خاص بآفاق البيئة والتنمية
نظم مركز العمل التنموي/ معًا ومؤسسة هينرش بل (فلسطين والأردن)، وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية ندوة حوارية بعنوان "الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء: الزراعات البيئية أنموذجًا". إذ ناقشت مؤشرات ودلائل وآفاق الزراعات البيئية في الأرض المحتلة عام 1967، محاولةً تتَّبع الصراع الفكري والسياسي بين مدرستي "الأمن الغذائي" و"السيادة على الغذاء". وقدمت الندوة التي عُقدت في مدينة البيرة، مطلع آب/ أغسطس الماضي، صورة عن آفاق المستقبل في هذا الجانب، وتوصيات بتعزيز وتشجيع الزراعة البيئية، من أجل تحقيق السيادة على الغذاء.
|
 |
د.أحمد النوباني، أستاذ الجغرافيا في جامعة بيرزيت أثناء حديثه في الندوة الحوارية عن تجربته في الزراعة البيئية بقرية مزارع النوباني شمال غرب رام الله |
"بداياتي كانت في التسعينيات، تمنيتُ السير قدمًا في الإنتاج المستدام والمقاوم على مستوى الاقتصاد المنزلي، ولجأت إلى إكمال دائرة الغذاء بإنتاج اللحوم والألبان من مزرعة أغنام في مرحلة النمو حالياً، وها أنا أبيع جزءًا كبيرًا من المنتج، معتمدًا على الزراعة البيئية التي لا تستعين بالمنتجات الكيميائية، أو البذور المُحسَّنة أو استخدام الكثير من الماء".
هكذا استهل د.أحمد النوباني، أستاذ الجغرافيا في جامعة بيرزيت، حديثه عن تجربته في قرية مزارع النوباني شمال غرب رام الله، على هامش ندوة حوارية بعنوان "الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء: الزراعات البيئية أنموذجًا".
ونظم الندوة مركز العمل التنموي/ معًا ومؤسسة هينرش بُل (فلسطين والأردن)، وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية.
إذ ناقشت مؤشرات ودلائل وآفاق الزراعات البيئية في الأرض المحتلة عام 1967، محاولةً تتَّبع الصراع الفكري والسياسي بين مدرستي "الأمن الغذائي" و"السيادة على الغذاء".
وقدمت الندوة التي عُقدت في مدينة البيرة، مطلع آب/ أغسطس الماضي، صورة عن آفاق المستقبل في هذا الجانب، وتوصيات بتعزيز وتشجيع الزراعة البيئية، من أجل تحقيق السيادة على الغذاء.
ويشير النوباني إلى أن الاكتفاء الذاتي حلم قديم لطالما راوده، ونتاج رؤية خلاصتها أن الغذاء في الأسواق ملوث وغير صحي.
ويضيف: "طبَّقتُ فكرة إنتاج الغذاء القائم على التعاون الأسري مع إخوتي، لقد حققنا هدفنا، وبات جزء من إنتاجنا يصل إلى السوق وبخاصة العسل، اليوم نحن أكبر منتجي العسل في الضفة".
ويتابع: "أشياء كثيرة يمكن تحقيقها، مثل ممارسة الرياضة، والأكل الصحي، وتنمية العمل الجماعي، والأهم هو حماية الأرض، بالمختصر في هذه الحالة يمكن أن نعيش مفهوم الاقتصاد المستدام".

