نهاية عصر النايلون
كان لبدء استخدام مواد البلاستيك او "النايلون" في حياتنا اليومية وقع الصدمة. فهذه المادة الخفيفة المستخدمة في الاكياس والأغلفة اغرت كثيرين. لقد سهلت علينا الحياة كثيرا، بطريقة اعتبرناها طويلا انها مريحة، وعلى الاخص، "مجانية". بات كيس النايلون كالسحر، بكونه خفيفا وشفافا ومتينا و"مجانيا" وينقل اغراضنا بسهولة وسرعة وخفة... ماذا نريد اكثر من ذلك؟ يا لهذا الاختراع الباهر. ولكن سرعان ما تحول هذا السحر الى كابوس. فها هي اكياس وأغلفة النايلون تتراكم في الطبيعة وتتسبب بمشاكل كبيرة على الاقتصاد والبيئة والصحة معا. وبدأ العالم منذ سنوات بإعداد الخطط للحد من استخدام هذه المادة التي تحولت من مادة خفيفة وسهلة للنقل والتغليف الى مادة بشعة (على الطرقات وفي الوديان والأنهر والبحيرات والشواطئ والبحار...) وقاتلة للكثير من الكائنات ومضرة بالصحة البشرية ...الخ
لم يقم لبنان بعد بأي اجراء للحد من هذه الظاهرة، باستثناء مبادرات لجمعيات (لا سيما ما كان يسمى جمعيات الملتقى الاخضر) التي بدأت بحملات منذ العام 1996 لاستبدال اكياس النايلون في المحلات بشنطة تسوق. وقد فشلت هذه الحملة والحملات التي تلتها، بسبب عدم وجود قوانين ولا مراسيم وقرارات لوضع ضريبة على هذه الاكياس وتركها مجانية وسهلة الاستخدام... ولعدم تشجيع استخدام البدائل.
على المستوى العالمي اقدمت الكثير من حكومات العالم على اتخاذ اجراءات متشابهة تقريبا للحد من هذه الظاهرة، حدّت من استخدامها في العديد من البلدان، لكنها لم تنجح في منعها واستبدالها تماما. وقد صوّت مؤخرا البرلمان الاوروبي على تعديل في قانون التنوع البيولوجي يقضي بحظر استخدام الاكياس البلاستيكية لمرة واحدة اعتبارا من اول ايار من العام 2016. وهو اجراء لم يتوقف على الاكياس المستخدمة في المحلات الكبرى، بل طال الاكياس المستخدمة في محلات الخضار والفواكه التي لم يتراجع استخدامها بشكل كبير بالرغم من تسعيرها (اي وضع ضريبة على استخدامها) في الفترات السابقة.
ويشجع هذا القانون على منع استخدام الاكياس التي تستخدم لمرة واحدة والتي تتسبب بتلوث كبير لا سيما في البحر، وذلك لوجود بدائل من خلال اكياس تستخدم لأكثر من مرة او اكياس قابلة للتحلل.
لسنا مضطرين في لبنان الآن الى الترويج للاكياس القابلة للتحلل. فهي بالإضافة الى انها لا تزال مرتفعة الثمن، لا تناسب كثيرا بلدا مثل لبنان تغيب فيه الرقابة ولا تحترم فيه المواصفات والمقاييس وتكثر فيه المافيات. اجراء كهذا يتطلب اجراءات معقدة للتصنيع اذا كان سيصنع في لبنان واجراءات معينة للاستيراد يصعب ضبطها. في لبنان يمكن تشجيع الاعتماد على اكياس الورق المعاد تصنيعها والقابلة للتحلل في آن. وهو إجراء بالإضافة الى تشجيع استخدام شنط التسوق، يمكن ان يحد كثيرا من استخدام النايلون. كما يمكن الاستفادة حاليا من الابحاث التي تدور مؤخرا حول الضرائب لتمويل السلسلة، ودرس فرض ضرائب على كل السلع التي تتحول الى نفايات يصعب معالجتها او تلك التي تتسبب بأضرار كبيرة على البيئة والصحة العامة، وبينها البلاستيك. اجراء لا يؤمّن مداخيل اضافية فقط، بل يساهم ايضا في دفع المصنع والتاجر والمستهلك لتحاشي استخدام انواع كهذه من المواد التي ما عادت تقاس بسهولة استخدامها، بل بأثرها المتوسط والبعيد المدى على الوسط البيئي والصحي والاقتصادي. كما يمكن ان تساهم في تغيير استراتيجيات التصنيع واتجاهات السلوك العام، وتنمي الشعور بالمسؤولية عند الاطراف المتعاقبة كافة.
يمكن للبعض ان يتحجج الآن بأن هكذا انواع من الضرائب لن تكون مقبولة شعبيا، لا سيما ان النايلون بات مطلوبا ومحبوبا كثيرا. وهو اعتقاد بحاجة الى مراجعة، لا سيما ان المزاج الشعبي عامة لم يكن ينظر الى النايلون كمادة سحرية كما صنعتها الدعاية. لا بل ان التراث الشعبي كان ينظر الى النايلون كمادة "ميوعة"، سريعة العطب، لا يعتد بها ولا يمكن الاتكال عليها لا في النقل ولا في حفظ الاشياء. لذلك، نعتقد انه من السهل الاستغناء عنها اذا توفرت البدائل. ونقترح البدء بتجربة الاستغناء عن استخدام اكياس النايلون في الخبز واستبدالها بالورق، وذلك لاعتقادنا، مع الكثير من الخبراء، ان وضع الخبز الساخن في اكياس النايلون، يمكن ان يكون ضارا بصحة الخبز وصحتنا، وان استخدام اكياس الورق، يمكن ان يكون افضل من الناحيتين. فهل نقوم بدراسة مقارنة بين الخيارين، من الناحية الصحية والاقتصادية والبيئية، وتعيين الافضل وتبنيه قريبا؟ وهل يمكن بعد ذلك الإعلان عن نهاية عصر النايلون؟