
التسويق الاجتماعي
رئيسة جمعية التنوع الحيوي المايكروبي الأردنية
أدت سلوكيات اﻹنسان السلبية وغير المدروسة تجاه البيئة إلى تدهورها, وعلى ضوء هذه المتغيرات باتت المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية ضرورة ملحة تحتم على الحكومات سن التشريعات وإتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل البيئة مكانا آمنا للعيش لنا ولﻸجيال القادمة. إن من أهم الإستراتيجيات المتبعة لحماية البيئة هي زيادة وعي العامة, لكن زيادة الوعي وحدها لا تكفي، حيث تحتاج المعلومات التي إكتسبها العامة عن طريق حملات التوعية إلى الترجمة إلى أفعال, لذلك كان لا بد من التوجه إلى تبني مبادئ تعديل السلوك.
يعرف السلوك بأنه كل الأفعال الصادرة عن الفرد في بيئة معينة وقد يحدث السلوك لا إرادياً مثل التنفس أو إرادياً وهذا السلوك يمكن تعلمه ويتأثر بعوامل البيئة المحيطة التي يعيش فيها الأفراد.
يواجه تعديل السلوك عامةً وتعديل السلوك البيئي خاصةً صعوبات في تحقيق الأهداف على المدى البعيد, ولتجاوز هذه الصعوبات تم اللجوء إلى تطبيق مجموعة من الإستراتيجيات ومن أكثرها شيوعاً: التسويق الإجتماعي.
يعتمد التسويق الإجتماعي على تطبيق مبادئ التسويق التجاري للتأثير وإحداث التغيير على السلوكيات المجتمعية لحماية البيئة ولتعزيز السلوكيات المستدامة، حيث يمكن للتسويق الإجتماعي أن يكون أداه فعالة وناجحة في تغيير السلوك البيئي المنشود لدى الفئات المستهدفة في حملات التوعية.
أهداف التسويق الإجتماعي :
يهدف التسويق الإجتماعي إلى واحدة من أربعة اهداف:
1. قبول سلوكيات جديدة مثل إستخدام الدراجات الهوائية والمشي للتقليل من إنبعاث الكربون.
2. رفض سلوكيات غير مرغوب فيها مثل التدخين.
3. التعديل على سلوك حالي مثل التقليل من مدة الإستحمام للحفاظ على المياه.
4. الإقلاع عن سلوك قديم مثل التوقف عن رمي النفايات في الطرقات.
يرتكز التسويق الإجتماعي على جانب "الثواب على السلوكيات الإيجابية", ولضمان فاعلية إستخدامه فإنه يجب بدايةَ فهم الفئة المستهدفة جيداً والقيام بعمل مسوحات، وتقسيم الفئة المستهدفة إلى مجموعات بناءً على مواقفهم وسلوكياتهم, ومن الجدير بالذكر أنه ينبغي أن تتم تجربة أي برنامج يهدف إلى تغيير السلوك مع مجموعة صغيرة من الناس قبل أن ينفذ مع بقية الفئة المستهدفة.
التخطيط الممنهج:
يمكن القول أن المرحلة الأكثر أهمية في أي برنامج هي التخطيط, والتي غالباً ما تهمل نتيجة المتطلبات اليومية وبالتالي، تم تجزئة عملية التخطيط إلى سبع مراحل كما يلي:
1. تحديد الأهداف.
2. إختيار الشركاء.
3. مرحلة الإطلاع.
4. إستهداف الجمهور.
5. إختيار أدوات التغيير.
6. الحصول على تمويل.
7. قياس الإنجازات.
أدوات التغيير:
يجب إعتماد إستخدام أدوات التسويق الإجتماعي الصحيحة لتغيير السلوك المنشود, وما يلي بعض هذه الأدوات الأساسية لتوفير أفضل السبل لتحفيز الناس على إتخاذ الإجراء المرغوب:
1.الحوافز والمخالفات المالية.
2. الإستئناف.
3.التواصل الشخصي.
4.ردود الفعل.
5. الحصول على الإلتزام.
6. بناء الدافع على المدى البعيد.
تحديات التسويق الإجتماعي :
لا غلو حين نقول أن تطبيق التسويق الإجتماعي في المجال البيئي لا يزال في مرحلة مبكرة جدًا, لكن هنالك إتجاه متزايد في إستخدامه حيث يمكن أن يكون نهجاً مفيداً لمعالجة القضايا البيئية, وبالرغم من نجاح مبدأ التسويق الإجتماعي في تحقيق الأهداف المنشودة إلا أنه يواجه عدداً من التحديات, فمثلاً تعتمد فعاليته لتحقيق التغيير السلوكي الواضح على أساس تدريجي, كما أن مبادئه محدودة لتقييم نجاح البرنامج السلوكي أنيّا فقط وليس على المدى البعيد, كما يمكن أن يكون هنالك مشكلة في تطبيق التسويق الإجتماعي عند الإتجاه لمعالجة أعراض المشكلة وليس المشكلة نفسها, كذلك يعاني تغيير السلوك الإجتماعي مشكلة عدم وجود الخلفية والإختصاص المناسبين لدى ممارسي تطبيق هذا النوع من التسويق.
مبادئ لنجاح حملات التوعية المعتمدة على مبادئ التسويق الإجتماعي:
من المهم أن تكون رسائل الحملة جذابة ولافتة مع مراعاة إستخدام وسائل الإتصال المناسبة, وإستهداف الفئات الأكثر إستعداداً لتغيير سلوكها وتبني السلوك المرغوب, مع الأخذ بعين الإعتبار العمل على التركيز على ترويج سلوك مرغوب واحدٍ وبسيط وقابلٍ للتطبيق في الحملة الواحدة مع إبراز منافع تبني السلوك المرغوب وإظهار مساوئ السلوك الحالي المراد تغييره. كما يجب تعزيز السلوك الجديد بحوافز غير مادية أو سلع مجانية ذات علاقة بموضوع الحملة, ومن الضروري الإستفادة من تجارب الحملات المنفذه سابقاً مع تحديد العوائق التي تعيق تغيير السلوك والعمل على إزالة هذه العوائق، كما يجب تبني خطة متابعة وتقييم فعالة خلال كافة مراحل تنفيذ الحملة.