الندوة الحوارية أثناء حديث كيرتانا تشاندرا سيكاران منسقة البرنامج الدولي للسيادة الغذائية في منظمة أصدقاء الأرض العالمية
داغر: الزراعة البيئية طريق للتحرر
من جهته، استعرض المهندس الزراعي سعد داغر مقارنة بين الزراعة الكيميائية والزراعة البيئية.
وأشار إلى الآثار المدمرة للزراعة الكيميائية على الأرض والتربة والتنوع الحيوي والاقتصاد والصحة، إلى جانب الأضرار الوطنية المتمثلة بالارتباط بالخارج والاعتماد عليه للحصول على البذور والمبيدات.
وبحسب تقديرات عرضها داغر، فإن كمية استهلاك الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من المبيدات تصل إلى 4000 طن بتكلفة 80 مليون دولار تقريبًا، أما الأسمدة الكيميائية، يُقدر استهلاكها ب 30 ألف طن بتكلفة 45 مليون دولار.
ونتيجة لما تلحقه الزراعة الكيميائية من أضرار، يرى داغر ضرورة اتباع نمط الفلاحة البيئية، وهي وفق تعريفه "الفلسفة الزراعية والتطبيق العملي، اللذان يراعيان القوانين والنظم البيئية الطبيعية، ويعتنيان بكل أشكال الحياة على الأرض، ويعملان بانسجام مع البيئة المحيطة، دون الإضرار بعناصرها (تربة، هواء، مياه، تنوع حيوي، بشر)، ويقودان إلى تجدد العناصر والحياة، من أجل إنتاج غذاء صحي للإنسان والحيوان".

تميزت الندوة الحوارية بالنقاش الجاد والمهني
ورقة موقف: القطاع الزراعي بلا اهتمام
وفي الندوة، عرضت مؤسسة دالية المجتمعية، ورقة موقف حول "السيادة الغذائية الوطنية الفلسطينية"، تطرقت فيها إلى المشاكل التي تقف عائقًا أمام سيادة الفلسطينيين على غذائهم ومنها سياسات الاحتلال المسيطرة على الأرض
والموارد الطبيعية.
وإلى جانب التقصير من قبل السياسات الوطنية فيما يتصل بدعم القطاع الزراعي، أشارت الورقة إلى أن "الموازنة المخصصة للقطاع الزراعي لا تلبي أدنى درجات المطلوب لدعم هذا القطاع، حتى أنها تُعد الأقل حظًا بين القطاعات المختلفة، ففي عام 2018 لم تتجاوز 1% من مجموع الموازنة".
ونبهت الورقة التي عرضها الباحث عبد العزيز الصالحي إلى "غياب سياسات الحماية المرتبطة بمدخلات الإنتاج، ومنها عدالة تسعير المياه الزراعية، وغياب حماية السوق من إدخال البذور المهجنة المدمرة للأرض الزراعية، وغياب حماية السوق من المواد الكيميائية التي تعمل على زيادة الكم في مقابل الجودة والنوع".

ندوة الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء تميزت بحضور نوعي ونقاش علمي لافت
وزارة الزراعة: لدينا إستراتيجيات
في ضوء ما سبق، حسن الأشقر، مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الزراعة، قدم ردًا على النحو الآتي: "لدى الحكومة الفلسطينية مجموعة إستراتيجيات لدعم القطاع الزراعي، و"السياسة الوطنية للأمن الغذائي والتغذوي" سياسة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية حتى عام 2030".
وأشار إلى أن السياسة الوطنية تعالج مجموعة من القضايا الأساسية منها زيادة توافر الغذاء، وزيادة فرص الحصول عليه، وتحسين الاستفادة منه، وتحسين البيئة المؤسسية، وبناء الصمود والاستجابة للصدمات.
وأفاد الأشقر بسعي الحكومة الفلسطينية إلى تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية، منها القضاء على الجوع وجميع أشكال سوء التغذية، ومضاعفة الإنتاجية الزراعية ومداخيل صغار المنتجين، وضمان توفير نظم إنتاج غذائي مستدامة، وحفظ تنوع الموارد الوراثية النباتية والحيوانية للأغذية والزراعة.

