات، فيما كسبت هذه الشركة عقد تأمين موسم الحج في السعودية ثلاث سنوات متتالية!
ويزيد: اعترفت إسرائيل بفشلها في مواجهة حركة المقاطعة، التي بدأت تؤثر في البرج العاجي، فقررت زيادة محاربة حركة المقاطعة بـ 200 مليون شيقل، وزيادة التجسس على ناشطي الحركة وخاصة في الغرب، وزيادة الحرب القانونية لتجريم المقاطعة، لكن نحن نقول أن أمضى سلاح لدى دولة الاحتلال هو سلاح التطبيع، وهي تستخدم هذا السلاح في كل مكان بالعالم، تحت شعار ( لا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم). فحين تنظم ألمانياً برنامجاً شبابيًا تطبيعيًا عن حل الصراع، ونطالب الحكومة بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح، يردون علينا بوجود شراكة وحوار فلسطيني – إسرائيلي، وهو الأسلوب الأفضل لحل الصراع وليس الضغط والمقاطعة!
تطبيع
يفيد: منذ المؤتمر التأسيسي للجنة الوطنية التي تقود حركة المقاطعة، في رام الله 2007، أقر تعريف بسيط للتطبيع: ( إذا كان الطرف الإسرائيلي لا يعترف بحقوقنا كافة حسب القانون الدولي، وحتى وإن اعترف بها ولم تكن هذه العلاقة علاقة مقاومة ( يعني مقاومة مشتركة، وليس تعايشاً مشتركًا)؛ لأن العلاقة الطبيعية بين المُستعمِر والمُستعَمر يجب أن تكون النضال لإنهاء الاستعمار، وليس ثمة علاقة طبيعية أخرى، وما عدا ذلك غير طبيعي ( تطبيعي).
عبودية الاستهلاك
وأكد النوباني، أن الاستهلاك قيّد، وفي ظل غياب استغلال كل الإمكانات المتاحة ( زراعية وغير زراعية) ستكون أمام الشباب هوة كبيرة، ويلجأون إلى الهجرة، وهذا يحتم علينا استغلال الموارد البسيطة لتثبت هؤلاء.
وقال: لا يمكن التوجه نحو اقتصاد مقاوم إذا ما جرى تمجيد الاستهلاك، الذي أصبح مدعاة للرفعة الطبقية، والشموخ، في وقت انقلبت فيه المفاهيم، ولم تعد حياة البساطة هي المثال والنموذج. وبعد خلق مدينة رام الله أو (الثقب الأسود) اجتذبت كل القيادات المجتمعية والعمالية والثقافية والحزبية من الريف والمخيمات والمدن، وبالتالي تركت هذه المواقع دون قيادات حقيقية، وأصبحنا على العكس من ذلك جزءاً من عملية بيروقراطية، وأصبحت قدوة الشباب مفقودة، ولا تمثل النخب الموجودة النموذج الذي يُحتذى للاقتصاد المقاوم، لا بل أصبحت نموذجًا في الاستهلاك، وهذا خطير جداً.
بيوت مستأجرة وسيارات!
وأوردت الندوة معطيات رقمية لجهاز" الإحصاء" عام 2013، تشير إلى 10,6 % من المواطنين يعيشون في بيوت مستأجرة، و21,9% يمتلكون سيارات، فيما بلغ متوسط الإنفاق الفردي الشهري بالدينار على الطعام 53,6، و22,4 دينار على وسائل النقل والاتصالات و6,4 دينار على السجائر!
واقترح هنية البداية من توعية المستهلك والأسرة الفلسطينية لترشيد الاستهلاك، بالاستعانة بأمثلة ونماذج لشؤون حياته، في وقت تذهب 40% من موازنة الأسرة للغذاء، يمكن تقليلها لتذهب لقطاعات أخرى. مع ضرورة العودة إلى الأرض، والتعاونيات بالرغم من صعوبتها وما تواجهه في قطاع مثل الإسكان، وما فيه من إشكالات.
