أبراج الاتصالات الخليوية ملاصقة للمنازل في بلدة برقين
خاص بآفاق البيئة والتنمية
دم ودمار!
شنت دولة الاحتلال عدوانًا على غزة، حرق الأخضر واليابس، وطال البشر والشجر والحجر. من الصور التي رصدتها عدسات الصحافة للمحرقة الجديدة للدولة العبرية استهداف الأطفال، إذ بلغت حصيلة القتل والذبح بحسب أرقام المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بعد 35 يومًا من العدوان : 1942 شهيداً، بينهم 459 طفلًا و275 امرأة، فيما وصل عدد الجرحى إلى 10886 جريحًا منهم 3009 طفلًا و1912 امرأة. ونزح 350 ألف مواطن لجأ 236 ألفًا منهم إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ودمّر العدوان 10604 منزلًا ، و46 مسجدًا وكنيسة واحدة و12 مقبرة إسلامية ومسيحية بشكل كلي وجزئي.
وتسبب العدوان بأضرار في 14 سيارة إسعاف، و10 مراكز رعاية أولية، و13 مستشفى، إضافة إلى إغلاق 14 مركزًا صحيًا، واستشهاد 16 عاملًا بالقطاع، وإصابة 38 آخرين.
وتضررت 100 مدرسة كان عدد روادها نحو 153 ألف طالب، و6 جامعات يرتادها 100 ألف طالب.
ودمر العدوان 19 مرفقا لشركة الكهرباء و9 محطات مياه وصرف صحي، 321 مرفقًا صناعيًا وتجاريًا، ما أثر على 14 ألف عامل بشكل مباشر.
وطال العدوان 22 جمعية خيرية، و19 مؤسسة مالية ومصرفية، و55 قارب صيد أثرت على مصدر رزق 3 آلاف عامل.
فيما قدّرت الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بنحو 2.81 مليار دولار، بشكل أولي.
وراء كل هذه الأرقام، التي كانت تتصاعد لحظة في أثر لحظة، مئات القصص التي تقطر دمًا لأحلام قضى الاحتلال عليها، ولأجساد سرقت عافيتها، ولوجوه شوهتها شظايا القذائف، ولبيوت أصبحت ركاماً، ولبيئة جرى تدميرها وحرقها...
كان الله في عون غزة على المحرقة التي تسبح فيها..
آب اللّهاب
يحفل آب اللهاب بالكثير من المناسبات، وفي هذا العام تحديداً سجل الشهر رقماً قياسياً في عدد الأعراس (بالرغم من صمت معظمها عن الموسيقى تضامناً مع غزة)؛ لتزامن شهر رمضان مع تموز الماضي. كمثال، شهدت إحدى البلدات غرب جنين ( عدد سكانها 7000 نسمة) 29 عرساً في ثلاثة أسابيع، وهذا يعني أنه قد جرى استخدام آلاف الأواني والأطباق البلاستيكية التي تستعمل مرة واحدة، ومثلها من العلب المعدنية، والعبوات البلاستيكية.
حتى في لحظات فرحنا نلوث بيئتنا...
رسالة إلى مسؤول
في نيسان 2013 تكتب إلى وزير شؤون البيئة د. يوسف أبو صفية، قبل أن يُعاد تحويل الوزارة إلى سلطة جودة البيئة ويتولى جميل المطور زمام أمورها، ثم تنتقل المسؤولية إلى المهندسة عدالة الأتيرة، رسالة لم يصلك رد عليها، وتجدد توجيه رسالة مماثلة إلى السيدة الأتيرة:
أنا الموقع أدناه (...) من سكان الحي الشرقي، في بلدة برقين. كنت قد خاطبت سلفكم د. يوسف أبو صفية، عبر مدير مكتبكم في جنين، ( الرسالة مرفقة بتاريخ 14 نيسان 2013)، وقد أخبرتهم أن شركة( جوال) شغلّت برجاً للاتصالات الخليوية قريباً من منزلي في منطقة "الشيخ سبع"، وطلبت منهم رداً مكتوباً يستند إلى ما كفله قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999، وفي مادته الخامسة وطالبتهم بقياس دوري ( مرة كل أسبوع على الأقل) وفي أوقات متباعدة، لنسبة الإشعاع التي يصدرها هذا البرج، كونكم جهة الاختصاص. كما طالبتهم وحرصاً على الصحة العامة والبيئة، ومن باب (قد) المنصوص عليها قانوناً، بإجراء دراسات ومسوحات وقائية ميدانية مستمرة علىّ وعلى أفراد أسرتي ومحيط منزلي وما فيه، لإثبات عدم وجود علاقة بين هذه المنشأة وأي أضرار وعوارض غير طبيعية، مهما كانت، أو أمراض وتوتر عصبي وخلافها، كونكم المسؤولين عن حماية البيئة، من أي تهديد محتمل آجلا أم عاجلا، كما ذكر القانون.