ندوة الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء
كرزم: "الأمن الغذائي" كذبة وتعزيز للتبعية
وأفردت الندوة مساحة لمدير وحدة الدراسات والإعلام البيئي في مركز العمل التنموي، جورج كرزم، لاستعراض الصراع الفكري - السياسي بين مدرستي "الأمن الغذائي" و"السيادة على الغذاء".
مفهوم "الأمن الغذائي" يفترض في جوهره –من وجهة نظر كرزم- أن يمتلك الناس قدرة على تلبية احتياجاتهم الغذائية، بالإنتاج المحلي أو الاستيراد؛ إلا أن التركيز وفق مفهوم الاحتكارات الرأسمالية ينصب على الاستيراد، وهذا يعني "تبعية الشعوب الفقيرة الغذائية للدول الإمبريالية واحتكاراتها المتحكمة عالميًا بإنتاج الحبوب والأغذية الإستراتيجية.
"هذا المفهوم يهدف في المحصلة إلى تكريس وتأبيد الظلم والقهر الاجتماعيين، وانعدام العدالة والمساواة؛ بل شرعنة الفقر والجوع وماكنة النهب العالمية المعززة للفجوات الطبقية" تبعاً لحديث مدير وحدة الدراسات والإعلام البيئي.
وعلى النقيض تمامًا، فإن مفهوم السيادة الوطنية على الغذاء، في السياق الفلسطيني، ينسجم تمامًا مع مفهوم الاقتصاد المقاوم المعتمد على الذات.
ويرى كرزم أن ذلك لا يتحقق إلا "بتغطية احتياجاتنا الغذائية الأساسية والإستراتيجية من إنتاجنا المحلي المتحرر من التبعية لمدخلات الإنتاج الإسرائيلية التي يتحكم بها الاحتلال وشركاته".
مطالبًا بتشجيع المزارعين على العودة إلى الزراعات البلدية والعضوية التي تتميز مدخلاتها بأنها محلية سواء على مستوى السماد البلدي المحلي أم السماد الأخضر أم الحيوانات أم الأيدي العاملة أم البذور البلدية غير الصناعية، أم العلاجات الزراعية الطبيعية والعضوية المُشتقة من الموارد والنباتات المحلية.

إيمان تركمان المزارعة البيئية في النصارية-الأغوار الوسطى- تتحدث عن تجربتها الثرية والمثيرة
"بنت الجبل".. تجربة ملهمة
إلى جانب ما أنجزه النوباني، تحدثت إيمان تركمان عن تجربتها، وهي سيدة من منطقة النصارية في الأغوار الوسطى (حاصلة على بكالوريوس تربية ابتدائية).
تركمان التي تُلقب ب "بنت الجبل"، تركت الوظيفة، وأسست مزرعة بيئية تعيل أسرتها بزراعة 40 صنفًا على مساحة 12 دونمًا.
فكرت إيمان بالتوجه نحو زراعات تقليدية، لذا أسست جمعية تعاونية، وركزت اهتمامها على الزراعة البيئية من دون استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية التي جربتها سابقًا، فأثقلت كاهلها بالديون وجعلتها رهينة للشركات، ما دعاها إلى تغيير طريقة تفكيرها تجاه الأرض والزراعة.
وواصلت حديثها: "أصبح لدي اكتفاء ذاتي، والأهم هو التحرر، فأنا أزرع ما أريد، ولا أحد يجبرني على رش أي نوع من المبيدات، لدي الآن ثقة بالنفس افتقدتها كثيرًا في مشواري".
وكانت مديرة مؤسّسة هينرش بُل (فلسطين والأردن)، بيتينا ماركس، قد شددت على أهمية الندوة في فتح آفاق الحوار للوصول إلى الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء.
في حين تناولت "كيرتانا تشاندرا سيكاران" منسقة البرنامج الدولي للسيادة الغذائية في منظمة أصدقاء الأرض العالمية، بعض السياسات والتطبيقات والتجارب العالمية المرتبطة بالزراعة البيئية والسيادة على الغذاء.
وركزت على تجربة دولة كوبا التي تحولت إلى إنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي، بدلًا من إنتاج السلع الزراعية، وبذلك هي الآن تنتج نحو 97% من احتياجاتها الغذائية بفضل الاعتماد على الفِلاحة البيئية، فيما كانت في السابق تنتج أقل من 35% وتستورد الباقي.