ندوة حوارية: "كوفيد 19" كشف هشاشة النظام الغذائي المعولم .. وتحقيق السيادة على الغذاء عبر أنظمة محلية أحد الحلول
خاص بآفاق البيئة والتنمية/ غزة
من أسس السيادة على الغذاء؛ العمل على تزويد الأسواق بالمنتجات دون الحاجة الى استيراد ما يمكن انتاجه، تشجيع الاستثمارات في القطاع الزراعي، إنشاء صناديق التمويل الاستثمارية، وضع أطر قانونية ومخططات تخص استخدامات الأراضي بما يسمح بالمحافظة على الأراضي الزراعية ومنع الاعتداء عليها. هكذا استهل مختصون مداخلاتهم في ندوة حوارية بعنوان "السيادة الوطنية على الغذاء ... ضرورة استراتيجية في ظل الحصار وجائحة كورونا". استندوا فيها على مقولة جبران خليل جبران الشهيرة التي لخص فيها مفهوم السيادة على الغذاء: "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع". وأشاروا إلى أن مفهوم السيادة على الغذاء بمضمونه التقدمي التحرري، يكتسب أهمية كبرى في مواجهة السياسات الاستعمارية والعولمة الرأسمالية وشركاتها الاحتكارية العابرة للقارات، بما فيها شركات البذور والشركات الكيماوية الزراعية.
|
 |
المشاركون في ندوة غزة حول السيادة الوطنية على الغذاء |
"كشفت جائحة كورونا عن هشاشة النظام الغذائي عالميًا، وأظهرت خطر الأنماط المتبعة القائمة على استنزاف وتدمير الموارد الطبيعية، وتهميش الزراعة المحلية وانتهاك حقوق المزارعين، لذلك، فالمطلوب تحقيق السيادة الوطنية على الغذاء عبر أنظمة غذائية محلية قادرة على الصمود في وجه الأزمات، عبر تعزيز الاقتصاد المقاوم وإعطاء الأولوية لإنتاج الغذاء المحلي".
"ومن أسس السيادة على الغذاء العمل على تزويد الأسواق بالمنتجات دون الحاجة الى استيراد ما يمكن انتاجه، تشجيع الاستثمارات في القطاع الزراعي، إنشاء صناديق التمويل الاستثمارية، وضع أطر قانونية ومخططات تخص استخدامات الأراضي، بما يسمح بالمحافظة على الأراضي الزراعية ومنع الاعتداء عليها".
هكذا استهل مختصون مداخلاتهم في ندوة حوارية نظمتها مجلة "آفاق البيئة والتنمية" بعنوان "السيادة الوطنية على الغذاء، ضرورة استراتيجية في ظل الحصار وجائحة كورونا".
وأكد هؤلاء المختصون على ضرورة العمل على بناء بنك معلومات خاص بمتعلقات السيادة على الغذاء، يكون بمثابة نواة تخطيطية مستقبلية مشتركة حول الزراعة والأيدي العاملة وتطوير أساليب الإنتاج، ويساهم في زيادة حصة الناتج المحلي الإجمالي ورفض تسييس المساعدات الغذائية واستخدامها ضد الشعوب، وتعزيز الشراكة والشفافية والمساءلة بين الجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية.
ودعا المشاركون القائمين على وضع الموازنة؛ بزيادة حصة القطاع الزراعي في الموازنة الحكومية العامة والتوسع في إقامة المشاريع التنموية المستدامة، والاهتمام بالمُزارع ودعمه وتعويضه عن الخسائر التي يتكبدها، جراء انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة والهادفة الى تدمير البنية الزراعية.
وشددوا على أن القطاع الزراعي والمُزارع، يشكلان القاعدة الرئيسية لتحقيق السيادة على الغذاء في فلسطين.

جانب من ندوة السيادة على الغذاء في غزة
تجارب ناجحة
ودعوا إلى بناء نظام معلومات يُسهم في رسم السياسات والتخطيط والمتابعة والتقييم، وإعطاء المنظمات الأهلية مجالاً لتنفيذ برامج من شأنها أن تحافظ على السيادة على الغذاء خصوصًا في المناطق الفقيرة والمهمشة، وتشكيل لوبي ضاغط على الاحتلال لرفع قيوده عن الحدود والمعابر، وهيمنته على الموارد الطبيعية من مياه وأراضٍ.