قروض
وأشار إلى القروض التي رفعت نسبة الاستهلاك بشكل عالٍ، وبمقارنات من مختصين بين نسبة الفائدة بيننا وبين الأردن وإسرائيل، وجدنا أنها 9% لدينا ترتفع أحياناً إلى 12%، ولكن لا تذهب إلى سد حاجة ماسة، ويمكن الاستغناء عنها، فهي تحول الإنسان إلى (عبد) وتقلل من اعتماده على ذاته. مثلما بوسعنا تقليل استهلاك الطاقة، والتوجه إلى الطاقة المتجددة (الخلايا الشمسية)، مثلما بدأنا بتوعية حول المواصفات والمقاييس للسلع بالتزامن مع فصل الشتاء، كبطاقة المواصفة وما فيها من ترشيد للطاقة.
وأكد هنية أنه مع زيادة التشوه في الاستهلاك، تذهب القيادة السياسية إلى قرارات غير سليمة، كالحال في مسألة التطبيع، التي تتحول إلى فكر ترفي، فمن يذهب مثلاً إلى ألمانيا في برنامج تطبيعي يقول إنه حصل بالمجان على سياحة، وهذا يؤدي لقرارات اجتماعية خطيرة وغير منطقية.
حركة شعبية
وقال البرغوثي إن حركة المقاطعة بدأت في أوج مرحلة ( أوسلو)، وهي شعبية لا تعتمد على السلطات والحكومات، ويعطل التطبيع ( الرسمي والاقتصادي والأكاديمي) عملها ويحد من انتشارها، لكنها تعتمد على النقابات والحركات الشبابية والنسوية والأحزاب، وهذا يتجاوز أزمة النظام السياسي الرسمي، فخلال العدوان الأخير على غزة بدأت حركة المقاطعة في الأردن، وتتشكل في مصر وتركيا ونشطت في المغرب والكويت ولبنان، وبدأت الشعوب ترى أن التضامن معنا لا ينحصر بحرق علم إسرائيل والهتاف في الشارع ، فهذا جيد، ولكنه غير كافٍ، إذ لا بد من أخذ إجراءات ضد الشركات والمؤسسات المتواطئة مع الاحتلال في انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا هو التضامن الحقيقي مع شعبنا وما يتعرض له.
المُقاطعة: سلاح اقتصادي
وفردت الندوة مساحة لأرقام حول المقاطعة، تفيد وفق ناشطين، إلى أن 80% من المنتجات الإسرائيلية لها بديل فلسطيني وبجودة عالية، فيما ستوفر نحو 30 ألف فرصة عمل للفلسطينيين، منها ستة آلاف في فرع الصناعات الغذائية، وسترفع حصة الصناعة من الناتج المحلي بـ 17 %.
ووفق أرقام معهد السياسات الاقتصادية (ماس)، فإنه يمكن خلال المقاطعة تقليص قيمة البضائع الإسرائيلية في السوق الفلسطيني من 4 مليارات إلى 3 مليارات خلال السنة الأولى فقط، وأن تصل إلى مليارين خلال عامين، إذا ما تم الاعتماد على الاستيراد المباشر للبضائع الرئيسة كالقمح، لأن 60 من السلع معاد تصديرها إسرائيليًا.
وأوضح هنية أن السقف الشعبي كان مقاطعة بضائع الاحتلال، ولم ينحصر بالمستوطنات، فنحن لا نميز بينهما؛ لأن المستوطنة إفراز للاحتلال ولا فرق بينهما. وفي البدايات عام 1999 شهدنا تحركاً أوروبياً لمقاطعة منتجات المستوطنات، وأطلقنا ائتلافاً مع جمعية الشهيد نعيم خضر في بروكسل، وأجرينا حملة لمقاطعة منتجات المستوطنات، ونجحنا في إخراج 15 صنفاً من الأسواق. لكن تلك الفترة كانت تجربة غريبة، حين بدأ المواطنون يسخرون من العاملين بمقاطعة منتجات المستوطنات، في وقت يذهب كثيرون للشراء من المتاجر الإسرائيلية في تل أبيب وغيرها. لكن بعد انتفاضة عام 2000 انتقلنا للمنتجات الإسرائيلية، وبدأ يزداد الوعي الشعبي، وكنا وقتها نعاني ضعفا في قطاعنا الصناعي قياسًا مع اليوم.