غير أن فريق سلطة جودة البيئة حضر في تموز 2013 (قبل عام تقريباً)، ووعد أن يزودني بنتائج القياس، إضافة إلى رد مكتوب. وقد تابعت مراراً مع مدير مكتب جنين، والمستشار القانوني للوزارة، ومكتب د. أبو صفية، غير أنني لم أحصل على أي شيء مكتوب حتى اليوم! والمفارقة أن برجاً آخر يجري تركيبة اليوم، بطول مئة متر، في المنطقة ذاتها، مع العلم أن هناك ثلاثة أبراج عملاقة لا تبعد عن المنطقة ( قرابة 2 كيلو متر شرقا).
أرجو الرد على طلبي بشكل مكتوب، وتفعيل المواد الحمائية في قانون البيئة، التي تمنحنا حق التمتع بأكبر قدر من الصحة والرفاه، وتحمينا من أية تأثيرات محتمل ظهورها آجلاً أم عاجلاً علي الإنسان ومكونات بيئتنا، وإعادة نشر الأبراج بطريقة معقولة، بعيداً عن المساكن والمدارس؛ لأن أحداً –مهما بلغ من العلم- لا يستطيع الجزم بأن هذه المنشآت لن تكون ذات تأثيرات سلبية محتملة ولو بعد سنوات عديدة، وبالتالي لست على استعداد للعيش في حقل تجارب!
لننتظر الرد، ونأمل أن لا يطول لسنة أخرى...!
مئات الأعراس خلال موسم الصيف في الضفة الغربية تستخدم فيها أواني بلاستيكية لمرة واحدة
توجيهي..
تروي نور منجد داوود دراغمة، صاحبة الترتيب الثاني في الفرع العلمي على مستوى الضفة وغزة قصة تفوقها، فتقول والفرح يشاركها نبرات صوتها: حصلت على 99,7 وخسرت علامتين في اللغة العربية وواحدة في الإنجليزية، وسأدرس الهندسة المعمارية؛ لأنها جميلة جدًا، وسأحقق ذاتي فيها.
وعرفت دراغمة بالخبر السار من مديرة مدرستها نائلة مدارسي، التي كانت طوال دراستها تتوقع مستقبلاً باهرًا لطالبتها، حتى أصابت وفرحت بالانجاز.
تقول نور: حرصت على دراسة يومية لم تتجاوز السبع ساعات، ولا أنسى تشجيع أسرتي ومعلماتي، الذين فرحوا بفرحي، ولم تسعهم الدنيا بتفوقي. ومع هذا، أعتقد أن نظام "التوجيهي" ليس عادلاً، فهو يحكم على 12 سنة من عمر الطالب الدراسية في 18 يومًا فقط، هي فترة تأدية الامتحان، وفي حال أي ظرف طارئ فإن المستقبل سيضيع.
وحسب دراغمة، فإن لكل طالب ما يميزه، وليس شرطاً أن يتقدم للامتحان، فعليه أن يحدد خياراته في سن مبكر، ويتحول إلى الدراسة المهنية إن كانت ميوله تتجه نحوها، ويحقق أحلامه التي يحبها.
تتابع: الفرحة مع العدوان على غزة منقوصة، وتمنيت أن تعلن النتائج في ظروف أفضل، بعيداً عن القتل الذي نتعرض له. وأهدي تفوقي لمعلمة اللغة العربية الأستاذة حنان.
وترى نور أن الفتيات أكثر تفوقاً من الذكور، وهن أكثر من نصف المجتمع، ولم يحصلن في الماضي على حقوقهن في التعليم، وكن يتزوجن قبل إكمال دراستهن، لكنهن اليوم متفوقات دائماً في كل الحقول.
ويعمل والد نور مديراً في مستشفى جنين الحكومي (الشهيد خليل سليمان)، فيما اجتازت والدتها سعيدة يوسف الامتحان ذاته عام 1989.