واستعرض المتحدثون في سياق الندوة تجارباً للعديد من الدول التى تمكنت من تحقيق السيادة على الغذاء خاصة وأن تلك المبادرات والتجارب تقودها جماعات التحرر، مؤكدين انها اذا ما طُبقت بصورة كاملة في فلسطين، فإن مصيرها النجاح.
شارك في الندوة التي عقدت في مركز العمل التنموي/ معا بمدينة غزة الخبير الزراعي د. نبيل أبو شمالة، والمختص التنموي سعد الدين زيادة، وأحمد قاسم ممثلًا عن وزارة الزراعة، ومحمود حمادة ممثلًا عن شبكة المنظمات الأهلية، والاختصاصي الاقتصادي محمد أبو جياب.
"يكتسب موضوع السيادة على الغذاء أهمية فائقة في الواقع الفلسطيني، ارتباطاً بدور منظومة الاحتلال الاستعمارية التي تسيطر على كافة الموارد الطبيعية الفلسطينية، وفي مقدمتها الأرض والمياه والمراعي والثروة السمكية"، بهذه الكلمات بدأ المختص زيادة كلمته التي حملت عنوان "مدرسة السيادة على الغذاء في مواجهة مفهوم الأمن الغذائي".
ويضيف زيادة أن مفهوم السيادة على الغذاء بمضمونه التقدمي التحرري، يكتسب أهمية كبرى في مواجهة السياسات الاستعمارية والعولمة الرأسمالية وشركاتها الاحتكارية العابرة للقارات، بما فيها شركات البذور والشركات الكيماوية الزراعية.
"السيادة على الغذاء يتطلب تغيير الأولويات للمجتمع الفلسطيني المحلي من خلال اعطاء الأولوية لعملية الانتاج الزراعي بكافة مراحلها، يضيف زيادة.
معنى السيادة على الغذاء
مفهوم السيادة على الغذاء تم تقديمه عام 1996 من قبل حركة طريق الفلاحين الدولية لا فيا كمبسينا- وهو مفهوم يركز على سيادة الشعوب على مصادر غذائها، بما يشمل الأرض والمياه والبذور والمراعي والثروة الحيوانية والسمكية، ويسعى إلى حماية صغار المنتجين ويشدد على حق الشعوب في الغذاء الصحي المنتج، من خلال طرق سليمة ومستدامة، وحقهم في تحديد النظم الغذائية والزراعية الخاصة بهم.
وفيما يتعلق بالأمن الغذائي ومدى تعاطيه مع السيادة على الغذاء يقول زيادة، إن مفهوم الأمن الغذائي اجتماعي استغلته الشركات الكبرى وباتت تتحكم في غذاء الشعوب واحتياجاتهم، على خلاف السيادة على الغذاء التي تعطي الشعوب الحق في السيطرة على مواردها.
ويبين زيادة أن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تعرّف الأمن الغذائي بأنه توفير كميّة ونوعية الغذاء، بما يلبي الاحتياجات، وأن هذا التعريف ترك المجال مفتوحاً في عدم تحديد أماكن الحصول على الغذاء وآلية الحصول عليه، وقد استغلته الشركات الكبرى العابرة للقارات، وأحدثت اشكاليات وأظهرت الضعف في الأمن الغذائي وتوفير متطلبات الشعوب، ولعلّ الأمر وفق زيادة، قد اتضح في الأزمة الدولية الحالية الناجمة عن جائحة كورونا.
وشخّص زيادة مفهوم السيادة على الغذاء بمقولة جبران خليل جبران "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع"، لافتًا الى انه في العام 1996 بدأ الحديث عن السيادة على الغذاء وفي العام 2007 كانت المرة الأولى التي يعطى بها تعريفًا وهى "تعزيز صمود الشعوب"، مقرًا بأن الأمن الغذائي لا يتحقق إلا من خلال السيادة على الغذاء.

