خاص بآفاق البيئة والتنمية
يحتل الرصاص مركزا متقدما في سلم الملوثات المدمرة للبيئة لاسيما أثره على المياه الجوفية وعلى الإنسان. وتنبع خطورته من الانتشار الكبير للسيارات وكذلك صناعة الدهان والأصباغ والألوان التي ضاعفت من استخدام الرصاص وانتشاره في الطبيعة، وكثيرٌ منا لا يهتم اذا تلفت بطارية سيارته بل يشتري واحدة جديدة ويلقي بالقديمة في القمامة، وكذلك فيما يخص الدهان والأصباغ فلو تجولنا قرب مشروع بناء لوجدنا الكثير من سخانات الدهان ملقاة حيث ينتهي بها المطاف مطمورة مع مخلفات البناء، وتشكل بطاريات السيارات التالفة عاملاً كبيراً في تلوث البيئة وذلك لانعدام المصانع التي تعنى بإعادة التدوير لتلقى إما في حاويات القمامة أو في قلب الطبيعة.
ويصنف الرصاص ضمن الفلزات الثقيلة السامة، وهو عنصر كيميائي يحمل الرمز Pb، ويتواجد في الطبيعة كمركب كبريت الرصاص ، ومن أهم استخدامات الرصاص دخوله في صناعة بطاريات السيارات، وهو أيضا يعتبر عاملاً اساسياً في صناعة الدهانات والأصباغ والألوان.
بارقة أمل
من خلال بحثنا في مصير البطاريات التالفة وصلنا إلى مصنع ليد لتدوير المعادن في مدينة نابلس، الذي بدأ نشاطه منذ عام 2010. من هناك، يتحدث السيد طه الشكعة مدير المصنع عن طبيعة عمل المصنع وإجراءات السلامة البيئية المتبعة فيه: "نعمل على جمع البطاريات التالفة من السوق وبشكل رئيسي بطاريات السيارات السائلة، حجم ما نجمعه من السوق يصل إلى 250 طناً شهريا، يتم إنتاج 120 طن رصاص صافي منها، فبطارية السيارة تحتوي على نسبة 50% رصاص تقريبا بحسب الشركة المصنعة.
الأمن البيئي أولوية
وبحسب الشكعة فإن الحفاظ على البيئة الداخلية والخارجة هو على قمة سلم الأولويات للمصنع، ويبدأ ذلك من أولى مراحل إعادة التدوير: تجمع البطاريات بطريقة آمنة بحيث توضع على مسطحات خشبية وتكون مغلفة بالبلاستيك بشكل كامل، وعند وصولها للمصنع تتم عملية اعادة التصنيع عبر عدة مراحل كالتالي:
أولا: تفريغ البطاريات من الأسيد.
ثانيا: يخزن الأسيد في خزانات ستانلس، ويتم خلط مادة كونتكس وهي عبارة عن صودا لتحليل الأسيد وتحويله إلى ماء.
ثالثا: يتم تكسير جسم البطارية بماكينة خاصة بحيث يفصل البلاستيك ويتحول إلى قطع صغيرة يتم بيعه لمصانع إعادة التدوير وتصنع منه أدوات لا تستعمل من قبل الانسان بشكل مباشر للطعام او الشراب.
رابعا: يتم صهر الرصاص وإنتاج قوالب كبيرة من الرصاص النقي بنسبة 99% عن طريق الفرن، ومن ثم يتم إعادة صهر هذه القوالب من خلال غلايات لينتج رصاص أكثر نقاوة بنسبة 99%.
البيئة الداخلية
صمم المصنع بطريقة تجعله معزولا بشكل كامل عن الخارج، وذلك لمنع خروج الأدخنة للبيئة المحيطة، وكذلك فإن غرف الموظفين الإداريين أيضا معزولة عن المصنع، وتستعمل كمامات خاصة بالزوار والموظفين الإداريين من نوع دراجر تحتوي على فلاتر خاصة لحماية الجهاز التنفسي.
أما العاملون في المصنع وخاصة عمال الفرن والغلايات فقد تم توفير كمامات خاصة للوجه والرأس موصولة بماتور يضخ هواءً نقياً للتنفس يصل سعر الكمامة الواحدة فيه إلى 1000 دينار، وهي كفيلة بحماية الموظف بشكل كامل، بالإضافة لارتدائه طبقتين من الكفوف الطبية، وإجراءات إلزامية أخرى كالاستحمام يوميا قبل مغادرة المصنع، وغسل الملابس بشكل يومي، وفحوصات طبية شهرية لكل موظف، مما يجعل المصنع وفق الشكعة في المراتب الأولى من حيث عدم تعرض عماله للتسمم.
البيئة الخارجية
يوضح الشكعة فيما يتعلق بالبيئة الخارجية للمصنع: تعالج الغازات المنبعثة من الفرن والغلايات عن طريق فلاتر خاصة على مساحة 400 متر مربع تجمع الغبرة والأدخنة ويتم وضعها في أكياس.
ضعف في التوعية
ينهي الشكعة حديثه عن مصنعه قائلا:" لا يوجد إدارة بيئية بالمستوى المطلوب، اضطررنا لحضور مؤتمرات وندوات في الخارج لمعرفة الأدوات اللازمة للحفاظ على البيئة الداخلية والخارجية من حيث نوعية الكمامات وإجراءات السلامة البيئية الواجب إتباعها".
ضعف الامكانيات
يتحدث سعيد ابو زيد رئيس قسم النفايات الصلبة في بلدية رام الله عن جمع ومعالجة تلك النفايات قائلا:" لا يوجد مكب حديث ومتطور للفصل بين النفايات، ما نقوم به حاليا هو فقط فصل الورق والمواد العضوية وإعادة تدويرها، وبقية النفايات بما فيها البطاريات تلقى في حاويات القمامة وترحل إلى مكب زهرة الفنجان في جنين".
ومع ضعف الإمكانيات اللازمة للتعامل مع بطاريات السيارات التالفة والتي تحتوي على الرصاص، تبقى جهود التوعية البيئية وضرورة الحفاظ على البيئة هي أفضل الطرق للحد من تلك المخاطر، يضيف أبو زيد: "نعمل وفق عدة برامج لتوعية الجمهور، ونوجه خطابنا بشكل أساسي لطلاب المدارس كونهم شباب المستقبل والأيدي العاملة القادمة، ننبههم لمخاطر النفايات على البيئة وضرورة الحفاظ على بيئتنا نظيفة".
تشير وزارة الصحة الفلسطينية على لسان د. ابراهيم عطية مدير دائرة صحة البيئة إلى عدم وجود حالات مسجلة فيما يخص التسمم بالرصاص لدى الوزارة، ويرى د. عطية أن نسبة الخطورة قلت كثيرا لأن التعامل مع الرصاص بشكل مباشر قليل جدا". مؤكداً بأن المصانع التي تعيد تدوير الرصاص تخضع لإجراءات صحية مشددة في كل مراحل إعادة التصنيع ورقابة صارمة من قبل طواقمهم.
فيما يرى المهندس ثابت يوسف من سلطة جودة البيئة بأن الرصاص وكونه من العناصر الثقيلة فله تأثيرات خطيرة على البيئة والإنسان وخاصة الأطفال والأجنة، وقد يصل هذا الخطر إلى التسبب في سرطانات جلدية، وعند ترسبه في التربة فهو يؤدي إلى أضرار كبيرة، وتعتبر مشكلة الرصاص، وفق يوسف، مشكلة غير ملموسة الأثر ولكنها خطيرة على المدى البعيد".
محلول البطاريات المحتوي على الرصاص ملقى أينما كان
تخلص غير آمن
وتشير النتائج الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والواردة في مسح البيئة الإقتصادي لعام 2015 إلى أن المنشآت الإقتصادية تنتج شهريا 20.2 ألف طن من النفايات الصلبة، ومعظم هذه النفايات تنتجه الضفة الغربية بكمية بلغت حوالي 15.3 ألف طن شهريا، فيما بلغت الكمية الناتجة من قطاع غزة حوالي 4.9 ألف طن شهريا.
وقد أظهرت النتائج الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن 90.2% من المنشآت الاقتصادية تقوم بنقل نفاياتها الصلبة إلى أقرب حاوية، دون توفر طرق آمنة للتخلص السليم من النفايات.
أضرار الرصاص على صحة الإنسان
وتظهر منظمة الصحة العالمية حقائق هامة حول التسمم بالرصاص؛ إذ تشير تقديراتها إلى أن معدل تعرض الاطفال للرصاص يسهم سنويا في إصابتهم بنحو 6,00,000 حالة جديدة من العجز الذهني، كما ويؤدي إلى معدل وفيات قدره 143000 حالة وفاة سنويا معظمها في الدول النامية.
ويتركز خطر الرصاص وفق منظمة الصحة على نمو الدماغ والجهاز العصبي عند الأطفال، كما ويخلف أيضا أضراراً طويلة الأجل على البالغين كزيادة مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والفشل الكلوي، ويمكن أن يتسبب تعرض الحامل لمستويات عالية من الرصاص في الاجهاض وولادة جنين ميت والولادة المبكرة وانخفاض وزن المولود والتشوهات. وفي أسوأ الحالات يمكن أن يتسبب تعرض الأطفال للرصاص بمستويات عالية إلى الإصابة بالغيبوبة والتشنجات بل حتى الموت.