فيما يسكن الفرح منزل عائلة طبيب الأشعة راجح حافظ أبو غنام، ببلدة عقابا، التي انتزعت ابنتها ولاء الترتيب العاشر (مكرر) في الفرع العلمي.
تقول: خسرت ثلاث علامات في مبحث اللغة العربية، وواحدة في الإنجليزية، ومثلها في الرياضيات والكيمياء، وتوقعت أن أحصل على 98 % فقط، لكن الاجتهاد والحظ أنصفاني، ولا أنسى جهود والدتي ووالدي الذي حصل عام 1977 على علامة 97,8 على مستوى الضفتين. وتذكرت اليوم توقعات معلماتي، ولا أنسى سهر والدتي بجانبي، وجهود معلماتي وخاصة أمل أبو عرة للغة العربية، وفي الفيزياء هناء دراغمة.
كانت ولاء تدرس خلال الامتحانات اثنتي عشرة ساعة، فيما خصصت للأحياء 18 ساعة، ولم تستطع السيطرة جيداَ على المادة الطويلة، فكانت تدرس ساعة وتخلد للنوم ساعة أخرى. فيما حملت لها أختها فاطمة البشرى، ثم اتصل بها شقيقها محمد مهنئًا، لتعمم الفرحة وتتوالى الاتصالات مع قدوم المباركين.
تضيف: سأدرس الطب مثل والدي، وسأتخصص في مجال صحة الثدي، وسأسير على درب أختي فاطمة التي تدرس طب الأسنان، وسأنضم لأخي طارق الذي يتعلم الطب أيضاً في ألمانيا، وسنصبح عائلة أطباء إن شاء الله، أما والدتي فتحمل شهادة الأدب الإنجليزي.
وتعتقد أبو غنام أن "التوجيهي" نظام عادل وينصف من يمنحه التعب والسهر، أما الذي لا يحالفه الحظ فعليهم أن لا يصلوا لمرحلة الفشل، وتحديد خياراتهم قبل الوصول إليه، والتوجه للتعليم المهني. فيما ترى أن الفرحة تحت العدوان على غزة لا طعم لها، ولم تكن سعيدة، وهي تستمع لصوت المفرقعات، ولم تسمح لأخوتها سوى بطلقات محدودة.
تضيف: الجيل الحالي من الفتيات لديه الكثير من التميز وهو واعد، واستطاعت الفتيات تغيير الحال الذي كان يرافق حرمان المرأة من التعليم بسبب عدم توفر المدارس، والنظرة المجتمعية في التعامل معهن، وإجبارهن على الزواج المبكر، وعدم إكمال الدراسة الجامعية بالرغم من تفوقهن.
فيما نالت انشراح سمير توفيق أبو دواس المكان الخامس في الفرع التجاري بـ98.3 %. تقول: خسرت أربع علامات في اللغة العربية، وخمس في الإنجليزية، وواحدة في المحاسبة، والمالية، والرياضيات. ولم أتوقع معدلاً كهذا، وحرصت طوال دراستي على نظام ثابت، بين ثلاث إلى سبع ساعات، لكنني لم أسهر في أي حال بعد العاشرة ليلاً. وأهدي تفوقي لمعلماتي وأهلي ولشهداء العدوان الإسرائيلي على غزة.
تقول: خيارات الفرع التجاري محدودة، ولكنني أحب الاقتصاد وأتحمس له، ولإكمال دراساتي العليا فيه، إلى أن أصبح محاضرة جامعية، ووزيرة اقتصاد. وأعتقد أن الاقتصاد هو الدواء للكثير من المشاكل التي يعانيها الناس، وخاصة في أوضاعنا غير المريحة.
تضيف: كان الامتحان صعباً، وخاصة في مبحث العلوم المالية، وأظن أن التوجيهي نظام عادل، ولكن على من يتقدم له أن يعد نفسه جيداً، فلا يعقل أن يصله طلبة لا يعرفون الأساسيات، ويجهلون المفاهيم الرئيسة.
تنهي: تغير حال تعليم النساء كثيراً، ففي الماضي لم يحصلن على فرصة إكمال التوجيهي، وكانت طوباس تخلو من مدارس للبنات، وانتقلت الفتيات المقتدرات للدراسة في نابلس، أو أجبرتهم الظروف على الزواج المبكر، لكن الحال اليوم تغير كثيراً للأحسن، وأصبحت المبدعات يتفوقن على الطلبة.
aabdkh@yahoo.com