ندوة السيادة الوطنية على الغذاء
مشكلة أخلاقية
وخالف د. أبو شمالة زيادة حول العلاقة بين مفهوم الامن الغذائي والسيادة على الغذاء قائلاً، إن السيادة على الغذاء فرصة وليست بديلاً عن الأمن الغذائي، "لا يوجد لدينا دولة ذات سيادة، فهل من المنطق أن يكون لدينا سيادة على الغذاء في ظل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مصادر الغذاء، لا سيما الأرض والماء والموارد الطبيعية والمعابر إضافة الى التحكم في حركة الأشخاص والبضائع؟".
وأضاف، إن الحديث عن السيادة في الغذاء بفلسطين لا جدوى منه ما دام الاحتلال هو المهيمن، مبيناً أن
(60%) من الفلسطينيين غير آمنين غذائياً، لأن الاحتلال لا يمَكّن المزارعين من الوصول إلى أراضيهم كما في مناطق الأغوار بالضفة والمناطق الشرقية لقطاع غزة.
ويشير د. ابو شمالة، إلى إمكانية استثمار نقص سيادتنا على الغذاء بإدانة الاحتلال، وتعريته أمام المجتمع الدولي، والعمل على مناصرة المزارعين وتدعيمهم في أراضيهم.
ويشير الى أن السيادة على الغذاء مفهوم لا زال النضال من أجل أن يعمم، بينما مفهوم الأمن الغذائي تتبناه الأمم المتحدة.
وتابع في كلمته التي جاءت بعنوان "السيادة على الغذاء في السياق الفلسطيني وأهم ركائزها"، أن السيادة أساسها القطاع الزراعي، إلا أن قطاع الخدمات في المناطق الفلسطينية يسيطر على سلوك الناس، رغم أنها سلعة كمالية"، مشيرًا إلى أن أدبيات السيادة على الغذاء تتمثل بالسيطرة على السلسلة الغذائية.
" في السياق الفلسطيني بدءًا من الإنتاج وانتهاءً بالتسويق، لدينا مشكلة أخلاقية في ظل هيمنة شركات على المزارعين سيما وانه كلما زادت السلسلة الغذائية زادت القيمة"، يضيف د. أبو شمالة، مؤكداً على ضرورة حلّ كافة التناقضات بين جميع الفاعلين في السلسلة الغذائية والعمل على دعم المزارعين لأنها الحلقة الأساسية والأكثر صمودا رغم الخسائر التي تكبدوها جراء الجرائم الإسرائيلية الرامية إلى القضاء على القطاع الزراعي.
وشدّد على ضرورة التأسيس لعملٍ نضاليٍ يعتمد على الضغط والمناصرة، وتحقيق العدالة الاجتماعية ودعم المنتجين ضمن نظام عادل وزيادة قيمة الزراعة.
أسس السيادة
استعرض أبو شمالة في سياق كلمته أسس السيادة على الغذاء التي تتمثل في الاكتفاء الذاتي غذائيا. بحيث ينتج المزارعون معظم الغذاء محليًا، دون الحاجة الى الاعتماد على الشركات الصناعية الدولية التي تحتكر الغذاء، تقرير أنماط الإنتاج والاستهلاك الزراعي وعدم اخضاعها للتجارة الدولية، أن يكون استهلاك الغذاء منفعة للمزارعين والمستهلكين، وليس أرباحاً لأصحاب المصالح.
ويلفت أن من بين الأسس المتعددة إعادة التوازن بين الزراعة والصناعة، مع ضرورة ممارسة الإنتاج الزراعي بشكل أساسي بواسطة المزارعين الصغار أو التعاونيات، وتحديد المساحة الزراعية للمزروعات حتى لا يحدث اغراق للأسواق، ومن ثم تكبدُ المزارعين الخسائر.
عراقيل احتلالية
فيما استهل ممثل وزارة الزراعة أحمد قاسم كلمته التي جاءت حول دور وزارته والوزارات المعنية في تعزيز السيادة الوطنية على الغذاء، بالحديث عن عراقيل سلطات الاحتلال المتواصلة تجاه المنتجات الفلسطينية، ومحاولاته المتكررة في إفشال جهود وزارة الزارعة في دعم المنتج المحلي.
وبين قاسم أن الاحتلال يعتمد سياسة عنصرية لإبقاء السوق الفلسطينية مكباً لنفاياته، كما أنه يتعمد في كل عملية توغل أو حرب استهداف الوحدات الانتاجية، وتجريف الأراضي.
