غزة/ خاص بآفاق البيئة والتنمية
آلاف الأطنان من البطاريات التالفة تتكدّس في قطاع غزة المكتظ بالسكان، في أكثر من 30 موقعًا من أقصى شماله حتى جنوبه بعد رفض "إسرائيل" تصديرها منذ سنوات طويلة. وسمحت السلطات المصرية بتصدير كميات وأنواع محدودة من البطاريات التالفة من قطاع غزة لصالح شركات مصرية لإعادة تدويرها هناك مع مطلع العام الجاري. 15 ألف طن من البطاريات المستهلكة التي تنبعث منها غازات ومواد كيميائية سامة من النيكل والكوبالت والرصاص والزئبق وغيرها، تتواجد في القطاع مكدسة لدى التجار والموردين وهي بمثابة قنابل موقوتة في بقعة جغرافية صغيرة. البطاريات التالفة تزداد أعدادها يوميًا ولن تتوقف، كون سكان القطاع يعتمدون على الطاقة البديلة مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 10 ساعات في اليوم الواحد.
|
|
أكوام البطاريات السامة التالفة أصبحت مشهدا مألوفا في قطاع غزة |
تتكدس في قطاع غزة المكتظ بالسكان آلاف الأطنان من البطاريات التالفة في أكثر من 30 موقعًا من أقصى شماله حتى جنوبه بعد رفض "إسرائيل" تصديرها منذ سنوات طويلة.
ويستقطب مجال إعادة تدوير البطاريات الكثير من العاملين في ظل انهيار القطاعات الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة حيث أصبح أكثر من نصف سكان قطاع غزة فقراء بفعل حصار إسرائيل وفق المرصد الاورومتوسطي.
ومع ذلك، يشتري المواطن أيمن حمد وآخرون في هذه الأيام البطارية التالفة بقدرة 200 أمبير من المنازل في قطاع غزة، مقابل سعر يتراوح بين 20 و 25 دولار أميركي، بغية تسويقها من جديد مع انفتاح نافذة جديدة لتصديرها خارج القطاع.
وسمحت السلطات المصرية بتصدير أنواع محدودة من البطاريات التالفة من قطاع غزة لصالح شركات مصرية لإعادة تدويرها هناك مع مطلع العام الجاري.
يقول حمد بينما تتواجد حوله مئات البطاريات التالفة "بدنا نعيش. فش شغل في البلد و"إسرائيل" خربت بيتنا ومنعتنا من التصدير".
البطاريات التالفة تنتشر في مختلف أنحاء قطاع غزة
كشف بأسماء التجار
حرم الاحتلال الفلسطينيين من تصدير البطاريات التالفة بمختلف أنواعها وأحجامها منذ صيف 2008 وفق عيد حمادة مسؤول تجّار ومصدريّ المعادن والخردة في غزة.
وقال حمادة: "إن 15 ألف طن من البطاريات المستهلكة تتواجد في القطاع مكدّسة لدى التجار والمورّدين وهي بمثابة قنابل موقوتة في بقعة جغرافية محدودة، وهي بحاجة إلى التصدير".
ووفق حمادة فإن البطاريات التالفة تزداد أعدادها يوميًا، ولن تتوقف كون أن سكان القطاع يعتمدون على الطاقة البديلة مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 10 ساعات في اليوم الواحد.
وقد صُدّر نحو 2000 طن من هذه البطاريات إلى مصر في شهر يناير/ كانون الثاني، ومن المقرر تصدير نحو ألف طن في فبراير/ شباط الجاري، تبعًا لحديثه.
وتحذر سلطة جودة البيئة في غزة، من مخاطر تسرب مواد تلك المعادن إلى المياه الجوفية والتربة، مؤكدة أنها تجري اتصالات في محاولة لإخراج تلك المواد الخطرة من القطاع.
ويقول مدير عام حماية البيئة في سلطة جودة البيئة بهاء الأغا إن تسرب مكونات البطاريات من المعادن الثقيلة إلى المياه الجوفية والتربة من شأنه إحداث كارثة بيئية على مستوى القطاع.
ويوضح الأغا أن التعامل مع جمع البطاريات التالفة كثر في الفترة الأخيرة في قطاع غزة، بسبب تصديرها إلى الجانب المصري حيث يجد فيها الأفراد والتجار فرصة لتحقيق دخل مادي.
وبيّن أن سلطته، حصلت على كشف من وزارة الاقتصاد الوطني بأسماء التجار الذين يعملون في جمع البطاريات وتدويرها من أجل متابعتهم عن كثب، والرقابة على أدائهم لتفادي إصابة العاملين فيها بأمراض خطيرة، والتسبب في أضرار وخيمة للبيئة.
طفل غزي يعمل في ورشة عشوائية للبطاريات التالفة
ورش في أحياء سكنية
لا تزال شريحة واسعة من الفلسطينيين لا تدرك خطورة عملية تدوير الرصاص بطرق عشوائية جراء الجمع غير الآمن للبطاريات المستعملة.
علمًا أن اتفاقية بازل في عام 1989 والخاصة بالتخلص من النفايات الخطرة، تنّص على التخلص منها عبر مراحل تجميع بواسطة مختصين في مناطق بعيدة عن التمركز السكاني حتى تتم عملية المعالجة الآمنة لها.
وحسب دراسات محلية في قطاع غزة، فإن البطارية الواحدة تحتوي على أكثر من (65%) من مادة الرصاص، وهي تتحول إلى سموم قاتلة عند التعامل معها، فعند تعرض مكونات البطارية المعدنية للانصهار يخرج منها أدخنة سامة تتطاير في الهواء وتنتقل إلى فضاءات أخرى تسبب تلوثاً هوائياً وتدخل إلى أعماق التربة والمياه الجوفية.
وتقول الباحثة إخلاص حمدان: "يفترض ألا تتجاوز نسبة الرصاص في الدم حاجز 10 ميكروجرام/100ملليلتر، ولكن كل العاملين في مجال تدوير البطاريات مصابون بنسب متفرقة من التلوث بالرصاص في أجسادهم وممكن أن تصل إلى 230 ميكروجرام / 100 ملليلتر".
عمالة الأطفال بين أكوام عشوائية للبطاريات السامة في قطاع غزة
وتشير حمدان إلى أن العاملين في مجال جمع وتدوير نفايات البطاريات عرضة لإصابات مرضية أخرى مثل تلف الأعصاب، وآلام البطن، والغثيان، والصداع، والاستفراغ الدائم، وتشكّل طبقة سوداء على الأسنان، وهبوط الدم وتشوهات الأجنة، ويمكن أن يصل الأمر للتشنجات والتخلف العقلي والعقم وسرطان الدم.
وترى دراسة حمدان أن خطر التعامل مع البطاريات التالفة لا يقتصر على الرصاص فقط، بل إن بعضها يحوي على مادة الزئبق، والتي إن وصلت إلى الخزان الجوفي تسبب تلوثاً كبيراً، ذلك أن غراماً واحداً من الزئبق يمكن أن يلوث مليون لتر من المياه الجوفية.
ووفق حمدان فإن غالبية الورش تكون في أماكن صغيرة مزدحمة بالسكان، وأن طبيعة العمل عشوائي غير منظم، والعاملين في المجال ينقصهم التقيد بوسائل الأمان والوقائية والملابس الخاصة من كمامات وقفازات.
ووفق الدراسة تتركز 58% من ورش إعادة تدوير البطاريات التالفة والقديمة في مدينة غزة، و23 % في شمال غزة، و10% في المنطقة الوسطى، و9% في خان يونس.
فيما يخبرنا د. جمال صافي المختص في العلوم البيئية بجامعة الأزهر في غزة، أن خطورة الرصاص المصهور تكمن في البخار المتطاير خلال عملية الصهر الذي لا يُرى بالعين المجردة والذي يستنشقه العاملون، ما يهدد أيضًا سلامة الأهالي في المنطقة المحيطة بورشة إعادة تدوير البطاريات.
ونصح صافي الجهات الحكومية بإلزامية نشر الوعي حول خطورة تعامل الأطفال والعمال غير الآمن مع البطاريات، خاصة بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية مادة الرصاص في الترتيب الثاني للمواد السمية بعد مادة الزرنيخ.
وينص قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنه 1999 في المادة (7) على: " أن تقوم الوزارة (سلطة جودة البيئة) بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة على المستوى الوطني، بما في ذلك تحديد أساليب ومواقع التخلص منها، وكذلك الإشراف على تنفيذ هذه الخطة من قبل الهيئات المحلية".
كما نصت المادة (11) على "أنه لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أي مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أو صلبة أو غازية والمحددة من الجهة المختصة إلا وفقاً للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة".
ويحذر رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية د.أحمد حلس، من خطورة التعامل مع البطاريات التالفة والقديمة وإعادة تدويرها بأساليب وطرق تؤذي الإنسان والبيئة.
ويبين حلس أن ما يحدث داخل ورش إعادة تدوير البطاريات التالفة فوضى دون رقابة وإجراءات صارمة، فالعامل في هذا المجال يستنشق غازات ومواد كيميائية سامة من النيكل والكوبالت والرصاص وغيرها، وحتى الكائنات الحية تتضرر بسببها، وليس الإنسان فحسب.
ورشات عشوائية غير منظمة ودون رقابة تنتشر في قطاع غزة
ويعبر حلس عن أسفه بالقول: إن العجز في التيار الكهربائي في قطاع غزة عوضناه بكارثة بيئية تتمثل في سوء استخدام البطاريات".
وعلى وجه السرعة، يطالب حلس بنقل جميع الورش التي تتداول البطاريات التالفة من داخل الأحياء السكنية بعيداً، مع تقييد عملها بالحصول على رخصة من الجهات المختصة، وإلزام العاملين فيها بإجراءات الأمن والسلامة.
ويؤكد حلس أن مسؤولية متابعة تلك الورش التي "ما هي إلا قنابل موقوتة" حسب تعبيره، تتحملها عدة جهات وهي سلطة جودة البيئة، وسلطة الطاقة، والبلديات، ووزارتيّ الداخلية والاقتصاد، قائلاً:" لابد من تشكيل لجنة مركزية لمسح الكميات الموجود من البطاريات ونقاط التجميع، ووضع آلية لتجميعها من أجل التدوير أو التصدير".