المقاطعة ليست موسمية
وتابع: حملات المقاطعة ليست موسمية، وهناك مؤسسات تتخصص فيها في مجالات كثيرة، ونبذل جهداً استراتيجيًا في المسألة، لكن الهبات الشعبية تختلف من مرحلة لأخرى، وهذا مكسب استراتيجي لنا، وعلينا استثمار فترات المد، لمأسسة التجربة وإعطاء عبرة لأنفسنا، بأن استطعنا إخراج أكبر ست شركات إسرائيلية من سوق المنتجات الغذائية، وانتقلنا لسوق البناء. وإذا ما استطعنا إعلان مناطق خالية من منتجات الاحتلال نستطيع مأسسة المقاطعة للاستمرار، ولن نستطيع التراجع، ولن تتمكن المتاجر التي أعلنت خلوها من سلع الاحتلال العودة عن قرارها.
وقال هنية إن الاحتلال ينهب مقدراتنا ومياهنا وحقوقنا الطبيعية، ولا نستطيع رفع شعار مقاطعة المياه مثلاً، ومن يطرح شعارات من هذا القبيل يسعى لتعقيد الأمور، فالأمر يحتاج إلى تفكيك، فمثلاً 90 % من الاسمنت يأتي عبر إسرائيل، وستحاول الشركة الفلسطينية التي تستورد هذه السلع البدء في طحن الاسمنت وتقليل نسبة الاستيراد.
وأضاف: يطرح البعض مثلا مقاطعة المياه، التي هي حقنا المنهوب، ولا يمكن العيش دونها. أما الكهرباء فندعو دائما لبناء محطات لتوليد الطاقة، وفتحنا حوارات مع سلطة الطاقة للتوجه نحو الطاقة النظيفة (الخلايا الشمسية)، وبدأنا نسمع عن إعلانات عن إنارة منازل وقرى وشركات بها، لكن تفاجأنا باتفاق يربط تزويد محطة توليد الكهرباء في جنين ( تحت التأسيس) بالغاز الإسرائيلي لعشرين سنة قادمة!
المقاطعة مُكمّلة للنضال وليست بديلة عنه
ورأى د. النوباني أن لا أحد يطرح المقاطعة بديلاً لكافة أشكال النضال، بل هي مُكمّلة لها، وثمة أنماط مقاومة لا يمكن للجميع الانخراط فيها، لكن المقاطعة هي الأبسط والمتاحة للجميع. كما أنها لا تطرح من زاوية التأثير الاقتصادي فحسب بالاحتلال، وإنما تُعلّم الناس تبني موقف وطني وإنساني ضد الظلم، كما يبني ثقافة مقاومة.
وتابع: من واقع عملي في الزراعة، خضنا تجارب ناجحة في الاعتماد على الذات، فبعد تخرجي من الجامعة وجدنا سوق بطالة، فتوجهت ببساطة إلى تربية النحل كمتدرب، وتحولنا لاحقًا إلى أكبر منتج للعسل في الضفة الغربية، وبدأت تنخرط به عائلات كثيرة، ونشرناها في القرى المجاورة، ودربنا 40 مزارعاً بالمجان، ولا زلنا نفتح باب التدريب لمن يرغب، وخلقنا نوعاً من التعاون، وأصبح لدينا موسم العسل الذي يشبه موسم الزيتون بعاداته وثقافته.
تجارب انتفاضة الحجارة
وأضاف: شهدت انتفاضة عام 1987 تجربة جزئية في بناء اقتصاد منزلي وزراعي، في حين لم نعد ننتج شيئاً هذه الأيام، ودمرت الأموال الداعمة ثقافة الإبداع، وقتلت روح الإنتاج، وضربت التعاون الذي هو رأس المال الاجتماعي لدينا، وأنهت العمل التطوعي، ولا يستطع أحد اليوم القيام بعمل تطوعي دون البحث عن الجهات المانحة ومالها السياسي، وحين ستنسحب ستقتل روح التعاون وتتركنا في الهواء، فيما مجدت العولمة الفكر الاستهلاكي.
وسردت الندوة مفارقة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2012 وفق الجهاز المركزي للإحصاء، إذ كانت 4,9 % مقابل 6,7 % للخدمات، ما يخلق اقتصادًا مشوهًا. وميّز البرغوثي بين الشركات الخاصة الفلسطينية، وقال إن من يستورد السلع من الخارج مختلف عن الذين يروجون لسلام اقتصادي، لأنه يبني علاقات عضوية تلحقنا بالاحتلال بصورة كبيرة جداً. وانتهت الندوة بمقترحات وتوصيات وحلول للمضي في المقاطعة وإنجاح السعي نحو الاقتصاد المُقاوم.
لمتابعة الندوة التلفزيونية الرجاء الضغط على الرابط التالي: