إسطنبول/ آفاق البيئة والتنمية:
"أسهل وأرخص في التخزين والنقل"، تلك أهم ميزة تتفوق فيها الأمونيا الخضراء على الهيدروجين الأخضر، الذي تتسابق دول وشركات كبرى على إيجاد طرق لإنتاجه وتخزينه ونقله بكلفة اقتصادية مستدامة في سياق الجهود العالمية للتحول نحو الطاقة النظيفة للوصول إلى الحياد الكربوني في آفاق عام 2050.
غير أن الصعوبات التي تواجه عملية تخزين ونقل الهيدروجين الأخضر تجعل من الأمونيا الخضراء وسيلةً عملية وغير ملوثة للبيئة لنقل الهيدروجين الأخضر لمسافات طويلة.
والأمونيا التقليدية مادة معروفة منذ قرن وتُستخدم بدرجة أساسية سمادًا لزيادة إنتاجية المحاصيل الغذائية، وهي تُنتج من الغاز الطبيعي الذي يعد من أنواع الطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة.
أما الأمونيا الخضراء، فتُنتج عبر عملية تفاعل النيتروجين مع الهيدروجين الأخضر، الذي يستخدم مصادر الطاقة النظيفة مثل الشمس والرياح في إنتاجه.
يمكن استغلال الأمونيا الخضراء في توليد الكهرباء، وإنتاج وقودٍ نظيف للشاحنات وسفن الشحن لمسافات طويلة، وسماد غير ملوث للبيئة.
وتُقسّم الأمونيا إلى ثلاثة أنواع، رمادية ويُقصد بها التقليدية المنتجة من الغاز الطبيعي، والزرقاء المنتجة أيضاً من الغاز الطبيعي لكنها تستخدم تقنية التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه وهي أقل تلويثًا للبيئة.
أما النوع الثالث والمتمثل في الأمونيا الخضراء فتنتج من الهيدروجين الأخضر، المنتج من مصادر الطاقة النظيفة.
ويتوقع الخبراء والمتخصصون في الطاقات النظيفة أن تصبح الأمونيا الخضراء أكثر أهمية من الهيدروجين الأخضر، باعتبارها خيارًا وحلاً للتحول نحو استخدام الطاقات النظيفة وصولاً إلى الحياد الكربوني.
أسهل إنتاجاً
تظهر أهمية الأمونيا الخضراء في دورها في تخزين ونقل الطاقات النظيفة، التي تتأثر بتغير المناخ والطقس.
فبينما يحتوي الهيدروجين على كميةٍ أقل من الطاقة وضغط بخار أعلى مقارنة بالأمونيا، ويحتاج إلى تبريده في درجة تصل إلى 253 درجة مئوية تحت الصفر.
لا تحتاج الأمونيا الخضراء سوى تبريدها في درجة لا تتجاوز 30 درجة مئوية تحت الصفر. وهذا ما يجعل الأمونيا الخضراء أقل تعقيدًا وكلفة وأكثر أمانًا من الهدروجين الأخضر، وفق الخبراء.
فعدم القدرة على تخزين الكهرباء الناتجة عن الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، إما بسبب تذبذب المناخ أو الانتقال من النهار إلى الليل أو عدم استخدام الناس للكهرباء بكميات كبيرة في الليل، يجعل هناك حاجة ماسة إلى إيجاد بديل لتخزين الكهرباء عندما لا نحتاج إليها، وأيضاً إلى نقلها وتصديرها عندما يكون هناك فائض.
والبديل النظيف المتوفر حالياً هو الأمونيا الخضراء التي تتفوق على الهيدروجين الأخضر في خاصية التخزين والنقل لمسافات طويلة، والذي يمكن استخدامها وقودًا للشاحنات وسفن الشحن.
وفي هذا الصدد، تتوقع وكالة الطاقة الدولية وفق سيناريو تحقيق الحياد الكربوني في عام 2050 أن تُشكّل الأمونيا الخضراء 45 في المئة من الطلب على الطاقة في قطاع الشحن البحري، بينما لا تتجاوز نسبة الهدروجين الأخضر 15%، أي أن استخدام الأمونيا الخضراء سيكون ثلاثة أضعاف استخدام الهيدروجين الأخضر في قطاع الشحن البحري.
الدول العربية بدايات متأخرة
لم تستقطب الأمونيا الخضراء اهتمامًا كبيرًا من الدول العربية إلا منذ 2021، إذ ما زالت بعض تقنيات إنتاج الأمونيا الخضراء طور التجريب، وتكلفتها عالية جدًا وتمثل ضعفين إلى أربعة أضعاف مثيلاتها من الطاقة التقليدية.