قصة نجاح :
لقد طبقت تقنيات التسويق الإجتماعي بنجاح في حملات تهدف إلى تعزيز السلوك الأخضر, حيث تعتبر مبادرة "دراجات"BIXI Montreal قصة نجاح لإستخدام التسويق الإجتماعي لتغيير سلوكيات السكان فيما يتعلق بركوب الدراجات بدلاً من إستخدام السيارات في المناطق الحضرية, ُأطلقت BIXI في 2009 كخيارٍ عمليٍ وجذابٍ للرحلات القصيرة, وهي خدمة موسمية وغير مكلفة وقابلة للتكرار في العديد من البلدان, كما أن محطات BIXI تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية وليس لها أي أثر يذكر على البيئة، ومنذ إنطلاقها عام 2009, قدمت BIXI أكثر من 13 مليون رحلة, وبحلول عام 2013 أصبح لديها 5120 دراجة هوائية. لقد غيرت BIXI فعلا سلوكيات العامة تجاه ركوب الدراجات حيث أن قبلها كانت نسبة إستخدام الدراجات للذهاب إلى العمل لا تتجاوز الـ 25%, بينما وبعد عامين من إطلاق المبادرة إرتفعت النسبة إلى 53% مما أدى إلى الحد من عدد السيارات على الطريق. ولقد كشفت نتائج دراسة أجرتها جامعة مونتريال ونشرت في 2013 في المجلة الأميركية للصحة العامة أن سكان المناطق القريبة من محطات BIXI كانوا يميلون إلى إستخدام نظام الدراجات إذا ما كانت عوامل الطقس وغيرها من المتغيرات مناسبة, كما أثبتت الدراسة أن BIXI قد زادت شعبية إستخدام الدراجات الهوائية. ومن الجدير بالذكر أن نظام BIXI قد فاز بالعديد من الجوائز، بما في ذلك إختياره كأفضل الإبتكارات لعام 2008 من قبل مجلة تايم، وجائزة أديسون لأفضل منتج جديد، وجائزة جمعية النقل المستدامة في 2009 كندا وغيرها من الجوائز.
التوصيات :
تقنيات التسويق الإجتماعي هي مجموعة من الأدوات المستخدمة لجعل عملية تغير السلوك أكثر كفاءة, ونظراً لحجم تحدي القضايا البيئية فإنه لا ينبغي أن يقتصر برنامج يهدف إلى حل القضايا البيئية المختلفة على مبادئ التسويق الإجتماعي فقط, حيث أنها وحدها لا تشكل رداً يتناسب مع حجم التحدي, إنما يجب أن يكون هنالك إستراتيجية أكثر شمولاً لإشراك الناس بدلاً من التركيز على الأفراد لتحقيق التحولات المجتمعية نحو معالجة القضايا البيئية, حيث يجب أن تدمج هذه الإستراتيجية ما بين إستخدام التسويق الإجتماعي والتعليم البيئي وتعزيز المواطنة الخضراء. علاوة على ذلك , فإن البحوث النفسية تظهر أن هنالك أنواعاً معينة من القيم مثل الإهتمام بالآخرين وإحترام البيئة يمكن ربطها مع السلوكيات البيئية لإحداث التغيير المنشود, مع الأخذ بعين الإعتبار أن هدف الحملات البيئية ليس إملاء القيم على الناس, إنما إبراز القيم التي من شأنها أن تؤدي إلى مشاركة جادة للحد من المشاكل البيئية وتحقيق الإستدامة. وبما أن هنالك نقصاً في الأبحاث والدراسات عن التسويق الإجتماعي في دول الشرق الأوسط, فإن هنالك ضرورة لإجراء أبحاث في الموضوع مع الأخذ بعين الإعتبار ضرورة تركيز البحوث المستقبلية على فعالية التطبيق لمعالجة المشكلة البيئية لا أعراضها.
المراجع :
1. Maibach, Edward . "Can social marketing make climate change A solvable problem?" Center for Climate Change Communication. Web. 2008. <http://www.tcp-events.co.uk/wsmc/downloads/keynotes/MAIBACH.pdf>.
3. Corner, A. & Randall, A. (2011). Selling climate change? The limitations of social marketing as a strategy for climate change public engagement. Global Environmental Change 21, 1005–1014).
4. Platt, R., Retallack, S. (2009). Consumer Power: How the Public Thinks Lower-carbon Behaviour could be Made Mainstream. Institute for Public Policy Research, London.
5. Craig, R. "On Social Marketing and Social Change." 'On Social Marketing and Social Change' Web. 18 May 2014.
6. Andreasen, A. R. (2002). Marketing Social Marketing in the Social Change Marketplace. Journal of Public Policy & Marketing, 21(1), 3-14.
7. Takahashi, Bruno. "Social Marketing for the Environment: A Comparative Analysis of Theory and Practice." State University of New York
8. Crompton, T. (2010). Common Cause: The case for working with our cultural values.Surrey: WWF UK.
9. Hastings, G. (2007). Social marketing: Why should the Devil have all the best tunes?Oxford, UK: Elsevier.Jones, N. (2010). Environmental activation of citizens in the context of policy agenda formation and the influence of social capital. The Social Science Journal 47, 121–136