وقال أن القطاع الزراعي يعاني، ورغم أهميته فإنه هش، والجهود تتواصل من أجل توفير الأمن الغذائي لأن الواقع هو الذي يحكمنا".
وأشار إلى أن الاقتصاد المقاوم هو أساس السيادة على الغذاء، لهذا تم اعتماد الاقتصاد المقاوم كنهج في قطاع غزة لتعزيز صموده في وجه الاحتلال من ناحية، وتوفير احتياجات المواطنين من ناحية ثانية.
كورونا والحصار
بدوره، يؤكد ممثل شبكة المنظمات الأهلية محمود حمادة في كلمته التي تناولت أثرَ انعدام السيادة على الغذاء في ظل جانحة كورونا والحصار على القطاع؛ أهمية العمل على تعزيز الاقتصاد التكافلي في الأراضي الفلسطينية والعمل وفق استراتيجية موحدة، من أجل دعم صمود المزارع الفلسطيني أمام اعتداءات الاحتلال والكوارث الطبيعية.
ودعا إلى ضرورة العمل من خلال رؤية واضحة لتحقيق الانفكاك الاقتصادي، وربط أسعار البيع مع تكاليف الإنتاج، وضمان حقوق الصيادين.
وقال إن جائحة فيروس كورونا أثّرت على القطاع الزراعي والمزارع الفلسطيني بالتحديد كما ساهمت في تهديد الأمن الغذائي.
وأشار إلى أن 130 ألف عامل فقدوا مصادر رزقهم وسجلوا في وزارة التنمية الاجتماعية بسبب الحاجة، لا يما وان نسبة البطالة بعد كورونا 40% بعد أن كانت 29% في السابق، كما أدّت جائحة كورونا إلى انخفاض القوة الشرائية.
أسئلة واجابة مفقودة
بيد أن المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب اقترح جملة من الأسس السليمة من أجل بناء العملية الزراعية، وحماية الانتاج المحلي أمام السلع المستوردة، داعيًا في الوقت ذاته الحكومة الفلسطينية إلى استصدار قرار بتقليص الضرائب وإقرار جملة من التسهيلات لتشجيع الانتاج بشقيه الزراعي والحيواني، وقال إن الاحتلال الإسرائيلي هو العقبة الرئيسية أمام السيادة على الغذاء.
وطرحَ جملة من التساؤلات: ماذا فعلت وزارة الاقتصاد لحماية المنتج الفلسطيني في ظل غياب أداء ورقابة الحكومة، أين هي السياسات الحكومية المتكاملة، لماذا غابت الصناعات التكميلية وماذا فعلت المؤسسات ذات العلاقة من أجل تحقيق السيادة على الغذاء، لماذا لم ننجح في التعاونيات التي تعد أساس السيادة، ولماذا غابت القوة التنفيذية للقانون؟
وختم قائلًا: "المزارع ضحية سياسات وظروف صعبة، والسلسلة الغذائية تبدأ من وضع سياسات لحماية المزارع، مؤكدًا ضرورة تبني سياسة الحماية السوقية عبر تحديد الأسعار والعمل على حماية المزارع والمستهلك معًا.
نقاش وتوافق
وخلال نقاش عاصف بين المتحدثين اجمعوا على أن السيادة على الغذاء تتناسب والزراعة المستدامة، لكن ذلك يضطر المزارعين إلى الاستخدام المكثف للأرض في ظل محدوديتها ومصادرة الكثير منها من قبل اسرائيل، إضافةً إلى حرق مساحات واسعة خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع، لذلك فالتحدي يتمثل في كيفية تطبيق هذه السيادة مع تحقيق الاكتفاء الذاتي.
واستعرضوا جملة من الفرص ومنها استخدام المياه المعالجة، والتي في حال استغلت فقد تصل إلى نحو 50 مليون متر مكعب إضافية في عام 2030، وإعادة هيكلية النمط الزراعي والاهتمام بسلسلة القيمة لصالح صغار المزارعين، والعمل على تفعيل الصناديق الداعمة للمزارعين، ومنع احتكار كبار المسؤولين.
وتوافقوا على أن الاقتصاد المقاوم الخطوة الاكثر نجاحًا لتعزيز وترسيخ السيادة الوطنية على الغذاء.