لذلك قلة من الدول العربية أطلقت مشاريع في إنتاج الأمونيا الخضراء، خاصة أنها تنتج من الهيدروجين الأخضر الذي ينتج بدوره باستخدام الطاقات المتجددة.
فإطلاق مشاريع الأمونيا الخضراء يحتاج أولاً أن تكون هناك مشاريع متقدمة في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقات النظيفة الأخرى، لينتج بعدها الهيدروجين الأخضر عبر التحليل الكهربائي للماء بفصل الهيدروجين عن الأكسجين قبل الوصول إلى إنتاج النيتروجين المتوفر بنسبة كبيرة من الهواء وإحداث تفاعل مع الهيدروجين الأخضر للوصول في الأخير إلى الأمونيا الخضراء.
فخصائصها المتعددة تجعل الأمونيا الخضراء "مادة واعدة لتخزين الطاقة القابلة للنقل بكميات ومعدلات كبيرة، ولفترة طويلة من الزمن"، وفق خبير الطاقة أحمد سلطان.
فهي الحل الأكثر واقعية والأقل تعقيدًا وتكلفة لتصدير الهيدروجين الأخضر، وبخاصة من الدول العربية إلى السوق الأوروبية سواء في حالة سائلة عبر سفنٍ مهيئة لهذا الغرض أم بشكل غاز مضغوط عبر أنابيب الغاز، على غرار تلك الرابطة بين الجزائر من جهة وإيطاليا وإسبانيا على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
الإمارات سبّاقة
ودولة الإمارات كانت السباقة عربيًا بإطلاق مشروع للأمونيا الخضراء في مايو/أيار 2021، عندما أعلنت عن مشروع لإنشاء مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء باستخدام 40 ألف طن من الهيدروجين الأخضر، بتكلفة تصل إلى مليار دولار.
بينما أطلقت السعودية مشروعًا ضخمًا ومتكاملاً لإنتاج 1.2 مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء بقيمة 5 مليارات دولار، بالشراكة مع مؤسسة أميركية.
ويتضمن المشروع إنتاج 4 غيغاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الكافية لإنتاج الهيدروجين الأخضر والذي يُحوّل بعدها إلى أمونيا خضراء، حيث يحتوي الطن الواحد من الأمونيا على 177 كيلوغرامًا من الهيدروجين.
ويوصف هذا المشروع بأنه الأكبر في العالم، وسيدخل مرحلة الإنتاج عام 2025، ومن شأنه تحويل السعودية إلى أحد أقطاب تصدير الأمونيا الخضراء في المنطقة العربية.
وفي مصر التي احتضنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قمة المناخ "كوب 27"، أطلقت مشروعًا لإنتاج الأمونيا الخضراء في مرحلته الأولى، باستخدام الطاقة الشمسية ونحو 8 آلاف طن من الهيدروجين الأخضر لإنتاج 42 ألف طن من الأمونيا الخضراء في مرحلته الأولى التجريبية.
أما في المغرب، فُتحت في 2021 وحدتان بحثيتان لإنتاج الأمونيا الخضراء تابعتان لجامعة محمد الخامس متعددة التخصصات التقنية بميناء الجرف الأصفر (غرب)، لكنهما لم تصلا بعد لمرحلة الإنتاج الصناعي.
من جانبها، وقعّت الجزائر مع ألمانيا في 20 ديسمبر/كانون أول الماضي مذكرة تفاهم واتفاقية لدراسة إمكانية التعاون لإنجاز مشروعات في مجال الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وتصديرهما إلى ألمانيا.
كما أعلنت الجزائر إعادة إطلاق دراسة جديدة تتصل بإنشاء خط أنابيب سريدينيا غالسي، الذي يربطها مباشرة بإيطاليا بمواصفات ومعايير فنية يمكنها التكيف مع عمليات تصدير الهيدروجين والأمونيا الخضراء في اتجاه أوروبا وبالأخص ألمانيا.
فمشاريع إنتاج الأمونيا الخضراء انطلقت بقوة في الإمارات والسعودية، بينما ما زالت في مرحلة الإنتاج التجريبي في مصر، والإنتاج البحثي في المغرب، والدراسة في الجزائر.
وبمجرد تجاوز مشكلة الكلفة وبعض العوائق التقنية التي تحتاج إلى حلول مبتكرة وتوفير الاستثمارات الكافية من شأن إنتاج الأمونيا الخضراء أن يتطور بسرعة في المنطقة العربية، خاصة مع التوسع في إنتاج الطاقة الشمسية، وإطلاق استثمارات هامة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهما مصدران رئيسان في إنتاج الأمونيا النظيفة.
المصدر: الأناضول