خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتسلح إياد فريحات ( 38 عامًا) بقبعة للاحتماء من حر تموز، فيما يصدح صوته (صبر يا صبر)؛ لاجتذاب المارة في سوق جنين التجاري. ويعرض بضاعته: كمية من الصبر منزوع الشوك مرتبة بأوعية بلاستيكية، وبعض العبوات الكرتونية التي تنتظر من يلتقطها، وأكياس بلاستيكية، والكثير من الأمل.
يقول فريحات، هذه أول سنة أحضر فيها إلى السوق المتعارف عليه، بجانب هذه البناية التاريخية ( مدرسة فاطمة خاتون)، وأبيع الدلو الواحد ( نحو 7 كيلو غرام) بـ 15 شيقلاً، وأحيانًا بعشرة شواقل، ومن يريد أن يجلس في هذا السوق فعليه أن يصبر أيضاً.
سوق
وينشط عشرات الباعة في السوق القديم، في مكان صار عنواناً للباعة والمتسوقين، فيما تجبي البلدية عمولة (كمسيون كما ينطقها الناس) على الوارد من حقول جنين الشرقية، وخصوصاً فقوعة وجلبون، تتراوح بين شيقل واحد وثلاثة شواقل، حسب وزن البضاعة.
وبحسب فريحات فإن أسعار سوق الصبر تبدأ مرتفعة مع أول البواكير، لكنها سرعان ما تهبط، لتعود مرة أخرى في زيادة وبخاصة في موسم الصبر الُرجيّع (المتأخر)، ويتواصل الموسم لنحو شهر ونصف منذ مطلع تموز.
ويقول الستيني عادل محمود: أعمل هنا منذ سنوات، وقد اشتغلت بالأردن في هذه الفاكهة التي يحرسها الشوك، وما يميز أسواقنا أننا نبيعها بأثمان أعلى، أما في الأردن فكنا نبيع بالكيلو.
وتختلط أصوات الزبائن والباعة، في وقت يشارك الصبية في أعمال البيع، فيما يبدأ توافد أصحاب المنتوج لبيعه باكراً.
ويؤكد محمود أن الغالبية العظمى من باعة الصبر هم من الذين يقطفونه، وينتزعون شوكه، ويحضرونه للزبائن، بينما تشيع في بعض المواسم عادة بيعه دون قشور لمن يرغب.
بائع صبر في جنين يداعب الثمار
باعة أطفال
ويشهد "شارع الصبر" كما يطلق عليه البعض فترات ازدهار خلال أيام السبت والأحد وشهر رمضان، ليصاب بالكساد في أيام أخرى، لكن فريحات ومحمود وغيرهم يشكون من وجود الباعة الأطفال، الذين لا يتمسكون بتسعيرة موحدة، ويبيعون بأثمان زهيدة أحياناً.
وبالنسبة للشاب محمد خالد، الذي يسكن في قرية جلبون، شرق جنين، فإن موسم الصبر عمل جميل ومتعب في وقت واحد، فهو يحرص على ضمان حقول (حواكير) الصبر في قريته، ويقطفها بيده، ويبيعها بنفسه.
يقول: يبدأ نهاري من الساعة الرابعة فجراً، وحتى الخامسة عصراً، وأجمع الصبر من الحقل، ثم أنظفه من الشوك، وأحضره إلى السوق، ولا يخلو الأمر من شوك يستقر في الجلد، والأخطر ما تعرضت له من شوك دخل عيني.
وبحسب محمد، فقد خسرت جلبون مساحات من حقول صبرها، بفعل جدار الفصل العنصري، الذي التهم حقولاً في قرية فقوعة، التي تشتهر به.
مواسم
وبدأ العشريني عبد الله أبو الرب العمل في الصبر منذ سبع سنوات، ويقول وهو يمسك بكوز من بضاعته: الصبر يشبه المشمش في قصر موسمه، لكنها فترة جميلة بالرغم من الشوك الذي يطمع في أيدينا، ولا ننسى بعض الصبية الذين يتسللون لحقولنا ويقطفون الثمار قبلنا.
فيما يفيد أحمد أبو الرب: تتميز بلدتنا جلبون بالصبر الخضاري، وارتبط الصبر بجيراننا في فقوعة، ولنا زبائننا الذين يطلب بعضهم البضاعة عبر الهاتف، والأمر ليس مهنة، فنلجأ أحياناً لبيع التين والعنب.
تقول الموظفة سمر الشيخ إبراهيم: جيلنا الجديد لا يعرف التعامل مع ثمار الصبر، بعكس جداتنا اللواتي كن يقطفنه بأيدهن، دون استخدام صنارة، أما اليوم فالكثير من النساء لا يستطعن مجرد تقشيره، وهو منزوع الشوك.
شارع الصبر في جنين
سيرة
ووفق الدليل الإرشادي حول النباتات المحلية لـ ـد. عزام صالح وآخرين، فإن الصبر Cactus يسمى بـ (التين الشوكي) وهو من العائلة الصبارية واسمه العلمي Opuntia Ficus- indica وهو نبتة معمرة كثيراً، ولها قدرة عجيبة على مقاومة الجفاف؛ نظراً لسيقانها الممتلئة بالماء، ويعتبر الطعام المفضل للإبل في المناطق الصحراوية.
وبحسب موسوعة النباتات فإن للصبر قدرة على تحمل الجفاف لثمانية أشهر، ودرجة حرارة 40 مئوية، وتزهر في أيار وحزيران، وتنضج ثمارها بين تموز وأيلول، وتستخدم ثمارها كنوع من الفاكهة، وبعضهم يصنع منه المربى، ويستخرج من بذوره زيت الصبار، الذي يدخل كعلاج قرحة المعدة والزائدة الدودية وتخفيض سكر الدم بنسبة بسيطة، وفي وصفات شعبية عددية وتجميلية. كما يستعمل عصير أوراقه طازجاً في دهان بشرة الجلد المحترقة من أشعة الشمس وخصوصاً أثناء الصيف، ويخفف آلام الحروق الجلدية المختلفة، ويستعمل في التئام الجروح وبعض الأمراض الجلديةـ وتستخدمه النساء لترطيب وتنعيم بشرة الوجه والأطراف، كما يستخدم كدهان لتهدئة آلام المفاصل، ويدخل في كثير من مقويات الشعر والشامبوهات.